في بداية الثمانينيات، كانت توجد، تقريباً على جميع الحوائط الجانبية لمترو مدينة نصر وروكسي وعبدالعزيز فهمي، كلمات بخطوط عريضة (تكتب خلسةً في الفجر): محمود عبد الرزاق عفيفي – أديب الشباب – من يسبح ضد التيار معي؟
وخلال السنوات الأخيرة من أواخر التسعينيات حتى قيام الثورة، نام محمود عبد الرزاق عفيفي في نهره السّري بعدما سبح ضد التيار بما فيه الكفاية، ولم يعد يكتب على الحوائط شيئا، لا ضد التيار ولا حتى معه، حتى عرفنا أن وزارة الداخلية، التي كان يعمل فيها اخصائيا اجتماعيا، أحالته إلى التقاعد قبل أن يكمل الستين، وما زال الرجل يرفع القضايا على الوزارة، حتى بعد مرور سنوات على تحويله إلى التقاعد. والآن يمتلك عددا من الغرف البسيطة ورثها، يؤجرها للطلبة في منطقة قريبة من مقابر السيدة عيشة، وكفّ تقريبا عن الكتابة، مع التيار أو ضده .
لا أعرف لماذا ذكرتني قصة أديب الشباب، محمود عبد الرزاق عفيفي، بصحف المعارضة المصرية، وخصوصاً هذه الأيام، بعدما خلعت كل صحف المعارضة أسنانها بمزاجها ورمتها لعين الشمس قائلة: "خدي سنة الحمارة وهات سنة الغزالة".
لكن أكثر ما أوقعني في الغرابة أنني فور أن فتحت صحيفة "الأهالي"، التي كانت معارضة لسنوات، كدت أموت من الضحك لأول مقال للسيدة أمينة النقّاش تحت ترويسته الدائمة "ضد التيار"، والمقال بعنوان: "الرئيس وصحف المعارضة"، وتقول فيه ابتداء: ضحك الرئيس، عبدالفتاح السيسي، من قلبه حينما طالبت في حواره مع الصحافيين بدعم الدولة لصحف المعارضة". (لعله قال: شر البلية ما يضحك).
فعلا له الحق الرئيس السيسي أن يضحك من قلبه، والغريب أن بجوار المقال في العدد نفسه، عنوانا مع صورة يقول: "السيسي: مخططات اقليمية لاختراق النخبة المصرية"، وكأن النخبة المصرية في حاجة لمن يخترقها! وكان في الصفحة الأولى في العدد خبر له دلالة فائقة على ما يتم للنخبة المصرية والخبر بعنوان: "ألف سلامة"، وتقول تفاصيله: "يرقد المناضل العمّالي أبو العز الحريري في المستشفي العسكري، الذي يعالج فيه في الاسكندرية – قبل أن يأمرالسيسي بعلاجه على نفقة الدولة – كما بدا الناشط السياسي أحمد سيف الإسلام يتعافى من جراء الجراحة الدقيقة، التي أجراها مؤخرا"، طبعا ليس على نفقة القوات المسلحة ومستشفياتها كما حدث مع أبو العز الحريري.
الخبر حقا يعبر، دون أن يقصد، عن وجود رجال في جهة ورجال في جهة أخرى من السلطة الحالية. أناس بيوضها تحت حجر السلطة وقد كانوا سابقا من أبطال المعارضة وجهابذتها، ورجال، كما ولدتهم أمهاتهم، أحرار رغم طيبتهم وانخفاض عقيرتهم أمام العالم والميكروفون، والخبر يصور الاثنين وكأنما يتباهى السابق باللاحق، وقديما قالوا: "القرعاء تتباهي بشعر بنت اختها". وهذه جولة أولى بسيطة في جريدة كنا نتسابق على شرائها من سنوات خلت، أيام كان محمود عبد الرزاق عفيفي يسبح ضد التيار على حوائط مترو مدينة نصر، دون أن نراه أو نرى ملابسه مركونة على البرّ تحت حجر.
قبل انتخابات الرئاسة بأسبوع، مررت في وسط القاهرة لأرى المشهد: كانت صور السيسي بالحجم الكبير تغطي جدارن حزب التجمع. تبلغ طول الواحدة منها خمسة أو ستة أمتار. كان الحذاء أسفل كل صورة لامعا وزاهيا. بعد شهر وجدت أسفل الحزب ثلاثة دكاكين مفتوحة اقتطعت من مساحة الحزب، واحد منها كافيه والكراسي سدت ثلت الشارع، والمحل الثاني للأكل واسمه "فتافيت"، والثالث لا أعرف ماذا تخصصه. هل كان يحق لمحمود عبد الرزاق عفيفي أن يغيب كل هذه السنوات من على حوائط مترو مدينة نصر؟
علّه ترك السباحة في الوقت المناسب.
وخلال السنوات الأخيرة من أواخر التسعينيات حتى قيام الثورة، نام محمود عبد الرزاق عفيفي في نهره السّري بعدما سبح ضد التيار بما فيه الكفاية، ولم يعد يكتب على الحوائط شيئا، لا ضد التيار ولا حتى معه، حتى عرفنا أن وزارة الداخلية، التي كان يعمل فيها اخصائيا اجتماعيا، أحالته إلى التقاعد قبل أن يكمل الستين، وما زال الرجل يرفع القضايا على الوزارة، حتى بعد مرور سنوات على تحويله إلى التقاعد. والآن يمتلك عددا من الغرف البسيطة ورثها، يؤجرها للطلبة في منطقة قريبة من مقابر السيدة عيشة، وكفّ تقريبا عن الكتابة، مع التيار أو ضده .
لا أعرف لماذا ذكرتني قصة أديب الشباب، محمود عبد الرزاق عفيفي، بصحف المعارضة المصرية، وخصوصاً هذه الأيام، بعدما خلعت كل صحف المعارضة أسنانها بمزاجها ورمتها لعين الشمس قائلة: "خدي سنة الحمارة وهات سنة الغزالة".
لكن أكثر ما أوقعني في الغرابة أنني فور أن فتحت صحيفة "الأهالي"، التي كانت معارضة لسنوات، كدت أموت من الضحك لأول مقال للسيدة أمينة النقّاش تحت ترويسته الدائمة "ضد التيار"، والمقال بعنوان: "الرئيس وصحف المعارضة"، وتقول فيه ابتداء: ضحك الرئيس، عبدالفتاح السيسي، من قلبه حينما طالبت في حواره مع الصحافيين بدعم الدولة لصحف المعارضة". (لعله قال: شر البلية ما يضحك).
فعلا له الحق الرئيس السيسي أن يضحك من قلبه، والغريب أن بجوار المقال في العدد نفسه، عنوانا مع صورة يقول: "السيسي: مخططات اقليمية لاختراق النخبة المصرية"، وكأن النخبة المصرية في حاجة لمن يخترقها! وكان في الصفحة الأولى في العدد خبر له دلالة فائقة على ما يتم للنخبة المصرية والخبر بعنوان: "ألف سلامة"، وتقول تفاصيله: "يرقد المناضل العمّالي أبو العز الحريري في المستشفي العسكري، الذي يعالج فيه في الاسكندرية – قبل أن يأمرالسيسي بعلاجه على نفقة الدولة – كما بدا الناشط السياسي أحمد سيف الإسلام يتعافى من جراء الجراحة الدقيقة، التي أجراها مؤخرا"، طبعا ليس على نفقة القوات المسلحة ومستشفياتها كما حدث مع أبو العز الحريري.
الخبر حقا يعبر، دون أن يقصد، عن وجود رجال في جهة ورجال في جهة أخرى من السلطة الحالية. أناس بيوضها تحت حجر السلطة وقد كانوا سابقا من أبطال المعارضة وجهابذتها، ورجال، كما ولدتهم أمهاتهم، أحرار رغم طيبتهم وانخفاض عقيرتهم أمام العالم والميكروفون، والخبر يصور الاثنين وكأنما يتباهى السابق باللاحق، وقديما قالوا: "القرعاء تتباهي بشعر بنت اختها". وهذه جولة أولى بسيطة في جريدة كنا نتسابق على شرائها من سنوات خلت، أيام كان محمود عبد الرزاق عفيفي يسبح ضد التيار على حوائط مترو مدينة نصر، دون أن نراه أو نرى ملابسه مركونة على البرّ تحت حجر.
قبل انتخابات الرئاسة بأسبوع، مررت في وسط القاهرة لأرى المشهد: كانت صور السيسي بالحجم الكبير تغطي جدارن حزب التجمع. تبلغ طول الواحدة منها خمسة أو ستة أمتار. كان الحذاء أسفل كل صورة لامعا وزاهيا. بعد شهر وجدت أسفل الحزب ثلاثة دكاكين مفتوحة اقتطعت من مساحة الحزب، واحد منها كافيه والكراسي سدت ثلت الشارع، والمحل الثاني للأكل واسمه "فتافيت"، والثالث لا أعرف ماذا تخصصه. هل كان يحق لمحمود عبد الرزاق عفيفي أن يغيب كل هذه السنوات من على حوائط مترو مدينة نصر؟
علّه ترك السباحة في الوقت المناسب.