أثرت أزمة تونس الاقتصادية والأمنية على كل شرائح المجتمع، نظراً لغياب الحلول الجدية، رغم تعاقب الحكومات المختلفة التوجهات. وبقيت البطالة من أبرز الملفات التي استعصت على الحل، خصوصاً مع بلوغ عدد العاطلين عن العمل قرابة 605 آلاف شاب عام 2015 بنسبة تقدر بنحو 15 بالمائة من مجموع السكان النشيطين.
وأثارت النسب المرتفعة للبطالة المخاوف لدى طلبة الجامعات الذين يستعدون للتخرج والالتحاق بسوق العمل، خاصة مع الإحباط الذي أودى ببعض المحتجين إلى الانتحار أحياناً.
وحسب إحصائية أصدرتها وزارة التعليم العالي أخيراً، انخفض عدد الطلبة بالجامعات التونسية من 347 ألف طالب عام 2010 إلى قرابة 293 ألف عام 2014. كما انخفض عدد الخريجين من 86 ألفاً إلى 61 ألفاً في السنوات ذاتها. يقابل ذلك زيادة في عدد المؤسسات الجامعية التونسية من 193 مؤسسة عام 2010 إلى 204 مؤسسات عام 2015.
جال "العربي الجديد" على عدد من المؤسسات الجامعية لرصد تطلعات الطلبة بخصوص مستقبلهم المهني بعد التخرج، ورصد اختلافاً في الإجابات بين متفائل ومتشائم.
خلود طالبة ماجستير لغة فرنسية في كلية الآداب بصفاقس، أكدت أنها اختارت مواصلة دراساتها العليا بعد فشل أختها الخريجة في إيجاد عمل، رغم مرور ثماني سنوات على تخرجها، معتبرة أن الحصول على الدكتوراه قد يفتح آفاقاً أرحب للعمل خارج البلاد في مجال التدريس.
اقرأ أيضاً: الرعي اختصاص جامعيي تونس
أما آمنة في كلية الفنون الجميلة بصفاقس، أوضحت أن اختصاصها لا يحتاج إحاطة من الدولة، بل هو عمل حرّ، قد يمكنها من كسب رزقها إذا تميزت في إنجازه وأتقنت أساليب تسويقه.
لكن محمد الهادي، الطالب بكلية الهندسة بتونس، عبّر عن امتعاضه الشديد جراء انخفاض أجر المهندسين المتخرجين حديثاً في تونس وصعوبة إيجادهم عملاً مقارنة بالدول المتقدمة. وأضاف "أحاول إلى جانب دراستي الجامعية، البحث عن فرص عمل خارج تونس، خصوصاً بدول الخليج العربي مثل قطر ودبي، حيث تتناسب معاملة المهندس مع كفاءته المهنية".
من جهته، أكد الأستاذ الجامعي ومؤسس اتحاد الأساتذة الجامعيين والباحثين التونسيين زياد بن عمر أن تخوف الطلبة من البطالة أمر منطقي وأسبابه واضحة، مضيفاً "المشكلة الأساسية تتمحور حول غياب استراتيجية واضحة لوزارة التعليم العالي مع المحيط الاقتصادي والاجتماعي من جهة، وغياب تخطيط مُحوكَم بشكل يتلاءم مع احتياجات سوق الشغل".
ولفت كذلك إلى غياب تشخيص واضح لمنظومة "أمد" التي وقع اعتمادها في تونس بشكل عشوائي وغير مدروس، تلك المنظومة الهشة والفاقدة لجسور التواصل بين المؤسسات الاقتصادية والعلمية، كما أنها لا تسهل حركة تنقل الطلبة من مؤسسة جامعية لأخرى، وكذلك تمديد التكوين الدراسي، خاصة أن شعب الماجستير الأساسي تشهد نقصاً فادحاً في المؤطرين.
وأشار بن عمر إلى غياب الهيكل الصلب لوزارة التعليم العالي، وللتوجه البحثي الجامعي الذي يهتم بمصير الطلبة بعد تخرجهم، مؤكداً أن مصادر الأرقام المتوفرة عن نسب البطالة حسب اختصاصات الخريجين هي من خارج الوزارة.
وعدّد الأستاذ بن عمر جملة من الحلول منها:
- إرساء حوكمة جيدة للهياكل البيداغوجية والعلمية، وتغيير القانون الانتخابي الحالي بآخر يجمع بين الكفاءة والشفافية.
- تشخيص علمي ودقيق لأسباب المشاكل المتراكمة، واعتماد استراتيجية واضحة تربط بين جودة التكوين وسوق العمل.
- مراجعة جذرية لمنظومة "أمد" وتلافي مشاكلها.
- إنشاء جسور فعلية وفاعلة بين الوزارات المختلفة وسوق العمل.
- مراجعة الخارطة الجامعية والاعتناء بمؤسسات التعليم العالي في المناطق الداخلية.
- إرساء استراتيجية واضحة للبحث العلمي وتكوين هيئة عليا مستقلة للبحث.
اقرأ أيضاً: معارض تونسي يتهم وزير التربية بالفشل الذريع