يستمرّ الجدل في تونس حول الحقّ في الاختلاف والحريات العامة. وكثيراً ما تتحوّل بعض القضايا والآراء إلى حملات ممنهجة لتشويه صورة الخصوم (من نواب وحقوقيين وناشطين)، وقد تتطور إلى حدّ التهديد بالقتل. أخيراً، أعلن رئيس كتلة حزب قلب تونس في مجلس نواب الشعب، أسامة الخليفي، تعرض نواب حزبه لتهديدات بالقتل وهجوم غير مسبوق على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب مواقف الحزب ودعمه لبقاء راشد الغنوشي على رأس البرلمان. وكتب في حسابه على "فيسبوك": "تهديد بالقتل، تخوين وتشويه، وتعليمات واضحة بهجوم واسع ونشر صور أولادنا وتخويننا". وليست هذه القضية الوحيدة التي أثارت ضجة في تونس.
فالفنان الكوميدي لطفي العبدلي، واجه انتقادات حادة على منصات التواصل الاجتماعي، ووصل الأمر إلى منعه من قبل محافظات تونسية من الصعود على المسرح وإلغاء حفلاته بسبب سخريته من رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي في أحد عروضه. وفي وقت اعتبر العبدلي أن ما حصل محاولة لتكميم الأفواه على غرار عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وحرب على حرية التعبير في تونس، رأى آخرون أن ما قام به هو تهجّم على المرأة التونسية، خصوصاً أنه استخدم في نقده عبارات مسيئة. لكن الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، يرى أن إلغاء أكثر من عرض للكوميدي لطفي العبدلي تحت ضغط مراكز القوى النوفمبرية فيه اعتداء صارخ على حرية التعبير وعودة لسياسة تكميم الأفواه التي مورست على مدى عقود من الزمن. يضيف الشابي: "قد لا يروق بعضَنا ما يقدمه هذا الفنان أو ذاك. ومهما يكن، يجب أن يبقى مجال تقييم عمله بعيداً عن كل محاولات الإخضاع أو الترويض".
في هذا السياق، يقول أستاذ علم الاجتماع سامي نصر، لـ"العربي الجديد": "من أكثر النصوص وضوحاً في العالم، تلك المتعلقة بحقوق الإنسان. لكن المشكلة تكمن في ثقافة حقوق الإنسان. هناك من يغذيها ويدعمها كالحق في الاختلاف وحرية التعبير، فيما تحول عوامل أخرى دون تكريس ثقافة حقوق الإنسان". ويشير إلى أنه لم يجرِ التحرر من "ثقافة المقياس"، أي النظر وتقييم الأمور استناداً إلى مقياس معيَّن. بمعنى آخر، إذا كان الرأي مناسباً للمعنيّين، يُصار إلى قبوله وتأييده، وإذا لم يكن، تُشَنّ على الشخص حملات واسعة واتهامات بالتطاول والتجاوز. ويوضح نصر أن تونس حقّقت مكاسب إبان ثورة 11 يناير/ كانون الثاني 2011، لكن التحرر الحقيقي يجب أن يكون من "ثقافة المقياس". فقضية الإعلامي والكاتب توفيق بن بريك الذي سجن أخيراً بسبب انتقاده للقضاة قبل أن يطلق سراحه، أدت إلى إثارة الرأي العام وتفاعل منظمات حقوقية ودولية. وهناك من سانده بنحو كلي.
في المقابل، اعتبر البعض أن ما قام به تهجم على القضاة. ويلفت إلى انقسام آخر حول الكوميدي لطفي العبدلي بين من يرى أنه تطاول على سياسي ومسّ بكرامته، في وقت ساندته فيه الكتل والتيارات السياسية المنافسة لهذا الخصم، وبالتالي لا يُنظر إلى الواقع كما هو، بل بحسب ما نريد أن يكون. يتابع نصر بأن المجتمع التونسي يعيش ضبابية في مفهوم الحريات، وأي حدث يمكن أن يتحول إلى قضية تثير الرأي العام، ويكفي أن تحصل أزمة لتثار حولها ضجة واسعة قد تحوّل وجهتها، موضحاً أن الفاعلين السياسيين يراهنون على الإثارة لتحويل وجهة بعض القضايا. وعلى الرغم من أهمية ثقافة حقوق الإنسان وتقدّم تونس في هذا المجال، إلا أن "آلة الجذب إلى الوراء أقوى من الدفع إلى الأمام. وحتى الآن، ما من وجود للحق في الاختلاف، فإما أنا أو أنت، وما من إيمان بفكرة أن تونس تتسع للجميع، فإما أقصيك أو تقصيني، وبالتالي نعيش حالة من الفوضى العارمة و"النشوة بالحريات والثورة وكأن هناك إدمان لبعض الأزمات.
حصلت محاكمات شملت عمال الحضائر وشباب الكامور
للأسف، غالبية الحكومات منذ الثورة تعيش من الأزمات". ويُلاحظ نصر أن ما يحدّد الحقوق والحريات، هو القوانين الحقوقية مع الأخذ بالاعتبار خصوصية الشعوب، فهناك حقوق معترف بها دولياً وتلتزمها الشعوب وتقتنع بها. مع ذلك، نجد دائماً داعمين ومعارضين. ويقول رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، عبد الرحمن الهذيلي، لـ"العربي الجديد"، أنّ محاكمة الناشطين الحقوقيين والحركات الاجتماعية مستمرة في البلاد، على الرغم من أن الدستور يكفل الحق في الاحتجاج. لكن حصلت محاكمات شملت عمال الحضائر في قفصة وسيدي بوزيد. وهؤلاء عمال بوظائف مؤقتة أو عقود محددة المدة، يطالبون بتفعيل اتفاق 28 ديسمبر/ كانون الأول 2018 الذي نشر في الرائد الرسمي (الجريدة الرسمية)، وينصّ على تسوية أوضاع عمال الحضائر على مراحل، وتمكين مَن يرغب في المغادرة الطوعية من الحصول على مبلغ 14 ألف دينار (4904.54 دولارات أميركية)، ومن هم ما بين 55 و60 سنة من الحصول على منح (للعائلات المعوزة) ودفتر العلاج المجاني. وشملت المحاكمات أيضاً شباب الكامور في تطاوين جنوبي تونس. يشار إلى أن الحكومة وممثلين عن متظاهرين في منطقة الكامور أبرموا اتفاقاً في يونيو/ حزيران 2017، ينصّ على فضّ اعتصام دام أكثر من شهرين في مقابل الاستجابة لمطالب المحتجين بتوفير فرص عمل وتنمية المحافظة. بالتالي، عادة ما يُقابل الحراك الاجتماعي بصدّ من الدولة، مضيفاً (الهذيلي) أن السبب غياب الحلول ومحاولة الابتعاد عن المطلب الرئيسي، كالحق في التشغيل. ويقول: "كم من محاكمات تلهي طالبيها عن القضية الرئيسية ليصبح الهدف هو البحث عن الحرية". ويلفت إلى أن غالبية الحكومات المتعاقبة على تونس منذ الثورة ليس لديها حلول للبطالة ومشاكل عمال الحضائر، ولا ردود مقنعة لأصحاب الحقوق في الجهات. وللأسف، الوضع يسير نحو مزيد من التأزم، ما يفسر ارتفاع نسبة الهجرة السرية. بالتالي، لا توجد أي حكومة مستعدة للنظر في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ما يؤدي إلى تأجيلها، مؤكداً أنّ هناك أولويات للحكومات وأولويات للمواطنين المطالبين بالتنمية وحلحلة بعض القضايا الاجتماعية". ويتوقع الهذيلي مزيداً من التصعيد للمطالة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية خلال الأشهر القليلة المقبلة، موضحاً أنّ المطالب الحقوقية مستمرة، ولا يمكن تجريمها بأي شكل من الأشكال.
يستمرّ الجدل في تونس حول الحقّ في الاختلاف والحريات العامة. وكثيراً ما تتحوّل بعض القضايا والآراء إلى حملات ممنهجة لتشويه صورة الخصوم (من نواب وحقوقيين وناشطين)، وقد تتطور إلى حدّ التهديد بالقتل. أخيراً، أعلن رئيس كتلة حزب قلب تونس في مجلس نواب الشعب، أسامة الخليفي، تعرض نواب حزبه لتهديدات بالقتل وهجوم غير مسبوق على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب مواقف الحزب ودعمه لبقاء راشد الغنوشي على رأس البرلمان. وكتب في حسابه على "فيسبوك": "تهديد بالقتل، تخوين وتشويه، وتعليمات واضحة بهجوم واسع ونشر صور أولادنا وتخويننا". وليست هذه القضية الوحيدة التي أثارت ضجة في تونس.
فالفنان الكوميدي لطفي العبدلي، واجه انتقادات حادة على منصات التواصل الاجتماعي، ووصل الأمر إلى منعه من قبل محافظات تونسية من الصعود على المسرح وإلغاء حفلاته بسبب سخريته من رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي في أحد عروضه. وفي وقت اعتبر العبدلي أن ما حصل محاولة لتكميم الأفواه على غرار عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وحرب على حرية التعبير في تونس، رأى آخرون أن ما قام به هو تهجّم على المرأة التونسية، خصوصاً أنه استخدم في نقده عبارات مسيئة. لكن الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، يرى أن إلغاء أكثر من عرض للكوميدي لطفي العبدلي تحت ضغط مراكز القوى النوفمبرية فيه اعتداء صارخ على حرية التعبير وعودة لسياسة تكميم الأفواه التي مورست على مدى عقود من الزمن. يضيف الشابي: "قد لا يروق بعضَنا ما يقدمه هذا الفنان أو ذاك. ومهما يكن، يجب أن يبقى مجال تقييم عمله بعيداً عن كل محاولات الإخضاع أو الترويض". في هذا السياق، يقول أستاذ علم الاجتماع سامي نصر، لـ"العربي الجديد": "من أكثر النصوص وضوحاً في العالم، تلك المتعلقة بحقوق الإنسان. لكن المشكلة تكمن في ثقافة حقوق الإنسان. هناك من يغذيها ويدعمها كالحق في الاختلاف وحرية التعبير، فيما تحول عوامل أخرى دون تكريس ثقافة حقوق الإنسان". ويشير إلى أنه لم يجرِ التحرر من "ثقافة المقياس"، أي النظر وتقييم الأمور استناداً إلى مقياس معيَّن. بمعنى آخر، إذا كان الرأي مناسباً للمعنيّين، يُصار إلى قبوله وتأييده، وإذا لم يكن، تُشَنّ على الشخص حملات واسعة واتهامات بالتطاول والتجاوز. ويوضح نصر أن تونس حقّقت مكاسب إبان ثورة 11 يناير/ كانون الثاني 2011، لكن التحرر الحقيقي يجب أن يكون من "ثقافة المقياس". فقضية الإعلامي والكاتب توفيق بن بريك الذي سجن أخيراً بسبب انتقاده للقضاة قبل أن يطلق سراحه، أدت إلى إثارة الرأي العام وتفاعل منظمات حقوقية ودولية. وهناك من سانده بنحو كلي.
في المقابل، اعتبر البعض أن ما قام به تهجم على القضاة. ويلفت إلى انقسام آخر حول الكوميدي لطفي العبدلي بين من يرى أنه تطاول على سياسي ومسّ بكرامته، في وقت ساندته فيه الكتل والتيارات السياسية المنافسة لهذا الخصم، وبالتالي لا يُنظر إلى الواقع كما هو، بل بحسب ما نريد أن يكون. يتابع نصر بأن المجتمع التونسي يعيش ضبابية في مفهوم الحريات، وأي حدث يمكن أن يتحول إلى قضية تثير الرأي العام، ويكفي أن تحصل أزمة لتثار حولها ضجة واسعة قد تحوّل وجهتها، موضحاً أن الفاعلين السياسيين يراهنون على الإثارة لتحويل وجهة بعض القضايا. وعلى الرغم من أهمية ثقافة حقوق الإنسان وتقدّم تونس في هذا المجال، إلا أن "آلة الجذب إلى الوراء أقوى من الدفع إلى الأمام. وحتى الآن، ما من وجود للحق في الاختلاف، فإما أنا أو أنت، وما من إيمان بفكرة أن تونس تتسع للجميع، فإما أقصيك أو تقصيني، وبالتالي نعيش حالة من الفوضى العارمة و"النشوة بالحريات والثورة وكأن هناك إدمان لبعض الأزمات. للأسف، غالبية الحكومات منذ الثورة تعيش من الأزمات".
ويُلاحظ نصر أن ما يحدّد الحقوق والحريات، هو القوانين الحقوقية مع الأخذ بالاعتبار خصوصية الشعوب، فهناك حقوق معترف بها دولياً وتلتزمها الشعوب وتقتنع بها. مع ذلك، نجد دائماً داعمين ومعارضين. ويقول رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، عبد الرحمن الهذيلي، لـ"العربي الجديد"، أنّ محاكمة الناشطين الحقوقيين والحركات الاجتماعية مستمرة في البلاد، على الرغم من أن الدستور يكفل الحق في الاحتجاج. لكن حصلت محاكمات شملت عمال الحضائر في قفصة وسيدي بوزيد. وهؤلاء عمال بوظائف مؤقتة أو عقود محددة المدة، يطالبون بتفعيل اتفاق 28 ديسمبر/ كانون الأول 2018 الذي نشر في الرائد الرسمي (الجريدة الرسمية)، وينصّ على تسوية أوضاع عمال الحضائر على مراحل، وتمكين مَن يرغب في المغادرة الطوعية من الحصول على مبلغ 14 ألف دينار (4904.54 دولارات أميركية)، ومن هم ما بين 55 و60 سنة من الحصول على منح (للعائلات المعوزة) ودفتر العلاج المجاني. وشملت المحاكمات أيضاً شباب الكامور في تطاوين جنوبي تونس. يشار إلى أن الحكومة وممثلين عن متظاهرين في منطقة الكامور أبرموا اتفاقاً في يونيو/ حزيران 2017، ينصّ على فضّ اعتصام دام أكثر من شهرين في مقابل الاستجابة لمطالب المحتجين بتوفير فرص عمل وتنمية المحافظة. بالتالي، عادة ما يُقابل الحراك الاجتماعي بصدّ من الدولة، مضيفاً (الهذيلي) أن السبب غياب الحلول ومحاولة الابتعاد عن المطلب الرئيسي، كالحق في التشغيل. ويقول: "كم من محاكمات تلهي طالبيها عن القضية الرئيسية ليصبح الهدف هو البحث عن الحرية". ويلفت إلى أن غالبية الحكومات المتعاقبة على تونس منذ الثورة ليس لديها حلول للبطالة ومشاكل عمال الحضائر، ولا ردود مقنعة لأصحاب الحقوق في الجهات. وللأسف، الوضع يسير نحو مزيد من التأزم، ما يفسر ارتفاع نسبة الهجرة السرية. بالتالي، لا توجد أي حكومة مستعدة للنظر في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ما يؤدي إلى تأجيلها، مؤكداً أنّ هناك أولويات للحكومات وأولويات للمواطنين المطالبين بالتنمية وحلحلة بعض القضايا الاجتماعية". ويتوقع الهذيلي مزيداً من التصعيد للمطالة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية خلال الأشهر القليلة المقبلة، موضحاً أنّ المطالب الحقوقية مستمرة، ولا يمكن تجريمها بأي شكل من الأشكال.