18 يناير 2016
ثورة لن تدرك وجهتها
محجوب أحمد قاهري
طبيب وناشط في المجتمع المدني، يكتب المقالات في عدد من المواقع في محاولة لصناعة محتوى جاد ورصين.
لا أحد راض عن مآلات ثورة تونس، حتى وإن صرّح أننا نسير في الطريق السوي، ونصنع الاستثناء في دول الربيع العربي. ربّما لأن رقعة الثورة أكبر بكثير من حدثٍ يتعلق بتونس، أو أنها، أي الثورة، فعل ناشئ من "قاعة عمليات" مخفيّة في مراكز إحدى الدول القويّة التي تهمها الثروات العربية للمائة سنة المقبلة، أو يزيد. ولكن، المؤّكد، أيضا، أننا لم نكن نجتمع على رأي واحد، ولا على هدف واحد، ولم نبد تفهما لتغيرات المرحلة بالطريقة نفسها، فكان كل واحد منّا يغنّي على ليلاه، وأحلام الدولة الديمقراطية العادلة تضيع كل يوم.
قلّة قليلة شاركت في ثورة تونس، وأكثر التقديرات تفاؤلاً تقول إن ما بين 15 إلى 20% فقط من الشعب شاركوا في هذه الملحمة، وصنعوا معجزة هزم المخلوع بن علي وهروبه. أما الأغلبية الشعبية والأحزاب السياسية فلم تبد تعاطفها مع الدماء التي كانت تسيل أيام 8 و9 و10 جانفي (يناير/كانون ثاني) 2011 في القصرين وغيرها. فقد جرت مقابلة رياضية مهمة في سوسة يوم 12 جانفي، حضرها جمهور غفير، كما اجتمعت في اليوم نفسه جملة من ممثلي الأحزاب المعارضة، وانفضت من دون أن تتفق على إصدار بيان يستنكرون فيه القتل المتعمد لأبناء الشعب التونسي، والسبب كان الخوف من إثارة المشكلات مع بن علي، ولست أدري متى كان عليهم إصدار بيان يتضامنون فيه مع شعبهم؟
كانت أهداف هذه القلة التي ثارت واضحة، متمثلة في عناوين كبرى، الحرية والكرامة، بما في معنى الكرامة الحق في الحصول على لقمة الخبز والشغل، إلا أن الأغلبية والأحزاب التي تخلت عن دورها التاريخي في المرحلة الحاسمة من سير الأحداث حاولت الاستئثار بكل شيء، بعد هروب المخلوع وتأكدها من عدم عودته. وأخطر ما في استئثارها، هذا، تعدّد الأهداف الفئوية التي ظهرت بكثافة، فتضاربت المصالح، ولم يعد الوضع يحتمل أكثر من أصحاب النفوذ والمال، الذين بإمكانهم احتلال الشارع والمؤسسة، وتحقيق أهدافها، بما يستجيب لها فقط. فاشتغل أهل الساسة، فيما بينهم، بالضرب تحت الحزام، لاحتلال مكان في برج الأيديولوجيا التي انتهى عصرها منذ سنوات، واشتغلت مافيا المال في نهب ما يمكن أن ينهب، أما الثائرون الحقيقيون، فلم يجدوا مكانا في هذه الفوضى، أو بالأحرى لم يعرفوا الطريق إلى النجاح، وتوحيد الصفوف.
حتى الذين تسلّموا السلطة، واعتبروا بهتانا أنهم جزء من الثورة، كانوا في قمة العجز، من حيث أخذ القرارات وتقديم الحلول لمشكلات اقتصادية واجتماعية خطيرة. فقد كان استيراد "التكتك" الحل السحري الذي قدمه حمادي الجبالي لحل مشكل البطالة، وكان الهروب من التصدّي للفساد، في مغالطة كبرى، "تكتيكاً" للحفاظ على الأمن والسلم الأهليين. هذا العجز زادت في حدته القوى التي كانت خارج السلطة، فقد كانت تخطّط للتضحية بأكثر من عشرين ألف مواطن تونسي، من أجل افتكاك الحكم (حسب تصريحات نبيل القروي)، وكانت تملأ الساحات ضجيجا. وهو ما استحال معه تجميع كل القوى لمصلحة بناء الدولة، الدولة التي تجمع الجميع، وتضمن حق الجميع.
وليس أمام الدولة التونسية سوى حلين، لا ثالث لهما، أن يأخذ طرف ما بزمام الأمور، ويضرب بقوة كل مظاهر الفوضى، أو أن يستعيد الجميع رشده، ليجعلوا سقوط الدولة وتخريبها خطاً أحمر، لا يجب الاقتراب منه، مهما كان الخلاف، ثم التأسيس لعيش مشترك يجمع الجميع. وفي كلتا الحلين، لن تدرك الثورة وجهتها الحقيقية، لأن موازين القوى تغيرت، وأصبحت لصالح قوى المصالح، والا ما الداعي الذي فرض على الشيخ راشد الغنوشي أن يصرح أن تونس ليس فيها بترولا، ونحن نعرف أنه ليس خبيرا في التنقيب، ولم يدخل باطن الأرض، ليكشف ما تحتها.
محجوب أحمد قاهري
طبيب وناشط في المجتمع المدني، يكتب المقالات في عدد من المواقع في محاولة لصناعة محتوى جاد ورصين.
محجوب أحمد قاهري
مقالات أخرى
13 يناير 2016
21 اغسطس 2015
16 اغسطس 2015