جنود الأمل المجهولون

18 مارس 2015
ما زال هناك بصيص من الأمل (Getty)
+ الخط -

بينما تتصدّر الحركات الإرهابية والنزاعات الطائفية كافة الأخبار وتتلقى معظم الاهتمام من قبل المجتمع الدولي والإعلام الغربي والعربي، يستمر نظام الأسد بممارساته الأمنية القمعية وهجماته العسكرية ضد الشعب في كافة أنحاء سورية. وفي ظل ما لا يمكن وصفه إلا بتخاذل دولي وإنساني بحق هذا الشعب، ما زال هناك بصيص من الأمل في آخر هذا المسار الطويل الذي اختاره الشعب السوري قبل أكثر من أربع سنوات، ويواصل عدد كبير من الناشطين والثوار على هذا الطريق الوعر متشبثين بالثورة ومبادئها، أو ما تبقى منهما. ويبقى العدد الأكبر من العاملين على الأرض وحاملي روح الثورة جنود مجهولون ومنسيون.

(م. ب)، كان في مدينته بين أول من خرجوا ورفعوا اللافتات المناهضة للنظام، مطالباً بالحرية في بداية الثورة. حينها كان على رأس عمله ويعيش الحياة التي كان الإنسان السوري يسعى جاهداً أغلب حياته لتحقيقها، العائلة والبيت والسيارة وتحاشي مواجهة المشاكل مع أجهزة الأمن. ولكنه وضع كل ذلك جانباً وكرّس كل ما لديه للثورة. كان من مؤسسي إحدى المجموعات الثورية الأولى في مدينته، وعمل بلا كلل على تأمين كل أنواع الدعم اللازم لاستمرار العمل والنشاط في كافة المجالات مخاطراً بحياته وحياة عائلته في بعض الأحيان. حين أغلق النظام السوري حدوده أمام الجهات الإعلامية والمنظمات الإغاثية، عمل على تهريب الإعلاميين في سيارته الخاصة إلى داخل مدينته، التي كانت شبه محاصرة من قبل الحواجز الأمنية. وعندما بدأت الحملات العسكرية على المدينة وكانت هنالك حاجة ماسة إلى المساعدات الطبية، التي أصبحت شبه معدومة في المدينة، وكل الطرق لإدخالها مغلقة، ذهب بسيارته إلى مدن أخرى عائداً بالحقن وأكياس الدم، عابراً حواجز النظام التي كانت ستقتله على الفور بمجرد الشك أنه كان ينقل مساعدات طبية. بعد اعتقالين وتعذيب في سجون النظام ما زال (م. ب) يعمل على إتمام ما بدأه قبل أربع سنوات، التي فقد خلالها عدداً من زملائه إمّا اعتقالاً أو تصفية. عندما يتكلم (م. ب) عن حياته الآن، يقول إنها ليست ملكه أو ملك عائلته، والأولوية الآن تكمن في استكمال ما بدأناه والذي من أجله خسرنا الكثير من الأبطال الذين عملوا بصمت وغادروا بصمت.

(م. هـ)، فتاة من قرية منسية كانت تعمل مدرّسة عندما بدأت الثورة، وسرعان ما انضمت إلى صفوف ناشطي الثورة في بلدة أصبحت مستهدفة من قبل النظام. عندما بدأت الحملات العسكرية على قريتها أبت أن تغادر، وعندما دمرت القذائف بيتها حملت كل ما استطاعت أن تحمله ولجأت إلى أحد البيوت المهجورة. بعد عدة أشهر من بدء الثورة، جرى فصلها من عملها وأصبحت مطلوبة من قبل الأمن، فقط لأنها من سكان هذه القرية. وبالرغم من نزوح عدد كبير من سكان القرية ولجوئهم إلى المخيمات، رفضت (م. هـ) أن تغادر، واستمرت بالعمل لتأمين وتقديم المساعدات لأهالي القرية الذين لم يستطيعوا النزوح أو اللجوء إلى المناطق الأكثر أماناً. وعندما تكلمت إحدى صديقاتها عن فرصة عمل ملائمة لها خارج سورية، وبراتب جيد يؤمّن لها ولإخوتها حياةً مريحة، رفضت الفكرة قائلة إذا كلنا تركنا قرانا وبلدنا من أجل الرواتب والحياة المريحة، مَن سيبقى ليساعد أهلنا هناك؟

مثالان يختزلان تجربة الكثير من الناشطين، الذين على الرغم من كل المصاعب وكل الفرص المتاحة لهم، ما زالوا يعملون من أجل الشعب ومن أجل الثورة وبدون مقابل، يعملون بصمت وبعيداً عن الأنظار وفي ظل أسوأ الأوضاع والمخاطر. والجدير بالذكر أن هؤلاء هم الذين ما زال لديهم الأمل والإصرار على مواصلة العمل والاستمرار على هذا الطريق. وبينما باقي العالم يشغل نفسه بالصراعات العسكرية منها والسياسية، الأبطال المجهولون يستمرون بالعمل الذي ينبثق من الشعب ويصب في الشعب، والذي من أجله خرجوا في وجه القمع والظلم.


(سورية)

المساهمون