استضافت غاليري هايوارد مؤخراً، في مركز "ساوث بانك" بلندن، معرضاً بعنوان "تنقيب" للفنانة العراقية جنان العاني يستكشف اختفاء جماليات الجسد عن الفضاءات المكانية المنتهكة في المنطقة العربية، من خلال أربعة مشاريع تنوعت بين الفيديو والتصوير الفوتوغرافي.
الواضح أن الفنانة قد استفزّتها تلك النظرة الفوقية التي تتعامل بها وسائل الاستكشاف البصرية الغربية الحديثة مع البيئة الطبيعية في المشرق العربي، باعتبارها صحراء إكزوتيكية عجفاء بلا تاريخٍ أو وجهٍ أو سكان، يجري تصويرها بهدف الدراسة، خاصة في أوقات الحرب؛ مثلما حدث خلال حرب الخليج التي استُخدمت فيها وسائل الاستطلاع الجوي عبر الأقمار الصناعية.
لإظهار هذه الحقيقة، "تبنَّت" الفنانة تلك النظرة الفوقية في مشروعها الذي يحمل عنوان "مواقع الظلال I"، وقد احتل البهو الرئيسي للمعرض، وتعمَّدت العاني فيه إظهار الصحراء كبساطٍ غارق في السكون، قامت بأسره في عددٍ من الصور الفوتوغرافية غير المؤطرة، دون أن تنسى إسقاط أشعة الشمس، كدليلٍ، على تفاصيله المتحركة؛ فبدت ظلال تلك التفاصيل وهي تتطاول أو تنحسر، تبعاً لحركة الشمس، كعلامةٍ على عالم يضجّ بالحركة والحياة جرى نفيه عبر وسيلة التصوير المتعالية.
وبشكلٍ متباين مع طريقة الرصد من علٍ، اعتمدت الفنانة في مشروعها "الحفاّرون"، الذي يعرض على شاشة مصغرة مغموسة جزئياً في منصة، عالماً مهملاً لنملٍ يمارس حركته الدؤوبة دخولاً وخروجاً من حفرة أرضية دقيقة؛ وكأن العاني تريد أن تقول للمتلقي، من خلال طريقة العرض ومضمونه "يجب عليك أن تقترب كثيراً من تلك الأرض حتى تستشعر ما يعتمل في داخلها من حركةٍ وحياة".
ويبدو انشغال الفنانة بدلالات التصوير الجوي المستعمل في الحروب، في فيديو "مواقع الظلال II" الذي عُرض على شاشةٍ عملاقةٍ تُظهر فضاءات مكانية بلا ملامح التُقِطَت من ارتفاعاتٍ مختلفة لطائرةٍ شكَّل ضجيج محركها عنصراً رئيسياً من عناصر التعبير عن فكرة التشويش والاختزال اللذين تتعرض لهما الحقائق المكانية والبشرية في منطقتنا.
أما مشروعها الأخير والمعنون "التحضيرات" فهو فيديو متعدد القنوات يركّز على المشهد الطبيعي الأميركي، ويتكون من صورٍ فوتوغرافية جرى التقاطها خلال رحلات طيران فوق صحراء "سونوران" في أريزونا، وتظهر فيها منشآت عسكرية مهجورة من الحرب العالمية الثانية، ومجمّعات صناعية، ومناجم نحاس، ومقابر. ويبث الفيلم الحياة في هذه الصور عن طريق استخدام تقنية "الأنيميشن" والتلاعب باختلاف مناطق سقوط الضوء على الصور المختلفة للمناطق ذاتها.
جنان العاني المولودة في مدينة كركوك العراقية عام 1966، لم تستطع التخلص من مرارة ما تعرّض له تراث وطنها الغني من تدمير على يد الغرب. ويظهر ذلك جلياً في الطابع الكارثي المظلم لتفاصيل المعرض الذي افتقد إلى أي حضورٍ ملموسٍ للعناصر الجمالية اللونية أو البشرية المعتادة.