تتجه الأنظار إلى اجتماع المجموعة الدولية لدعم سورية الذي سيُعقد في فيينا الأسبوع المقبل، بمشاركة الولايات المتحدة وروسيا، والذي من المفترض أن يمهد الطريق لاستئناف مفاوضات جنيف بين وفدي النظام والمعارضة. وكانت مفاوضات جنيف 3 قد انتهت مع تعليق وفد المعارضة مشاركته احتجاجاً على مواصلة النظام خرق الهدنة، وعرقلة دخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، وعدم إطلاق سراح المعتقلين.
وفيما توقّع وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، استئناف مفاوضات جنيف بعد أيام من عقد اجتماع "مجموعة دعم سورية" المقرر في 17 من الشهر الحالي، لا تجد قوى المعارضة السورية أي جديد على الأسباب التي دفعتها إلى الانسحاب من المفاوضات السابقة، بل على العكس زاد النظام وروسيا، من قصفهما لمدينة حلب ومناطق أخرى. وأعلنت موسكو وواشنطن، في وقت سابق، عزمهما العمل على إحياء اتفاق الهدنة الذي بدأ تطبيقه في 28 فبراير/شباط الماضي، وما لبث أن شهد خروقات كثيرة غالبها من جانب النظام، وفق تقارير لمنظمات حقوقية.
وفيما رأى رئيس وفد المعارضة المفاوض، أسعد الزعبي، في تصريحات صحافية عدة، أن وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف عاجزان عن ضبط الأوضاع في سورية، واصفاً البلدين بأنهما شريكان في قتل الشعب السوري، اعتبرت عضوة الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة، بسمة قضماني، أن هناك أملاً كبيراً في عودة المعارضة إلى مفاوضات جنيف في حال التزم النظام بالهدنة.
من جهته، أعرب اللواء السوري المنشق عن النظام، محمد الحاج علي، عن اعتقاده بأن وفد المعارضة سيعود إلى جنيف في كل الحالات، بسبب افتقاده أية خيارات جدية أخرى. ورأى الحاج علي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذا الاختلال في المعادلة مردّه التدخّل الروسي والإيراني القوي مقابل ضعف إرادة الأصدقاء المفترضين للثورة السورية في تعزيز قدرات المعارضة المسلحة، فضلاً عن الخلافات بين فصائل المعارضة والتي وصلت حد الاقتتال، كما حصل في الغوطة. وقال الحاج علي إنه لا توجد حتى الآن قوة تجبر نظام بشار الأسد على التخلي عن السلطة، مشيراً إلى أن أنصار النظام مثل روسيا وإيران ومليشياتها، لن يتخلوا عنه إذا لم تتحقق مصالحهم من خلال هذا الحل.
يأتي ذلك فيما أعرب المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، عن أمله في العودة إلى المفاوضات خلال الشهر الحالي. وقال المتحدث باسمه أحمد فوزي، إن الأمم المتحدة "تلقت إشارات إيجابية من موسكو وواشنطن بشأن ذلك".
وكان وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك إيرولت، الوحيد الذي أبدى تفهماً لموقف المعارضة، التي قال إنه سيكون من الصعب عليها تبرير العودة إلى جنيف من دون أي تطورات ملموسة على أرض الواقع، متهماً النظام السوري بالمسؤولية عن انتهاكات الهدنة ومنع المساعدات الإنسانية.
هذا الإلحاح الدولي على النظام السوري من أجل الالتزام بالهدنة، ومن ثم العودة للمفاوضات، دفع النظام إلى الإعلان عن تمديد هدنة حلب ليومين إضافيين، لكنه بعد ساعات من هذا الإعلان عمد إلى قصف بلدة بنش في محافظة إدلب، ومناطق أخرى، موقعاً عشرات القتلى والجرحى في صفوف المدنيين.
ويرى مراقبون أن القرار بشأن استئناف المفاوضات هو بيد موسكو التي تأمل منها واشنطن أن تلجم بعض الشيء جماح نظام الأسد، خصوصاً بشأن الالتزام بالهدنة، معبرة عن أملها في "خفض" حجم العنف في سورية، أي أنها لم تعد تطالب النظام بالالتزام الكامل بالهدنة، بل تقليل حجم الغارات الجوية والقصف المدفعي، ليتسنى استئناف المفاوضات.
غير أن المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، وضعت شرطاً للاستجابة لهذا الطلب وهو "الفصل بما في ذلك جغرافياً، بين الذين يشاركون في نظام وقف الأعمال القتالية والإرهابيين"، معتبرة أن ذلك يمثّل مفتاحاً لإنجاح الهدنة القائمة في بعض المدن السورية.
وطالبت زاخاروفا، في بيان نشر على الموقع الرسمي للخارجية الروسية، ما سمتها "المعارضة السورية التي تدافع عن وحدة أراضي سورية وهي مستعدة للمشاركة في العملية السياسية" أن تنأى بنفسها عن "جبهة النصرة"، متوقعة أن "يضغط الشركاء الأميركيون بصورة مناسبة على جماعتهم".
من جهته، يسعى النظام السوري إلى استغلال الهدنة، أو الهدن، لمحاولة سحق قوات المعارضة، ومواصلة ارتكاب المجازر في المناطق الموالية لها. وقال الصحافي السوري ياسر بدوي، إن روسيا لم تكتف بالسعي إلى تعديل ميزان القوى الميداني لصالح النظام، بل تسعى إلى مساعدته في فرض تصوراته وشروطه للتسوية في جنيف من خلال المساومات التي تجريها مع واشنطن، ونجاحها حتى الآن في دفع الأخيرة للاقتراب أكثر من الموقف الروسي الذي يضرب بالقرارات الدولية ذات الشأن، خصوصاً القرار 2254 القاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالية في سورية، عرض الحائط.
وأوضح بدوي أن ما نشهده حتى الآن هو تماهٍ أميركي مع الطروحات الروسية التي تدفع المسألة السورية إلى زواريب من المماطلة والتمييع، مع التضييق المستمر على المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، بحيث تضيق أمامها الخيارات، ولا يعود بوسعها سوى قبول الفتات الذي يعرض عليها.