25 أكتوبر 2024
جنوب اليمن.. معارك صغيرة على موارد سيادية
أفضى تعقد مسارات الحرب في اليمن، بما في ذلك انسداد أفق الحل السياسي، إلى تنامي حروب التجزئة، إذ تشهد معظم المناطق اليمنية تقريباً معارك يومية بغرض الهيمنة على الموارد، فعلى الرغم من اختلاف القوى المحلية المتصدّرة هذه المعارك، في أجنداتها السياسية، وكذلك علاقاتها مع سلطات الحرب وحلفائها الإقليميين، فإنها تتفق في تكالبها على ثروات اليمنيين. وفي مقابل صراع أجنحة جماعة الحوثي على ما تبقى من موارد الدولة اليمنية في المناطق الخاضعة لها، تسود في المناطق التابعة للسلطة الشرعية معارك السيطرة على الموارد، سواء بين القوى السياسية وفصائل المقاومة المنضوية تحت مظلة السلطة الشرعية، أو بين السلطة الشرعية والقوى الرافضة لشرعيتها. وفي حين تتصاعد معارك سباق الصراع على الموارد، لتبدو أكثر ضرواةً من السابق، فإنها تصبّ، في الأخير، لصالح الدول الإقليمية المتدخلة في اليمن.
على مدى أعوام الحرب في اليمن، تحولت جغرافية جنوب اليمن إلى مسرح جذب للقوى المحلية والإقليمية، للسيطرة على الموارد، إذ شكّل تركز ثروات اليمن في بعض المناطق الجنوبية محفّزا رئيسيا لهذا الصراع. كما أن تعدّد اللاعبين الإقليميين والمحليين في الساحة الجنوبية، بما في ذلك فشل السلطة الشرعية في بسط همينتها على تلك المناطق، أدّى إلى اشتداد حدّة المنافسة في صراع الموارد، وتمظهر ذلك في صراع السلطة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي للهيمنة على السلطة في جنوب اليمن، بهدف السيطرة الفعلية على مناطق الموارد الغنية في جنوب اليمن. إلا أن الثابت في هذه المعارك المستمرة أن الطرفين يعتمدان على أخطاء بعضهما بعضا في تثبيت سيطرتهما، فمن جهةٍ أدى ضعف السلطة الشرعية في مدينة عدن إلى تغوّل المجلس الانتقالي الجنوبي، وتحوّله إلى قوة رئيسية تنازعه على الثروات في المناطق الجنوبية، كما أن ارتهان السلطة الشرعية لدول التحالف العربي أخرجها عن دائرة التأثير الفعلي في الشأن الداخلي اليمني، إذ انفردت السلطات السعودية والإماراتية في إدارة المناطق الجنوبية، وتحديداً المناطق الغنية بالموارد.
عجز السلطة الشرعية عن إصلاح نفسها، منح المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من
الإمارات، غطاءً سياسياً لفرض سلطته على الجنوبيين، إذ نجح في تقديم نفسه بديلا للسلطة الشرعية في الساحة الجنوبية، وذلك بعد إزاحته القوى الجنوبية المنافسة له، ومن ثم فوّض نفسه وريثا وحيدا لاستعادة الدولة الجنوبية السابقة، بما في ذلك السيطرة على ثروات الجنوب؛ كما أدّى تصدير السلطة الشرعية لقيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح، لمواجهة أجندات المجلس الانتقالي، بما في ذلك الأطماع الإماراتية في الجنوب، إلى إفراغ خطابها السياسي من مضامينه العادلة، وحوّله إلى مماحكات سياسية. بيد أن تعطّش المجلس الانتقالي للاستحواذ على السلطة في جنوب اليمن، من دون التفكير بتبعات ذلك، جعله محاصَراً بين ما تفرضه دعايته الإعلامية أمام جمهوره، وضرورة إيجاد آليات سياسية واقعية لاستكمال مشروعه، وبدا أن السيطرة الناعمة على مؤسسات الدولة في مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للسلطة الشرعية، هي استراتيجية ملائمة للمجلس الانتقالي حاليا، ومن ثم حاول اختراق النقابات العمالية في بعض مؤسسات الدولة، وإقناع ممثليها بإسقاط المؤسسات من الداخل، وتعيين مسؤولين يمثلونه، بيد أن المجلس الانتقالي فشل في ذلك، على الأقل في هذه المرحلة.
شكلت التركيبة الاجتماعية والسياسية في مدينة عدن سببا في إعاقة طموح المجلس الانتقالي للسيطرة على السلطة. فعلى الرغم من التمازج الظاهري للمجتمع المديني في المدينة، إلا أنه ذو طابع هش، إذ إن أي إخلالٍ بتوازنات القوى في المدينة، قد ينذر بحربٍ أهليةٍ وشيكة، حيث لا زالت الحساسيات المناطقية التي تغذّيها تركيبة الصراع الجنوبي- الجنوبي في الصراعات التاريخية الماضية، تسيطر على الفضاء العام في مدينة عدن، وتمثل التركيبة المناطقية لقيادة المجلس الانتقالي الحالي، في مواجهة السلطة الشرعية، ممثلا بالرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، انعكاساً رمزياً للصراع الجنوبي- الجنوبي القديم، أي سطوة أهالي مدينتي الضالع ويافع في المجلس الانتقالي، مقابل نفوذ مدينة أبين في رئاسة السلطة الشرعية، وهو ما يعني اجترارا للصراع الجنوبي القديم، ومن ثم أدّى توجس المواطنين من القوى الجنوبية التي قد تخل بهذا التوازن، إلى نأيهم عن أي استقطابات سياسية، وهو ما أعاق المجلس الانتقالي في السيطرة على مدينة عدن، وأدّى إلى حصر نفوذه في مناطق محددة من المدينة.
كتكيك استباقي، وجّه المجلس الانتقالي الجنوبي معركته نحو مناطق الموارد الغنية في جنوب اليمن، إذ سرّع التسريب الإماراتي لخفض قواته في مناطق الجنوب إلى تنفيذ المجلس الانتقالي مشروعه في السيطرة على جنوب اليمن، والذي يبدأ من الهيمنة على مناطق الموارد الغنية، حيث حرّك المجلس أذرعه العسكرية في جزيرة سقطرى ومدينة شبوة، لمواجهة القوات التابعة للشرعية. وفي حين فشل المجلس في إحكام سيطرته على جزيرة سقطرى، بعدما خرجت تظاهرة شعبية تؤكّد يمنية الجزيرة، ورفض الأجندات الإماراتية، يبدو المشهد في مدينة شبوة مختلفاً في أكثر من زاوية، إذ نجح المجلس الانتقالي في استثمار حدّة الاستقطابات في المدينة
لصالحه، كما أن تصاعد النقمة الشعبية من حالة الفقر التي تناقض غنى المدينة، أتاح للمجلس أن يكون طرفاً رئيسياً في الصراع على حقول النفط والغاز، فضلاً عن الحضور الفاعل لقوات النخبة الشبوانية، الموالية له في مدينة شبوة، التي سهلت للمجلس تصعيد الصراع، فشهدت مدينة عتق، عاصمة مدينة شبوة، في الأسابيع الأخيرة، مواجهاتٍ عسكرية بين النخبة الشبوانية الموالية للمجلس الانتقالي والقوات التابعة للسلطة الشرعية. وفي حين، لا تزال التوترات العسكرية والاحتقان الشعبي يخيمان على المدينة، نجح المجلس الانتقالي في صبغ الصراع في مدينة شبوة بأنه انتفاضة جنوبية ضد نخبة حرب صيف 1994 التي نهبت ثروات الجنوب، ممثلةً بالقوات التابعة للواء علي محسن الأحمر، وهو ما أدّى إلى فشل اتفاق الوساطة الذي قضى بتولي الأمن العام حماية المدينة، بمساعدة قوات النخبة الشبوانية، وحصر قوات الجيش في ثكناتها، فقد صعّد المجلس الانتقالي من صراعه ضد السلطة الشرعية، فطالبت تظاهرة شعبية بأن تكون مدينة شبوة منطقة عسكرية مستقلة عن المنطقة العسكرية الثالثة، تديرها قوات النخبة الشبوانية، وكذلك طرد القوات التابعة للسلطة الشرعية، واعتبارها قوة شمالية غازية.
في الصراع على مناطق الثروات في جنوب اليمن، قد تكون هذه دورة إحماء لصراع سيتجدّد في المستقبل، يمتد من مدينة شبوة إلى حضرموت وجزيرة سقطرى. وفي حين خسرت السلطة الشرعية معركتها في مدينة شبوة في الوقت الحالي، فإن الإمارات هي من كسب هذه الجولة، إذ لا يمكن بأي حال فصل تطورات أحداث شبوة عن الاستراتيجية الإماراتية في جنوب اليمن، والتي تهدف إلى إحكام السيطرة على مناطق الموارد الغنية، إما بشكل مباشر أو من خلال وكلائها المحليين المخلصين، ولإدراك السلطات الإماراتية أن أقصى ما سوف تذهب إليه السلطة الشرعية، لرفض أجنداتها في جنوب اليمن، هو الاحتجاج الإعلامي، لا أكثر، إذ مهما كانت قضايا الأصوات الاحتجاجية عادلة، فإنها في بلدٍ بلا سيادة، كاليمن، ومن دون سلطة وطنية حقيقية تمثل مصالح عموم اليمنيين، لن تكون سوى زوبعة في فنجان، أو في أحسن الأحوال امتهان مضاعف ومحزن.
على مدى أعوام الحرب في اليمن، تحولت جغرافية جنوب اليمن إلى مسرح جذب للقوى المحلية والإقليمية، للسيطرة على الموارد، إذ شكّل تركز ثروات اليمن في بعض المناطق الجنوبية محفّزا رئيسيا لهذا الصراع. كما أن تعدّد اللاعبين الإقليميين والمحليين في الساحة الجنوبية، بما في ذلك فشل السلطة الشرعية في بسط همينتها على تلك المناطق، أدّى إلى اشتداد حدّة المنافسة في صراع الموارد، وتمظهر ذلك في صراع السلطة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي للهيمنة على السلطة في جنوب اليمن، بهدف السيطرة الفعلية على مناطق الموارد الغنية في جنوب اليمن. إلا أن الثابت في هذه المعارك المستمرة أن الطرفين يعتمدان على أخطاء بعضهما بعضا في تثبيت سيطرتهما، فمن جهةٍ أدى ضعف السلطة الشرعية في مدينة عدن إلى تغوّل المجلس الانتقالي الجنوبي، وتحوّله إلى قوة رئيسية تنازعه على الثروات في المناطق الجنوبية، كما أن ارتهان السلطة الشرعية لدول التحالف العربي أخرجها عن دائرة التأثير الفعلي في الشأن الداخلي اليمني، إذ انفردت السلطات السعودية والإماراتية في إدارة المناطق الجنوبية، وتحديداً المناطق الغنية بالموارد.
عجز السلطة الشرعية عن إصلاح نفسها، منح المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من
شكلت التركيبة الاجتماعية والسياسية في مدينة عدن سببا في إعاقة طموح المجلس الانتقالي للسيطرة على السلطة. فعلى الرغم من التمازج الظاهري للمجتمع المديني في المدينة، إلا أنه ذو طابع هش، إذ إن أي إخلالٍ بتوازنات القوى في المدينة، قد ينذر بحربٍ أهليةٍ وشيكة، حيث لا زالت الحساسيات المناطقية التي تغذّيها تركيبة الصراع الجنوبي- الجنوبي في الصراعات التاريخية الماضية، تسيطر على الفضاء العام في مدينة عدن، وتمثل التركيبة المناطقية لقيادة المجلس الانتقالي الحالي، في مواجهة السلطة الشرعية، ممثلا بالرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، انعكاساً رمزياً للصراع الجنوبي- الجنوبي القديم، أي سطوة أهالي مدينتي الضالع ويافع في المجلس الانتقالي، مقابل نفوذ مدينة أبين في رئاسة السلطة الشرعية، وهو ما يعني اجترارا للصراع الجنوبي القديم، ومن ثم أدّى توجس المواطنين من القوى الجنوبية التي قد تخل بهذا التوازن، إلى نأيهم عن أي استقطابات سياسية، وهو ما أعاق المجلس الانتقالي في السيطرة على مدينة عدن، وأدّى إلى حصر نفوذه في مناطق محددة من المدينة.
كتكيك استباقي، وجّه المجلس الانتقالي الجنوبي معركته نحو مناطق الموارد الغنية في جنوب اليمن، إذ سرّع التسريب الإماراتي لخفض قواته في مناطق الجنوب إلى تنفيذ المجلس الانتقالي مشروعه في السيطرة على جنوب اليمن، والذي يبدأ من الهيمنة على مناطق الموارد الغنية، حيث حرّك المجلس أذرعه العسكرية في جزيرة سقطرى ومدينة شبوة، لمواجهة القوات التابعة للشرعية. وفي حين فشل المجلس في إحكام سيطرته على جزيرة سقطرى، بعدما خرجت تظاهرة شعبية تؤكّد يمنية الجزيرة، ورفض الأجندات الإماراتية، يبدو المشهد في مدينة شبوة مختلفاً في أكثر من زاوية، إذ نجح المجلس الانتقالي في استثمار حدّة الاستقطابات في المدينة
في الصراع على مناطق الثروات في جنوب اليمن، قد تكون هذه دورة إحماء لصراع سيتجدّد في المستقبل، يمتد من مدينة شبوة إلى حضرموت وجزيرة سقطرى. وفي حين خسرت السلطة الشرعية معركتها في مدينة شبوة في الوقت الحالي، فإن الإمارات هي من كسب هذه الجولة، إذ لا يمكن بأي حال فصل تطورات أحداث شبوة عن الاستراتيجية الإماراتية في جنوب اليمن، والتي تهدف إلى إحكام السيطرة على مناطق الموارد الغنية، إما بشكل مباشر أو من خلال وكلائها المحليين المخلصين، ولإدراك السلطات الإماراتية أن أقصى ما سوف تذهب إليه السلطة الشرعية، لرفض أجنداتها في جنوب اليمن، هو الاحتجاج الإعلامي، لا أكثر، إذ مهما كانت قضايا الأصوات الاحتجاجية عادلة، فإنها في بلدٍ بلا سيادة، كاليمن، ومن دون سلطة وطنية حقيقية تمثل مصالح عموم اليمنيين، لن تكون سوى زوبعة في فنجان، أو في أحسن الأحوال امتهان مضاعف ومحزن.