تهدف كل الشعارات والاحتجاجات والتصعيد الحالي، الذي يعتمده الحراك الجنوبي، من خلال الاعتصام المفتوح، الذي دشّنه منذ أكثر من أسبوعين في ساحة العروض وسط عدن جنوبي اليمن، إلى ما يقولون إنه استعادة الدولة الجنوبية أي جمهورية "اليمن الديمقراطية الشعبية"، من خلال فكّ ارتباطها بدولة الشمال، الجمهورية العربية اليمنية، اللتين اتّحدتا في مايو/ أيار 1990.
ويطرح العديد من الجنوبيين، من أكاديميين وشخصيات وقيادات سياسية، فضلاً عن صحافيين ومراقبين ودبلوماسيين أجانب، دائماً سؤالاً مهماً وجدياً حول معنى استعادة الدولة، التي يطالب بها الجنوبيون، وماهية مقوماتها، ولا سيما أن الجنوبيين يرددون في خطاباتهم وبياناتهم أن نظام الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، والشمال، دمّرا كل مؤسسات الدولة في الجنوب، من جيش وأمن وعتاد عسكري ومؤسسات اقتصادية وشركات، بالإضافة إلى نهب البرّ والبحر والأراضي، وممارسة التجهيل، والأهم من ذلك أن النظام أفقد الموظف الجنوبي قيمته. وهو ما يضعهم اليوم أمام محكّ لتفسير الدولة، التي سيستعيدونها، طالما لم تعد فيها بنى تحتية، ولا يوجد شيء يمكن أن يشير إلى إمكانية إقامة دولة، في ظلّ وجود مشاكل يعاني منها الجنوب، كالخلافات وغموض الموقف الدولي، ووجود تنظيم "القاعدة". ويُضاف إلى كل ذلك مشكلة تتمثّل في محافظة حضرموت، وشكل الدولة العتيدة، كون سكانها يتوزّعون بين ثلاثة خيارات؛ خيار الإقليم في يمن موحّد، خيار إقليم حضرموت في إطار الجنوب، والخيار الثالث والأهم، وترفعه أطراف حضرمية، تطالب فيه بدولة "حضرموت المستقلة".
ويُعدّ كل ما سبق مشاكل معقّدة، إذا ما تم النظر إلى ما يرفعه الجنوبيون من ضرورة استعادة دولة الجنوب، بأسرع ما يُمكن، في الوقت الذي لا يزال فيه صراع المشاريع قائماً بين الأطراف الجنوبية. ولا توجد أية رؤية أو مشروع جامع يُجمع الجنوبيون عليه للدخول في بناء الدولة العتيدة، والبحث في العناصر المتواجدة لديهم، لبنائها، إذا ما أُتيح لهم مستقبلاً استعادة الدولة.
ويختلف الجنوبيون حول موضوع "وجود مقوّمات" تُتيح قيام الدولة. ويرى طرف منهم أن "لا وجود لمقومات حقيقية لقيام دولة حالياً، ويُفضّل منح الجنوبيين فرصة لبناء مقومات دولتهم، قبل إعلان حق تقرير المصير".
ويوافق عدد من القوى السياسية في الجنوب، على هذا الطرح، وأبرزهم رئيس الوزراء الأسبق، حيدر أبو بكر العطاس، الذي يتواجد في المنفى منذ 1994. وسبق للعطاس أن قدّم رؤية سياسية، طالب فيها بأن تكون هناك فيدرالية من إقيلمين شمالي وجنوبي لمدة خمس سنوات، وبعدها يحصل الجنوبيون على الاستفتاء في تقرير المصير، شرط أن يبني الجنوبيون خلال هذه السنوات البنى التحتية، التي قد تساعدهم في حال استعادة دولتهم.
ولقيت رؤية العطاس معارضة شديدة شمالاً وجنوباً، على الرغم من بعض التأييد من قبل بعض الأطراف السياسية والأكاديمية، أو ما يُطلق عليها "النخبة" في الجنوب، باعتبارها "مقنعة منطقياً"، وتُهدّئ من مخاوف الشارع في ظلّ غياب المقوّمات.
ويشير الكاتب والمحلل، ياسر حسن، في حديث مع"العربي الجديد"، إلى ذلك بالقول إن "الفرصة أصبحت الآن سانحة أكثر من أي وقت مضى، أمام أبناء جنوب اليمن، للحصول على الانفصال، ولا سيما بعد الأحداث التي تسارعت في شمال اليمن، وسقوط العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات بيد جماعة أنصار الله (الحوثيين) المسلحة، وعلى خلفية ذلك ربما سيحصل الجنوبيون على مطالبهم قريباً".
وعن مقوّمات الدولة الجنوبية يقول حسن:"لا توجد حالياً أية مقوّمات لدى الجنوبيين لإقامة الدولة، التي يحلمون بها، على الرغم من وجود الثروات النفطية وغيرها في الجنوب، إلا أنها لا تكفي لإقامة الدولة". ويعتبر حسن أن "قيام الدولة يحتاج إلى مقومات سياسية وإدارية، غير اقتصادية". لكن حسن يلفت إلى أنه "يُمكن أن يتم تجاوز كل المعوّقات في حال تبنّى المجتمع الدولي، أو الإقليمي، مشروع انفصال الجنوب، الذي يُمكن أن يوفر للجنوبيين الكثير من المقوّمات، التي تساعدهم على إقامة الدولة". ومع هذا، تظلّ هناك أطراف أخرى ترى أن الجنوبيين يملكون مقوّمات دولة، وعليهم أولاً أن يستعيدوا دولتهم، على أن يطوّروها من خلال استغلال ثروات الجنوب، بعد السيطرة عليها.
ويعتبر القيادي في "الحراك الجنوبي"، فؤاد راشد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الجنوبيين لديهم مقومات دولة وتجربة في بنائها وإقامتها وإدارتها، وعندهم خبرة في ذلك منذ أيام الاحتلال البريطاني، ويملكون إرثاً ثقافياً وحضارياً، والقدرة على التعاطي مع العملية السياسية".
ويضيف أنهم "يملكون ثروات نفطية وبحرية ومعدنية وغيرها، إلى جانب الكوادر في شتى المجالات، بما فيها الكادر العسكري، ولديهم خبرة في إقامة العلاقات مع دول الجوار والإقليم والعالم، ويحترمون الجوار، ولا يتدخلون في الشأن الداخلي للدول".
ويرى أنه "على الرغم من التدمير الذي تعرضت له المقومات من البنى التحتية والخدماتية، من قبل نظام صنعاء، غير أنه يُمكن تعويض الثروات المهدورة خلال فترة قصيرة، من خلال الكوادر الجنوبية الذين سيبنون دولة متماسكة، ذات سيادة كاملة على أراضيها، براً وبحراً وجواً".
كما يؤكد راشد أن "الجنوب قد يواجه صعوبات، وهذا أمر طبيعي في فترة ما بعد الاستقلال، وسيحتاج إلى دعم المجتمع الدولي والإقليمي، لا سيما العربي منه، والخليجي تحديداً".
في المقابل، يعتبر الأمين العام لـ"مجلس الثورة في عدن"، العميد حسن اليزيدي، أن "المقومات الرئيسية لم تعد موجودة، عدا مقوّم واحد وهو الإنسان". ويقول لـ"العربي الجديد"، إن "الدولة الجنوبية اليوم تعرضت لحملة هدم منظمة وممنهجة.. وقد استهدف هذا الهدم الكثير من المقومات الرئيسية". ويحذّر كثر من أن "أية خطوات غير مدروسة لقرار استعادة الدولة، سيُعتبر خطأً فادحاً، قد يؤدي إلى أن يدفع الجنوبيون أثماناً باهظة، نتيجة لوضع الجنوب الحقيقي".
ويُعتبر أهم ما خسره الجنوب بعد قيام الوحدة، هو الجيش والقوى الأمنية، وعشرات المعسكرات، وعتاد عسكري، وخصوصاً أنّ الجيش الجنوبي كان من أهم جيوش الشرق الأوسط، ويملك قواعد عسكرية هي الأولى من نوعها بفضل الاتحاد السوفييتي في حينه والصين. كما خسر الجنوبيون الطيران الحربي والمدني، بالإضافة إلى الكوادر العسكرية والأمنية المؤهلة، فقد أدت سياسة التسريح والتقاعد وتصفية البعض، إلى ترهل الحس العسكري والأمني، ومن الصعب استعادته بسهولة، بعد التدمير النفسي والمعنوي، الذي تعرض له الجيش الجنوبي.
كما فقد الجنوبيون أيضاً النظام والقانون، والقيمة الوظيفية وأهميتها، وتراجع الدور الثقافي والحضاري للجنوبيين، بعد سياسة التجهيل، الذي مارسها النظام السابق في اليمن خصوصاً في الجنوب.
في المقابل، يُراهن كثر على الثروة، التي يمتلكها الجنوب، بمختلف أنواعها، على أنها أهم عامل من مقومات الدولة في الجنوب، الذي تبلغ مساحته 332.970 ألف كيلو متر مربع من أصل 525 ألف كيلومتر مربع من مساحة اليمن.
وتقدر بعض التقارير نسبة الثروة في الجنوب ما بين 67 و70 في المائة من نسبة الثروة في اليمن، وتتمثل هذه الثروة في النفط والغاز والثروة السمكية والزراعة، بالإضافة إلى الثروات المعدنية والذهب، ووجود ميناءين رئيسيين هما ميناء المكلا وميناء عدن، ويمثل ميناء عدن أهم ميناء في اليمن، وتعتمد عليه الدولة بشكل كبير في رفد الموازنة إلى جانب النفط.
كما أن هناك ميناء بلحاف، وهو ميناء لتصدير النفط والغاز المستخرج من شبوة وحضرموت. وتعتمد الدولة على نفط الجنوب في ميزانيتها، فالنفط في الشمال يرتكز في قطاع مأرب والجوف، ولكن الإنتاج انخفض إلى أدنى مستوياته، بينما تقع في حضرموت وشبوة جنوباً، النسبة الأعلى للنفط والغاز، ويوجد فيهما أكثر القطاعات النفطية، الذي لا يوجد حتى اليوم وثيقة رسمية حقيقية، تؤكد عدد القطاعات النفطية في اليمن، والعدد الحقيقي للإنتاج، بسبب وجود بعض النافذين، الذين يملكون قطاعات نفطية وشركات وهمية. وتغطي عائدات النفط الخام المنتجة والمصدرة من محافظتي حضرموت وشبوة الجنوبيتين، نحو 70 في المائة من موارد الموازنة العامة للدولة، و63 في المائة من إجمالي صادرات البلاد، و30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
أما في ما يتعلق بالغاز، فتبلغ كمية الغاز الطبيعي المسال المنقول بواسطة شبكة من الأنابيب، من حقول قطاع جنة وقطاع العقلة في محافظة شبوة، والذي يتم تصديره من ميناء بلحاف منذ مطلع عام 2010، حوالى 9.7 مليون قدم مكعب في اليوم، ومن المتوقع أن يكون قد تجاوز هذه الكمية خلال السنوات التالية.
وأكدت عدد من الدراسات الجيولوجية أن المخزون الاحتياطي من الغاز الطبيعي في اليمن يتوقع أن يصل إلى حوالى 70 تريليون قدم مكعبة، منها حوالى 35 تريليون قدم مكعبة في حوض رملة السبعتين في محافظة شبوة، وأكثر من 10 تريليونات قدم مكعبة في وادي المسيلة في محافظة حضرموت وبحوالى 10 تريليونات قدم مكعبة في محافظة المهرة. وهذا يعني أن كمية الاحتياطي من الغاز الطبيعي المتوقع، حسب الدراسات الجيولوجية في المحافظات الجنوبية الثلاث، يصل إلى 55 تريليون قدم مكعبة ويمثل نسبة 78.6 في المائة من إجمالي كمية المخزون الاحتياطي للغاز الطبيعي المتوقع في اليمن.
ثروة أخرى يراهن عليها الجنوبيون تتمثل في الثروة السمكية، إذ بلغت كمية الصادرات خلال الربع الأول من العام الحالي 20.978 ألف طن، بقيمة نحو 57.5 مليون دولار، بحسب تقرير صادر عن وزارة الثروة السمكية.
ويذكر التقرير أن معظم هذه الأسماك المصدّرة، من المياه البحرية الجنوبية، من خليج عدن والبحر العربي وجزيرة سقطرى في المحيط الهندي. ويبلغ طول الشريط الساحلي الجنوبي أكثر من 1500 كليومتر من أصل 2500 كيلومتر في اليمن.
كما أن اغلب المنتجات الزراعية تصدر من الجنوب، وتمثل أبين ولحج وحضرموت، أكثر المحافظات لإنتاج المحاصيل الزراعية والفواكة، وتتميز أبين بإنتاج القطن.
لكن رغم كل ذلك، يمثل الهاجس الأمني والاقتصادي أحد هواجس الجنوبيين، إلى جانب مخاوف الصراع على السلطة، في ظلّ غياب رؤية واضحة ومشاريع تترجم المجهود الشعبي، طوال سبع سنوات من النضال، والاستفادة من الفرصة السانحة، وسط موجة التجاذبات ومخاوف من أن يكرر الجنوبيون تجربة دولة جنوب السودان نفسها، التي انفصلت قبل سنوات، ولكنها ظلت تراوح مكانها، وغرقت في النزاعات الداخلية.
ويطرح العديد من الجنوبيين، من أكاديميين وشخصيات وقيادات سياسية، فضلاً عن صحافيين ومراقبين ودبلوماسيين أجانب، دائماً سؤالاً مهماً وجدياً حول معنى استعادة الدولة، التي يطالب بها الجنوبيون، وماهية مقوماتها، ولا سيما أن الجنوبيين يرددون في خطاباتهم وبياناتهم أن نظام الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، والشمال، دمّرا كل مؤسسات الدولة في الجنوب، من جيش وأمن وعتاد عسكري ومؤسسات اقتصادية وشركات، بالإضافة إلى نهب البرّ والبحر والأراضي، وممارسة التجهيل، والأهم من ذلك أن النظام أفقد الموظف الجنوبي قيمته. وهو ما يضعهم اليوم أمام محكّ لتفسير الدولة، التي سيستعيدونها، طالما لم تعد فيها بنى تحتية، ولا يوجد شيء يمكن أن يشير إلى إمكانية إقامة دولة، في ظلّ وجود مشاكل يعاني منها الجنوب، كالخلافات وغموض الموقف الدولي، ووجود تنظيم "القاعدة". ويُضاف إلى كل ذلك مشكلة تتمثّل في محافظة حضرموت، وشكل الدولة العتيدة، كون سكانها يتوزّعون بين ثلاثة خيارات؛ خيار الإقليم في يمن موحّد، خيار إقليم حضرموت في إطار الجنوب، والخيار الثالث والأهم، وترفعه أطراف حضرمية، تطالب فيه بدولة "حضرموت المستقلة".
ويُعدّ كل ما سبق مشاكل معقّدة، إذا ما تم النظر إلى ما يرفعه الجنوبيون من ضرورة استعادة دولة الجنوب، بأسرع ما يُمكن، في الوقت الذي لا يزال فيه صراع المشاريع قائماً بين الأطراف الجنوبية. ولا توجد أية رؤية أو مشروع جامع يُجمع الجنوبيون عليه للدخول في بناء الدولة العتيدة، والبحث في العناصر المتواجدة لديهم، لبنائها، إذا ما أُتيح لهم مستقبلاً استعادة الدولة.
ويشير الكاتب والمحلل، ياسر حسن، في حديث مع"العربي الجديد"، إلى ذلك بالقول إن "الفرصة أصبحت الآن سانحة أكثر من أي وقت مضى، أمام أبناء جنوب اليمن، للحصول على الانفصال، ولا سيما بعد الأحداث التي تسارعت في شمال اليمن، وسقوط العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات بيد جماعة أنصار الله (الحوثيين) المسلحة، وعلى خلفية ذلك ربما سيحصل الجنوبيون على مطالبهم قريباً".
وعن مقوّمات الدولة الجنوبية يقول حسن:"لا توجد حالياً أية مقوّمات لدى الجنوبيين لإقامة الدولة، التي يحلمون بها، على الرغم من وجود الثروات النفطية وغيرها في الجنوب، إلا أنها لا تكفي لإقامة الدولة". ويعتبر حسن أن "قيام الدولة يحتاج إلى مقومات سياسية وإدارية، غير اقتصادية". لكن حسن يلفت إلى أنه "يُمكن أن يتم تجاوز كل المعوّقات في حال تبنّى المجتمع الدولي، أو الإقليمي، مشروع انفصال الجنوب، الذي يُمكن أن يوفر للجنوبيين الكثير من المقوّمات، التي تساعدهم على إقامة الدولة". ومع هذا، تظلّ هناك أطراف أخرى ترى أن الجنوبيين يملكون مقوّمات دولة، وعليهم أولاً أن يستعيدوا دولتهم، على أن يطوّروها من خلال استغلال ثروات الجنوب، بعد السيطرة عليها.
ويعتبر القيادي في "الحراك الجنوبي"، فؤاد راشد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الجنوبيين لديهم مقومات دولة وتجربة في بنائها وإقامتها وإدارتها، وعندهم خبرة في ذلك منذ أيام الاحتلال البريطاني، ويملكون إرثاً ثقافياً وحضارياً، والقدرة على التعاطي مع العملية السياسية".
ويضيف أنهم "يملكون ثروات نفطية وبحرية ومعدنية وغيرها، إلى جانب الكوادر في شتى المجالات، بما فيها الكادر العسكري، ولديهم خبرة في إقامة العلاقات مع دول الجوار والإقليم والعالم، ويحترمون الجوار، ولا يتدخلون في الشأن الداخلي للدول".
في المقابل، يعتبر الأمين العام لـ"مجلس الثورة في عدن"، العميد حسن اليزيدي، أن "المقومات الرئيسية لم تعد موجودة، عدا مقوّم واحد وهو الإنسان". ويقول لـ"العربي الجديد"، إن "الدولة الجنوبية اليوم تعرضت لحملة هدم منظمة وممنهجة.. وقد استهدف هذا الهدم الكثير من المقومات الرئيسية". ويحذّر كثر من أن "أية خطوات غير مدروسة لقرار استعادة الدولة، سيُعتبر خطأً فادحاً، قد يؤدي إلى أن يدفع الجنوبيون أثماناً باهظة، نتيجة لوضع الجنوب الحقيقي".
ويُعتبر أهم ما خسره الجنوب بعد قيام الوحدة، هو الجيش والقوى الأمنية، وعشرات المعسكرات، وعتاد عسكري، وخصوصاً أنّ الجيش الجنوبي كان من أهم جيوش الشرق الأوسط، ويملك قواعد عسكرية هي الأولى من نوعها بفضل الاتحاد السوفييتي في حينه والصين. كما خسر الجنوبيون الطيران الحربي والمدني، بالإضافة إلى الكوادر العسكرية والأمنية المؤهلة، فقد أدت سياسة التسريح والتقاعد وتصفية البعض، إلى ترهل الحس العسكري والأمني، ومن الصعب استعادته بسهولة، بعد التدمير النفسي والمعنوي، الذي تعرض له الجيش الجنوبي.
كما فقد الجنوبيون أيضاً النظام والقانون، والقيمة الوظيفية وأهميتها، وتراجع الدور الثقافي والحضاري للجنوبيين، بعد سياسة التجهيل، الذي مارسها النظام السابق في اليمن خصوصاً في الجنوب.
في المقابل، يُراهن كثر على الثروة، التي يمتلكها الجنوب، بمختلف أنواعها، على أنها أهم عامل من مقومات الدولة في الجنوب، الذي تبلغ مساحته 332.970 ألف كيلو متر مربع من أصل 525 ألف كيلومتر مربع من مساحة اليمن.
وتقدر بعض التقارير نسبة الثروة في الجنوب ما بين 67 و70 في المائة من نسبة الثروة في اليمن، وتتمثل هذه الثروة في النفط والغاز والثروة السمكية والزراعة، بالإضافة إلى الثروات المعدنية والذهب، ووجود ميناءين رئيسيين هما ميناء المكلا وميناء عدن، ويمثل ميناء عدن أهم ميناء في اليمن، وتعتمد عليه الدولة بشكل كبير في رفد الموازنة إلى جانب النفط.
كما أن هناك ميناء بلحاف، وهو ميناء لتصدير النفط والغاز المستخرج من شبوة وحضرموت. وتعتمد الدولة على نفط الجنوب في ميزانيتها، فالنفط في الشمال يرتكز في قطاع مأرب والجوف، ولكن الإنتاج انخفض إلى أدنى مستوياته، بينما تقع في حضرموت وشبوة جنوباً، النسبة الأعلى للنفط والغاز، ويوجد فيهما أكثر القطاعات النفطية، الذي لا يوجد حتى اليوم وثيقة رسمية حقيقية، تؤكد عدد القطاعات النفطية في اليمن، والعدد الحقيقي للإنتاج، بسبب وجود بعض النافذين، الذين يملكون قطاعات نفطية وشركات وهمية. وتغطي عائدات النفط الخام المنتجة والمصدرة من محافظتي حضرموت وشبوة الجنوبيتين، نحو 70 في المائة من موارد الموازنة العامة للدولة، و63 في المائة من إجمالي صادرات البلاد، و30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
أما في ما يتعلق بالغاز، فتبلغ كمية الغاز الطبيعي المسال المنقول بواسطة شبكة من الأنابيب، من حقول قطاع جنة وقطاع العقلة في محافظة شبوة، والذي يتم تصديره من ميناء بلحاف منذ مطلع عام 2010، حوالى 9.7 مليون قدم مكعب في اليوم، ومن المتوقع أن يكون قد تجاوز هذه الكمية خلال السنوات التالية.
وأكدت عدد من الدراسات الجيولوجية أن المخزون الاحتياطي من الغاز الطبيعي في اليمن يتوقع أن يصل إلى حوالى 70 تريليون قدم مكعبة، منها حوالى 35 تريليون قدم مكعبة في حوض رملة السبعتين في محافظة شبوة، وأكثر من 10 تريليونات قدم مكعبة في وادي المسيلة في محافظة حضرموت وبحوالى 10 تريليونات قدم مكعبة في محافظة المهرة. وهذا يعني أن كمية الاحتياطي من الغاز الطبيعي المتوقع، حسب الدراسات الجيولوجية في المحافظات الجنوبية الثلاث، يصل إلى 55 تريليون قدم مكعبة ويمثل نسبة 78.6 في المائة من إجمالي كمية المخزون الاحتياطي للغاز الطبيعي المتوقع في اليمن.
ثروة أخرى يراهن عليها الجنوبيون تتمثل في الثروة السمكية، إذ بلغت كمية الصادرات خلال الربع الأول من العام الحالي 20.978 ألف طن، بقيمة نحو 57.5 مليون دولار، بحسب تقرير صادر عن وزارة الثروة السمكية.
ويذكر التقرير أن معظم هذه الأسماك المصدّرة، من المياه البحرية الجنوبية، من خليج عدن والبحر العربي وجزيرة سقطرى في المحيط الهندي. ويبلغ طول الشريط الساحلي الجنوبي أكثر من 1500 كليومتر من أصل 2500 كيلومتر في اليمن.
كما أن اغلب المنتجات الزراعية تصدر من الجنوب، وتمثل أبين ولحج وحضرموت، أكثر المحافظات لإنتاج المحاصيل الزراعية والفواكة، وتتميز أبين بإنتاج القطن.
لكن رغم كل ذلك، يمثل الهاجس الأمني والاقتصادي أحد هواجس الجنوبيين، إلى جانب مخاوف الصراع على السلطة، في ظلّ غياب رؤية واضحة ومشاريع تترجم المجهود الشعبي، طوال سبع سنوات من النضال، والاستفادة من الفرصة السانحة، وسط موجة التجاذبات ومخاوف من أن يكرر الجنوبيون تجربة دولة جنوب السودان نفسها، التي انفصلت قبل سنوات، ولكنها ظلت تراوح مكانها، وغرقت في النزاعات الداخلية.