"هل تشبه الكتابة عملية القتل؟ هل تشكّل معادلاً "أدبيّاً" لعملية قتل كاد الكاتب أن يشرع في ارتكابها؟". تتساءل القاصة الأردنية جميلة عمايرة، في مقاربتها للكتابة بوصفها فعلاً إنسانيّاً. وتضيف، في حديثها لـ"العربي الجديد": "كل ما أعرفه أن في أعماقي حنيناً يشبه الانشداد الخفي إلى شيء بعيد، كان ذات زمن وفُقِد، لأسباب غامضة، إذ كثيراً ما أستيقظ وأنا أهمّ بالقتل، وليس من نقطة دم واحدة. لذا قتلت من أحب، وخلقت وجوهاً بملامح جديدة وأسماء مختلفة".
وتضيف عمايرة، التي نشرت أوّل أعمالها عام 1993 بعنوان "صرخة البياض": "لم أحمل السلاح وأقتل، إنما لجأت إلى الكتابة، ورحت أنحت ما أشاء، وأخلق شخوصي الجديدة كما يطيب لي؛ لأعود وأقتلها جميعاً. ليس من يقين أو قناعة أهتدي بها أو أستند إليها سوى داخلي القلِق، ذاتي التي ترى العالم وأشياءه وكائناته، وتتحسّسها، فتمحو ما لا يمحى، وتخلق ما تريده، فأضحك كثيراً وأغمض عينيّ عن دماء تسيل من قلمي".
وتؤكد عمايرة، التي يصدر لها قريباً مجموعة قصصية بعنوان "الحرب التي لم تقع"، أهمية أن نواصل "الكتابة من أجل الحق والحرية والجمال والكرامة، والانحياز للإنسان المضطهد، التوّاق للعيش بحرية رغم أنف أية سلطة قاتلة"، في ظلّ ما تشهده البلاد العربية من تناسل للجماعات الإرهابية والتكفيرية، وهو دور منوط، كما ترى، بـ"الكاتب الذي لا يغلق عينيه عما يجري في بلده، أو ينشغل بالتصفيق للحاكم الجلاد".
لكن في ظل محدودية ذلك الدور، في الراهن والمعيش، فإننا "إذا نظرنا إلى أعماقنا نظرة جريئة وصادقة، سنجد "داعش" متغلغلاً فيناً"، تقول عمايرة، مبررة ذلك بـ"ما تكرّس من قيم وأفكار وسلوكيات وذاكرة جمعية متوارثة، تدعمها سلطات حاكمة، وتختبئ وراءها لاستخدامها في القمع وقتما تشاء".
وتؤكد صاحبة "سيدة الخريف" أنها لا تكون مهجوسة بالتابوهات عند الكتابة. فالجنس مثلاً، وهو الحاضر في معظم قصصها، "أحد عناصر حياتنا، ومن الطبيعي أن يحضر في ما نكتب، في سياقات واشتراطات فنية، وليس استعراضاً شخصياً أشبه بمن يمرّن عضلاته قبل رفع الأثقال".
وتضيف: "كما أن الكاتب إذا كانت تعوزه الجرأة في ما يكتب، والمقدرة على تسمية الأشياء بأسمائها، فنصّه، وقتئذ، سيكون هشاً إن لم يكن رديئاً. أكتب بجرأة من دون مواربة أو خجل مفتعل يجيده كثيرون، ومن دون الاختباء خلف أنوثتي التي تعنيني كثيراً في ما أكتب".
ولا ترى عمايرة غضاضة في مصطلح "الأدب النسوي"، الذي لا يعنيها ككاتبة تصادف أنها امرأة، "ولكن أن يكون هذا المصطلح، أو هذه التسمية، علامةً، مفتاحاً سحريّاً، أو إشارة ضوئية تقول للقارئ: "انتبه! هذا نصّ لامرأة"، فهذا غير مقبول؛ لذا من الضروري أن تحضر النساء بقوة، كما يحضر الرجل بقوة أيضاً، في نصي، ضمن السياق العام الذي أتحرك به ومن خلاله".
وفي الوقت الذي لم تخرج فيه عمايرة عن كتابة القصة غير مرة واحدة، من خلال رواية قصيرة صدرت عام 2007 بعنوان "بالأبيض والأسود"، فإنها تؤكد أن لا إصرارَ لديها على التمترُس وراء جنس أدبي بعينه، "فالكاتب يستطيع التنقل بين مختلف الأشكال في ظلّ امتلاكه الشرط الإبداعي"، تقول عمايرة.
وتضيف: "لا أتفق مع التأطير، لا أتفق مع وضع الكاتب ضمن إطار وحصره داخله، من هنا جاءت ظروف كتابتي للرواية، التي أملتها شروط العمل الإبداعي ذاته، فكان لا بد من الكتابة ضمن السياق الروائي ذاته، وليس محاولة للّحاق بـ"مدونة العرب الجديدة". وبالرغم من ذلك، تبقى القصة بيتي الأول، الدافئ، والحميم. القصة فن لا يتقنه كثيرون، لصعوبته واختزاله وتكثيفه".