رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المصري، المستشار هشام جنينة، هو أبرز الأسماء التي يسعى نظام الانقلاب العسكري الحاكم في البلاد إلى التخلص منها، والتنكيل بها وترهيبها بوسائل عدة. "العربي الجديد" التقته ليكشف عن حجم الفساد داخل مؤسسات الدولة والمعركة بينه وبين الأجهزة الأمنية والقضاء لثنيه عن كشف قضايا الفساد.
* كيف ترى حجم الفساد داخل مؤسسات الدولة؟
- الفساد داخل مؤسسات الدولة وصل إلى مرحلة "خطيرة"، فلم تعد هناك تقريبا أي مؤسسة تخلو من الفساد. حتى الجهات السيادية في الدولة، بل والجهاز المركزي للمحاسبات ذاته والذي أرأسه لم يخلُ من المخالفات، التي أعمل على كشفها وتصحيحها والتحقيق فيها وتقديم المدان فيها إلى جهات التحقيق، وحجم الفساد الذي تم رصده حتى الآن يتخطى حاجز الـ 50 مليار جنيه.
* وما الخطوات التي اتخذتها لمواجهة هذا الأمر؟
- أنا أرسلت التقارير الخاصة بالفساد داخل هذه المؤسسات إلى رئيس الجهورية المؤقت المستشار عدلي منصور، وكذلك رئيس مجلس الوزراء، وإلى النائب العام، وإلى النيابة الإدارية وجهاز الكسب غير المشروع، فهذه الجهات هي التي تتولى عملية التحقيقات والإدانة والإحالة إلى المحاكمة. وأنا أطالب الرئيس المؤقت بإنشاء دوائر خاصة لـ"الفساد"، كما قام منذ أسابيع قليلة بإنشاء دوائر خاصة بـ "الإرهاب"، فالأولى والأهم في هذه المرحلة هو إنشاء دوائر للفساد الذي ضرب كافة مؤسسات الدولة، والذي لا يقل خطورة، بل إنه يهدد بانهيار الدولة أكثر من مسألة الإرهاب.
* هل تواجه عقبات أو تضييقات خلال كشف الفساد بمؤسسات الدولة؟
- هناك أجهزة أمنية عليا بالدولة متورطة في قضايا فساد، تشن حربا نفسية وانتقامية من خلال ترويج الشائعات والاتهامات ضدي، وتستغل القضاء الذي أصبح أحد أذرعها في التنكيل بي، بالإضافة إلى الإعلاميين "الأمنيين" الذين تم تجنيدهم لصالح هذه الجهات.
ويأتي ذلك بعدما علموا باستعدادي لكشف ملفات شائكة خلال الفترة الحالية والتي كانت بدايتها يوم السبت الماضي من خلال المؤتمر الذي عقدته بالجهاز وكشفت فيه عن جزء صغير من الفساد المتورطين هم فيه، وفي مقدمتهم جهاز الأمن الوطني والمخابرات العامة، من خلال تعديهم على الأراضي ومجرى مياه النيل، ومن ثم فلم يكن أمامهم سوى استمرار مسلسل الترهيب لي كرئيس للجهاز، ولموظفيه لإثنينا عن كشفها.
* ولكن قيل إنك تمارس السياسة، وتعمل لفصيل محدد، ووقعت على بيان تأييد شرعية الرئيس مرسي مع مجموعة من القضاة بميدان رابعة العدوية...
- أنا لم أمارس السياسة، وأنا أساسا لم أكن ضمن قائمة المستشارين الذين قاموا بالتوقيع على بيان تأييد الشرعية، ورفض الانقلاب العسكري على الرئيس الشرعي للبلاد، وعندما قام الزملاء من القضاة والمستشارين بالتوقيع على بيان تأييد الشرعية، كنت قد توليت منصبي كرئيس للجهاز المركزي للمحاسبات، وتركت منصبي كقاضٍ. وتوليت منصبًا رقابيًا بالدولة، ولو فرضنا جدلا تحدثي في السياسة، وهو ما لم يحدث، فإنني لم أكن قاضيًا في ذلك الوقت، ولا يوجد مانع لذلك، ولا يوجد شيء أساسا اسمه تهمة التحدث في السياسة.
ومن يوجهون الاتهام لي بالتحدث في السياسية فلينظروا ويقيّموا أحاديثهم أولا التي ملأت شاشات التلفزيون ووسائل الإعلام كافة، في الحديث عن السياسة، بل وتنظيم مؤتمرات بالكامل تتحدث بالسياسة، ويمكن أن ترى ذلك بوضوح فيما يفعله رئيس نادي القضاة المستشار أحمد الزند.
* وما تفاصيل الأزمة بينك وبين وزير العدل المستشار عادل عبد الحميد؟
- بدايتها كانت باكتشاف مخالفات في القوائم المالية الخاصة بالمستشارين المعينين بالجهاز المركزي لتنظيم الاتصالات، وتحديدا بهيئة الاتصالات، حيث تبين أن عدد أعضاء جهاز التنظيم القومي للاتصالات 17 عضوا، من بينهم المستشار عادل عبد الحميد وزير العدل الحالي.
واكتشفت الإدارة المعنية بمرفق الاتصالات، أن هؤلاء الأعضاء حصلوا على مبلغ 59 مليون جنيه بالمخالفة لقانون، وأن عادل عبد الحميد حصل بمفرده على مبلغ مليون و142 ألفا خلال عامين فقط، ومن المبلغ المذكور مبلغ يقرب من نصف مليون جنيه حصل عليه خلال توليه منصب وزير العدل، في حكومة الدكتور كمال الجنزوري الثانية عام 2011.
وعادل عبد الحميد منصبه تنفيذي وليس شخصية عامة، ورغم ذلك حصل على هذه الأموال بشكل شخصي خلال تبوئه منصباً وزاريًا، ووفقا للقانون فإن الأموال التي يحصل عليها خلال توليه المنصب الوزاري، يفترض أن تذهب لجهة عمله وليس لشخصه، بالإضافة إلى أن المبلغ المذكور تقاضاه باعتباره يمثل (جمهور المستفيدين)، وهو أمر غير قانوني، فكيف لوزير العدل أن يمثل جمهور المستفيدين؟.
وقد تكون وجهة نظر اللجان خطأ، ولكن على الأقل ينبغي على جهات التحقيق أن تقوم بعملها، وتحقق في الواقعة، وتعلن ما انتهت إليه، ولكن ليس من المقبول أن نسكت على بلاغ لأكثر من 3 سنوات ولم يتم فتح التحقيق فيه، فأنا لو لم أثِر البلاغ إعلاميًا ما كان البلاغ ليتم تحريكه، فهل كان مطلوب مني أن (أركن) الملف لكي لا أثير المشاكل، وهل المطلوب مني كشف فساد الصغار فقط، وإذا كشفنا فساد الكبار تقوم علينا الدنيا؟ فإذا لا يريدوني أن أعمل بشفافية كاملة "وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ".
* وإلى أين وصلت التحقيقات وهذه الأزمة؟
- ما توصلت إليه الأزمة هو أمر غريب ومثير للدهشة، حيث إن البلاغ الذي تقدمت به ما زال في مكتب النائب العام ولم يتحرك بعد وما زال (متجمدًا) في الأدراج، ولم يتم حتى استدعاء المسؤول بالجهاز الذي أعد التقرير لسماع أقواله فيه، رغم تقديم البلاغ منذ عدة أشهر.
بل والمثير للاستغراب أكثر من ذلك هو أنني علمت من وسائل الإعلام أنني أُحلت إلى محكمة الجنايات لمحاكمتي بقضية سب وقذف عادل عبد الحميد بسبب ما كشفته عنه من شبهة الاستيلاء على المال العام، دون التحقيق أساسا في البلاغ المقدم، وحتى لم يتم إخطاري بموعد المحاكمة، فالقضاء أصبح معي ومع غيري أصبح ذراعًا للنظام الحاكم.
* وبالنسبة للأزمة مع نادي القضاة بشأن الإشراف المالي عليه؟
- الأزمة لم تحل، وأنا وأعضاء الجهاز مُصرّون على خضوع ميزانية النادي لإشراف الجهاز المركزي للمحاسبات، وهو ما يدفع رئيس النادي إلى شن هجوم عليّ، وهو معروف انتماؤه السياسي منذ أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك، وأنا أتعجب من موقف النادي ما دام لا توجد أي مخالفات، فهم قضاة والمفترض ألا يخشوا تطبيق القانون ورقابة الأجهزة الرقابية بالدولة.
* هناك صورة التقطت لك بأحد الفنادق تجمعك بالمستشار محمود مكي، وترددت أخبار عن لقائك بالأخوين مكي وقضاة بتيار الاستقلال بمنزلك للإعداد لحملة ضد عادل عبد الحميد والنائب العام ونادي القضاة، كيف ترى ذلك؟
- الأجهزة الأمنية تقوم بالتسجيل لي ولغيري. وهو أمر في غاية الخطورة، حيث قامت برصد لقاء جمع بيني وبين المستشار محمود مكي، والمستشار هشام رؤوف، اللذين تربطني بهما علاقة صداقة وود قديمة، وبخصوص الصورة فلها مناسبة وهي أن المستشار محمود مكي لديه نجل يعمل مستشاراً في القاهرة، وأن والده ووالدته يقومان بزيارته من وقت لآخر. وقد قمت باستغلال فرصة وجوده في القاهرة، وتم التنسيق بيني وبينه وبين المستشار هشام رؤوف لنتقابل واخترت مكانًا عامًا وهو فندق في الطريق الدائري، وهو مكان عام معلوم للكافة، وتم ترتيب لقاء بيننا الثلاثة، ولم يتطرق اللقاء لأي أمور سياسية أو ترتيبات للمرحلة المقبلة.
ولكن أن يتم رصد اللقاء من قبل الأجهزة الأمنية، يعني أنه تم تسجيل المكالمة، وأن كافة التسجيلات لي مسجلة، وأنا أعلم ذلك من وقت مضى، وهو أمر لا يقتصر عليّ فقط، بل على العديد من الشخصيات الأخرى، وهو أمر غاية في الخطورة.
ومن ثم أطالب الرئيس المؤقت، المستشار عدلي منصور، أن يقوم بتشكيل لجنة لفتح تحقيق محايد وشفاف بشأن قضية اختراق الحياة الخاصة للمواطنين دون إذن قضائي مسبب، فهو أضر بمصداقية الدولة في مبدأ الحريات، لأن ذلك يعد انتهاكًا للحياة الخاصة، وهو أمر في منتهى الخطورة، ولا يتماشى مع الدستور الحالي، فالحكومة سقطت في أول اختبار حقيقي لها، فما فائدة النص الدستوري إذا لم يتم تطبيقه، وما تم يعني أن ما جاء في الدستور هو حبر على ورق، لا قيمة له من قبل الأجهزة الأمنية.
* هل سيتوقف المستشار هشام جنينة عند هذا الحد أم إنه مستمر في معركته ضد الفساد؟
- أنا مستمر في كشف ملفات الفساد داخل كافة مؤسسات الدولة التي تخضع لإشراف الجهاز المركزي للمحاسبات، بما في ذلك المؤسسات السيادية التي كانت "خطًّا أحمر" في عهد الرئيس المخلوع مبارك وفي عهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ومستمر وأعضاء الجهاز في فحص كافة الملفات، ولن أتوقف عن أداء الأمانة أمام الله ثم الشعب مهما كانت العواقب.