أنا لا أعرف، أنتم أدرى. ربما أنتم من طينة أخرى، لكنّني هكذا. ماذا عسانا أن نفعل! أنا أتحمّل كامل المسؤولية. الشيء الوحيد الصحيح يومها هو أنني كنت أنتعل حذاءً جديداً. فإذا قمنا بتحليل الأمور بدقّة سنجد أن المسؤول الحقيقي هو صانع الحذاء.
أنا رجل، رجل بكل ما تحمله الكلمة من معنى كما يقول السيد هويوس. لم أستحمله، هذا أمر واضح. هناك أوجاع لا تطاق.
مرة أجروا لي عملية دون تخدير: لأنني أردت ذلك. لكن هذه قصة أخرى ولا علاقة لها البتة بهذا. صراحة لم يكن في وسعي الاحتمال أكثر. تلك الآلام الغادرة والمنافقة، والتي ليست حتى آلاماً.
ركبت الحافلة. وبدأ الأمر على الفور: داس على حذائي. نعم، داس على حذائي. طلب مني المعذرة بكل أدب. تمالكتُ نفسي ولم يحدث شيء.
الغريب الذي يدوس على رِجل شخصٍ ما هو بكل تأكيد شخص كريه. لحظة بعد ذلك -أظن أنه حدث عند موقف الحافلات التالي- قاموا بدفعنا وحينها داس ذلك الرجل على حذائي للمرة الثانية. هذه المرة لم يطلب مني المعذرة. لم أستطع الصبر هذه المرة فهززته. ساعتها داس على قدمي للمرة الثالثة.
البقية تعرفونها. ليس ذنبي أيضاً أن أكون ممثلاً لأحسن مصنع أميركي لأمواس الحلاقة، بغض النظر عن كوني رجلاً بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
■
على حافة الرصيف
كنّا نقف على حافة الرصيف، ننتظر عبور الشارع. وكانت السيارات تمرّ بأقصى سرعة، الواحدة تلو الأخرى، متلاصقة بأضوائها. لم يكن عليّ فعل شيء أكثر من دفعها قليلا. كان قد مرّ على زواجنا اثنا عشر عاما. لم تكن تصلح لشيء.
* Max Aub روائي مكسيكي إسباني (1903-1972)، كتب الرواية التجريبية والمسرح والنقد الأدبي والشعر. من أهم أعماله رواية "المتاهة الساحرة" التي تحكي عن الحرب الأهلية الإسبانية. لوحق من قبل نظام فرانكو واعتُبر جاسوساً وسجن ثم نفي إلى الجزائر، هناك كتب ديوانه "مقبرة الجلفة" (1945). والقصتان مأخوذتان من مجموعته القصصية "جرائم مثالية" (1957).
** ترجمة عن الإسبانية: إبراهيم اليعيشي