تلك التجربة التي توجّت غارات بثلاث جوائز كبيرة، وهي جائزة النقاد من "BRIT Awards" وجائزتا صوت العام وأفضل فنان صاعد من الـ "BBC"؛ انتهت بشكل غريب، لتتحول إلى نموذج عن انعكاسات الصعود السريع السلبية، فمع نهاية سنة 2016 تلاشى اسم جاك غارات، ليهبط بسرعة كما صعد بسرعة.
تلك الحادثة أثرت على غارات نفسياً وجعلته يعيش حالة اكتئاب حاد، بحسب تصريحاته، التي أكد فيها لجوءه إلى طبيب نفسي؛ كما تسببت بمنعه عن تأليف الموسيقى لفترة من الزمن، بعد أن شعر بأن تأطيره السريع في قوالب نقدية شكّل عائقاً أمام حياته الموسيقية القائمة على التجريب. لكن غارات تمكن أخيراً من التغلب على حالة الشلل النفسي والمهني، فأصدر قبل أيام ألبومه الثاني، الذي حمل عنوان "Love, Death & Dancing".
حكاية الألبوم الأول وما تلاه من انهيار تمثل الثيمة الرئيسية في ألبوم غارات الثاني، والحب والموت والرقص هي الأفكار التي تتردد في مخيلة غارات أثناء انهياره النفسي. يبدأ الألبوم بأغنية "Time" التي يفتتحها بتساؤلات يحاول غارات من خلالها كسر حالة الاكتئاب: "لماذا لا يكفي أن تكون بخير؟ أنت تبالغ كثيراً في التفكير، ومرعوب من الاستسلام للحال الذي أنت عليه الآن"، ويقطع هذه التساؤلات بلازمة اعتراضية تضفي نفحات من الأمل لتكسر الرتم الكئيب: "عندما يكون الوقت لصالحك".
الانكسارات النفسية التي شكلت شخصية غارات المهتزة نجد آثارها واضحة في العديد من الأغاني، مثل "Return Them To The One" التي يقول غارات فيها: "لم يأتوا إلى هنا من أجلي، أنا لست الحدث الرئيسي"؛ لتساهم الكلمات التي نسمعها في ترسيخ الانطباع الأول الذي نحصل عليه عند السماع للموسيقى، فنحن لا نستمع لأغاني بوب نمطية؛ إذ إن الموسيقى الإلكترونية العنيفة التي تكسرها الآلات الحية العديدة التي يجيد غارات العزف عليها، كالبيانو والغيتار، وما يتشكل من خلال هذا التزاوج من موسيقى فريدة لا يمكن تأطيرها ضمن صنف محدد بشكل نمطي.
كذلك، فإن الفواصل الموسيقية الطويلة التي تفصل بين الكلام ببعض الأغاني ومقاطع صولو لغيتار كهربائي بالبعض الآخر، وكل تلك الانكسارات بالرتم الموسيقي، إنها جميعاً تشير إلى أننا لا نستمع لألبوم بوب نمطي؛ وهو ما تؤكده الكلمات التي تبدو بعيدة عن العنجهية المعتادة في أغاني البوب، المغزولة على اعتقادات مسبقة بالجماهيرية الكبيرة التي تنمط معاناة نجم البوب في الغالب ضمن صورة نمطية مجترة عن انعدام الخصوصية بسبب المحبين والمترصدين. إن كلمات غارات تبدو أكثر عمقاً وخصوصية، وذلك بسبب صدقها وولادتها ضمن حالة نفسية مركبة.
أفضل أغاني الألبوم هي أغنية "Better" التي يردد فيها غارات: "آه لو كان بإمكاني ابتلاع شيء ما ليجعلني بحال أفضل مما أنا عليه الآن". إنها الأغنية الأكثر إثارة برتمها السريع الراقص، والتي تبدو شبيهة بخطاب انتحار أو بدعوة للحب، مع تمني بأن يكون الحل لكل شيء سهلاً للغاية، بحبة دواء تنهي كل المعاناة، وتجعل الأمور تسير بشكل أفضل من تلقاء ذاتها.
وأما الثلث الأخير من الألبوم، فإنه يميل أكثر نحو الابتعاد عن موسيقى البوب، مثل أغنية "Mend A Heart" التي تم ضبطها بأسلوب الآر آند بي بشكل كامل، ولكنها لا ترتقي بجماليتها إلى أغاني البوب غير النمطية في مقدمة الألبوم، والتي تبدو مساحة التجريب فيها أكبر، وتبدو أكثر أصالةً.