فيما كان الراقص على رؤوس الثعابين، المخلوع علي عبد الله صالح، يعلن أن اليمن أصبح قنبلة موقوتة، كان شباب 11 فبراير، وهو نفس يوم خلع الرئيس المصري حسني مبارك، يخرجون إلى الشوارع وينصبون الخيام ليفككوا فتيل تلك القنبلة، لقد قرر الشباب فتح نافذة جديدة للحياة، وتبعهم الشعب بكافة شرائحه، ليفترشوا الأرض ويلتحفوا السماء، رافضين العودة لعدة سنوات قادمة.. وكانت أهم مطالب وأهداف ثورة الحادي عشر من فبراير هي إسقاط النظام السياسي القائم، والمنظومة المرتبطة به بكل فسادها وعبثها وتدميرها لمقدرات اليمن، وبناء دولة مدنية حديثة قائمة على الديمقراطية والشفافية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والمواطنة المتساوية، كل تلك القيم التي لم يعترف بها نظام صالح، إلا كشكليات يستغلها وشعارات يرددها ليحصل على رضا المجتمع الدولي ودعمه، لكن في حقيقة الأمر كان اليمن يسير نحو الهاوية، ولم يكن أمام الشعب المنهك سوى خيار واحد.. خيار الثورة.
لقد بذل الشعب اليمني كل ما يستطيع في سبيل إنجاح هذه الثورة والخروج بالحلم من فم التنين الذي ابتلع أحلام اليمنيين على مدار 33 عاماً، وكنا جميعاً نعلم أنها معركتنا الأم، وأنها قد تكون معركتنا الأولى، لكنها لن تكون الأخيرة، كنا ندرك أن الراقص على رؤوس الثعابين لن يتخلى عن الدجاجة التي تبيض ذهباً.. وأنه سيدهس كل شيء ليظل هو الممسك بمقاليد الأمور. لكننا في المقابل أحرقنا كل سفن العودة، وجلسنا على الأسفلت لنقول ارحل، في وجه كل سنوات القهر والعبث والاستبداد والفقر والانهيار والتخلف والتدمير لمقدرات وطن عظيم، يستحق أبناؤه حياة أعظم وأكرم، ومستقبلاً زاهراً وخلّاقاً.
لم يكن أحد من فرقاء السياسة، أو دول الجوار، أو المجتمع الإقليمي والدولي قادراً على تفهم دقة المرحلة وحتميتها بالنسبة إلى دولة كاليمن، تكاد أن تنزلق نحو الهاوية، ظل الجميع يراقب ويترقّب ويلعب بالأوراق المتاحة وفق مصالحه الشخصية، لكن لا أحد اهتم بمصالح اليمنيين في وطن مزدهر وناهض، لقد عبئ الجميع بألا ينزلق اليمن! لكن لم يكن من المهم أن ينهض اليمن ويستقر ويتوجه نحو الدولة المدنية المنشودة، وفي ظل دولة رخوة وثورة مضادة وأحزاب ضعيفة متهالكة، واستراتيجية دولية وإقليمة لا يعنيها مستقبل اليمن بتلك الصورة، ظللنا نتراوح بين وضع سيئ وأسوأ، وظل الراقص يرقص على جراحنا الكثيرة، ويدير خيوط اللعبة كما يعرف تماماً كيف يديرها.. وظل اليمن يغوص في وحل ومستنقعات السياسة القذرة، لم يقتنص أحد فرصة الثورة وقدرتها على ضخ الدماء الجديدة في عروق الوطن، لعب الجميع كما كان يلعب بنفس الأدوات القديمة، ومن أجل ذات الأهداف الحقيرة والقاصرة، لذا تشظّت الثورة وتشظّى معها الحلم.
اليوم ننظر إلى كل ذلك النضال وكل تلك المعاناة، كل ذلك الأمل وكل ذلك الخذلان.. ننظر إلى أحلام الشباب الحر وآمال الشعب المتعب، ننظر إلى عيون أمنا اليمن.. العيون الخضراء العامرة.. نتماسك من جديد.. نتعالى على أوجاعنا.. ننزل إلى الشارع لنجمع أشلاء ثورتنا المجيدة، ونستعيد خطوها الراسخ المتكبر.
(اليمن)