28 ديسمبر 2021
جولة ترامب في ميزان السيئات الأكبر فلسطينيا
مثلما انتهى لقاء الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في واشنطن في أوائل شهر مايو/ أيار الجاري، كذلك انتهى لقاؤهما في بيت لحم، من دون وجود أي مؤشراتٍ إلى أن جولة جديدة من المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية باتت أمرا محتملا أو مفروغا منه، على قاعدة ضرورة إيجاد دولة فلسطينية إلى جانب دولة الكيان؛ وهو الهدف الذي لم يمل الفلسطينيون والعرب وآخرون من ترديده، والإلحاح عليه، فيما لا يلوح الإسرائيليون إلا بـ "إسرائيلهم"، كونها الغيتو الأكبر لـ "الدولة الواحدة" التي تضم في جنباتها بعض الفلسطينيين كذلك، في تغييبٍ واضح ومتعمد لدولة فلسطينية مستقلة، أو ذات سيادة، أو منزوعة السلاح.
وجل ما في الأمر أن الحديث المتواصل عن "السلام" لا يعني ولن يعني، إسرائيليا وأميركيا، ضرورة "استحداث" مثل هذه الدولة، بقدر ما يجري السعي إلى عدم الاعتراف الإسرائيلي بوجود شريك فلسطيني، بدل الاعتراف بحقيقة وواقعية عدم وجود شريك إسرائيلي جدي حتى الآن، يبادل السلطة الفلسطينية، أو غيرها، الشراكة في التفاوض للوصول إلى "تسوية سلام" ممكنة بين الجانبين.
انتهت جولة الرئيس الأميركي في المنطقة، من دون أن يرد على لسانه أن "حل الدولتين" يمكن أن يكون أحد الخيارات الممكنة أو البديلة الذي يمكن أن يؤدي إلى السلام، بل هو أكّد، حين التقى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في واشنطن، أن حل الدولتين ليس السبيل الوحيد لإنهاء الصراع، وها هو في جولته الحالية التي انتهت في 23 مايو/ أيار الحالي، في أعقاب لقاءيه نتنياهو وعباس، عاد ليؤكد انفتاحه على خياراتٍ بديلة، وهو الموقف نفسه الذي ما فتئ يردّده منذ وصوله إلى البيت الأبيض، من دون أن تؤثر فيه أحلام مستقبليه من العرب أو الفلسطينيين أو أوهامهم. على الرغم مما يسجله ترامب من تمايزات واضحة في افتراقه عن عقود السنوات التي امتازت بها السياسات الأميركية حيال "حل الدولتين" في عديد من عهود الإدارات الأميركية المتعاقبة، ولم يكن في الإمكان التقدم، ولو ربع خطوة نحو هذا الحل، وها هو ترامب، من البداية، يرى أن خياراتٍ أخرى قد تكون ممكنة، مما يتوافق فيها مع توجهات اليمين الإسرائيلي المتطرّف، لا مما يراه الفلسطينيون والعرب والمجتمع الدولي، فقد تماهى خطاب ترامب مع سياسات نتنياهو، ولم يأت على ذكر ما أراده الفلسطينيون أو حلموا بسماعه، عن معاناتهم بفعل الاحتلال والاستيطان، بل تجاهل معاناة الفلسطينيين وأطفالهم، في وقت تحدّث فيه عن معاناة الأطفال الإسرائيليين.
وفي ظل طغيان أحاديث الصفقات، والبُعد عن منطق الحقوق، والتماهي مع منطق التجارة، من
الطبيعي ألاّ يوحي كل هذا بالثقة، ولا بالمصداقية، ولا يجب أن ينساق الطرف الفلسطيني، إلى التعاطي مع القضية الوطنية، وكأنها الأقرب إلى المشروع التجاري الذي يوجب التوصل إلى صفقة عقارية، بل تستوجب المسألة برمتها التعاطي معها باعتبارها قضية مشروع وطني، وقضية حقوق وطنية ثابتة ومقدسة، وحقائق تاريخية وجغرافية وديمغرافية، تضمها وتحتويها وتصادق عليها طبيعة الهوية الوطنية التي عكست تمثيلها الأمين للهوية الوطنية الفلسطينية، كما كانت قد تأسست طوال تاريخها؛ على الرغم من مرور قرن على "وعد بلفور" الذي أباح للحركة الصهيونية إقامة كيانها الاستعماري الاستيطاني فوق الأرض الفلسطينية. وعلى الرغم من التسهيلات والتواطؤات والحمايات والمساعدات التي تأمنت لهذا الكيان، كي يستمر كل هذه السنين، من دون أن تنكسر شوكته حتى على جبهة المفاوضات، أو تراجعه عن مساحات احتلاله كامل أرض فلسطين التاريخية، في ظل حصاره قطاع غزة، وتأثيراته الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية على حياة سكانه، وحياة اللاجئين في كل أماكن الشتات.
وفي تتبعٍ لا يخلو من دلالة على منطق الصفقات، ما كانت أشارت إليه صحيفة جويش إنسايدر الأميركية، قبل أيام من اللقاء الأول بين عباس وترامب، في تقرير لها بشأن الدور الذي يقوم به رون لاودر، رئيس شركة مستحضرات التجميل، ورئيس "الكونغرس اليهودي العالمي"، بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس الأميركي دونالد ترامب.. حيث ذكرت أن الرئيس عباس استعمل رجل الأعمال لاودر وشريك رجل الأعمال الفلسطيني، عدنان مجلي، قناة سرية، مع الإدارة الأميركية، ما أثار غضب الجالية اليهودية في أميركا، والتي أطلقت على رون لاودر اسم: "رجل عباس في واشنطن".
وكان موقع "ميدل إيست آي" قد كشف، قبل يومين من جولة ترامب، أن الرئيس محمود عباس سيعرض على ترامب، خلال زيارته الأراضي الفلسطينية، خطة تتضمن تخلي الفلسطينيين عن 6.5% من أراضيهم لإسرائيل، علماً أن المعروض فلسطينياً كان 1.9%، أي ثلاثة أضعاف هذه المساحة تغطي بمجملها المستوطنات الكبرى في الضفة. ونقلت عن مسؤول فلسطيني مقرب من منظمة التحرير قوله إن العرض يستثني القدس، إلا أنه في ما يبدو يكرّس رؤية رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود أولمرت، لتسوية سلمية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
على قاعدة مثل هذه المعطيات وحقائقها الماثلة، ليس من السهولة، أو حتى الحماقة، نشوء ظروف تسوية تاريخية، لها طابع الصفقات، بالنظر إلى ذهنية القائمين بها. وبالتالي، لا إمكانية لنشوء "صفقة تاريخية"، يباهي بها أصحابها في المنطقة وفي العالم، وكأنهم يحققون إنجازا تاريخيا مهما، على ما تأمل إدارة ترامب والرئيس الفلسطيني محمود عباس، في وقتٍ لا تجد فيه إسرائيل، ومعها حكومتها اليمينية المتطرّفة، من دواع لمثل هذا التفاؤل بصفقة من هذا القبيل، طالما هي تحدّد مواقفها النهائية على قاعدة الاحتفاظ بالمكان (الفلسطيني) على الرغم من الاتفاقيات التي أبرمتها منذ اتفاق أوسلو. وبالتالي، هي ليست مضطرة لإرضاء الطرف الفلسطيني، الذي لطالما رفضت وترفض اعتباره شريكا تفاوضيا، وكانت قد أفشلت كل جولات التفاوض معه في كل مراحلها، من دون أن تجد من يضغط عليها إقليميا أو دوليا.
وفي الوقت الراهن، لا يبدو أن من أولويات التحالف الاقليمي الذي رعته الإدارة الأميركية، السعي جديا نحو تحريك المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية، بما يمكن من زحزحة الإسرائيليين عن موقفهم المعتاد، في إصراره على حكم ذاتيٍّ منزوع السلاح والسيادة، وسيطرة على كامل حدود فلسطين التاريخية مع الدول العربية، ومنها الاحتفاظ بالأغوار مع الأردن، حتى لا يكون هناك تواصل فلسطيني مع أي دولة عربية، يمكن أن يغري بالمطالبة بالسيادة فلسطينيا على الأرض.
فإذا كان هذا هو مضمون الصفقات المحتملة، فأين "التاريخية" في مثل هذه التضحية البائسة بوطن الشعب الفلسطيني على مذبح التوافقات الإسرائيلية – الأميركية التي تجرّ معها توافقات إقليمية أخرى تابعة، عاجزة بأوزانها عن التأثير أو ممارسة الحد الأدنى من الضغوط للحفاظ على الحقوق الوطنية الفلسطينية التي يفرّط بها بعض أصحابها لمزيد الأسف؛ من أجل دولة/ حلم باتت شعاراتية، وليست واقعيةً في ظل استمرار الاستيطان والممارسات الاحتلالية الفاشية، والإصرار على جعل الوطن الفلسطيني "وطنا قوميا ليهود العالم".
وجل ما في الأمر أن الحديث المتواصل عن "السلام" لا يعني ولن يعني، إسرائيليا وأميركيا، ضرورة "استحداث" مثل هذه الدولة، بقدر ما يجري السعي إلى عدم الاعتراف الإسرائيلي بوجود شريك فلسطيني، بدل الاعتراف بحقيقة وواقعية عدم وجود شريك إسرائيلي جدي حتى الآن، يبادل السلطة الفلسطينية، أو غيرها، الشراكة في التفاوض للوصول إلى "تسوية سلام" ممكنة بين الجانبين.
انتهت جولة الرئيس الأميركي في المنطقة، من دون أن يرد على لسانه أن "حل الدولتين" يمكن أن يكون أحد الخيارات الممكنة أو البديلة الذي يمكن أن يؤدي إلى السلام، بل هو أكّد، حين التقى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في واشنطن، أن حل الدولتين ليس السبيل الوحيد لإنهاء الصراع، وها هو في جولته الحالية التي انتهت في 23 مايو/ أيار الحالي، في أعقاب لقاءيه نتنياهو وعباس، عاد ليؤكد انفتاحه على خياراتٍ بديلة، وهو الموقف نفسه الذي ما فتئ يردّده منذ وصوله إلى البيت الأبيض، من دون أن تؤثر فيه أحلام مستقبليه من العرب أو الفلسطينيين أو أوهامهم. على الرغم مما يسجله ترامب من تمايزات واضحة في افتراقه عن عقود السنوات التي امتازت بها السياسات الأميركية حيال "حل الدولتين" في عديد من عهود الإدارات الأميركية المتعاقبة، ولم يكن في الإمكان التقدم، ولو ربع خطوة نحو هذا الحل، وها هو ترامب، من البداية، يرى أن خياراتٍ أخرى قد تكون ممكنة، مما يتوافق فيها مع توجهات اليمين الإسرائيلي المتطرّف، لا مما يراه الفلسطينيون والعرب والمجتمع الدولي، فقد تماهى خطاب ترامب مع سياسات نتنياهو، ولم يأت على ذكر ما أراده الفلسطينيون أو حلموا بسماعه، عن معاناتهم بفعل الاحتلال والاستيطان، بل تجاهل معاناة الفلسطينيين وأطفالهم، في وقت تحدّث فيه عن معاناة الأطفال الإسرائيليين.
وفي ظل طغيان أحاديث الصفقات، والبُعد عن منطق الحقوق، والتماهي مع منطق التجارة، من
وفي تتبعٍ لا يخلو من دلالة على منطق الصفقات، ما كانت أشارت إليه صحيفة جويش إنسايدر الأميركية، قبل أيام من اللقاء الأول بين عباس وترامب، في تقرير لها بشأن الدور الذي يقوم به رون لاودر، رئيس شركة مستحضرات التجميل، ورئيس "الكونغرس اليهودي العالمي"، بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس الأميركي دونالد ترامب.. حيث ذكرت أن الرئيس عباس استعمل رجل الأعمال لاودر وشريك رجل الأعمال الفلسطيني، عدنان مجلي، قناة سرية، مع الإدارة الأميركية، ما أثار غضب الجالية اليهودية في أميركا، والتي أطلقت على رون لاودر اسم: "رجل عباس في واشنطن".
وكان موقع "ميدل إيست آي" قد كشف، قبل يومين من جولة ترامب، أن الرئيس محمود عباس سيعرض على ترامب، خلال زيارته الأراضي الفلسطينية، خطة تتضمن تخلي الفلسطينيين عن 6.5% من أراضيهم لإسرائيل، علماً أن المعروض فلسطينياً كان 1.9%، أي ثلاثة أضعاف هذه المساحة تغطي بمجملها المستوطنات الكبرى في الضفة. ونقلت عن مسؤول فلسطيني مقرب من منظمة التحرير قوله إن العرض يستثني القدس، إلا أنه في ما يبدو يكرّس رؤية رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود أولمرت، لتسوية سلمية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
على قاعدة مثل هذه المعطيات وحقائقها الماثلة، ليس من السهولة، أو حتى الحماقة، نشوء ظروف تسوية تاريخية، لها طابع الصفقات، بالنظر إلى ذهنية القائمين بها. وبالتالي، لا إمكانية لنشوء "صفقة تاريخية"، يباهي بها أصحابها في المنطقة وفي العالم، وكأنهم يحققون إنجازا تاريخيا مهما، على ما تأمل إدارة ترامب والرئيس الفلسطيني محمود عباس، في وقتٍ لا تجد فيه إسرائيل، ومعها حكومتها اليمينية المتطرّفة، من دواع لمثل هذا التفاؤل بصفقة من هذا القبيل، طالما هي تحدّد مواقفها النهائية على قاعدة الاحتفاظ بالمكان (الفلسطيني) على الرغم من الاتفاقيات التي أبرمتها منذ اتفاق أوسلو. وبالتالي، هي ليست مضطرة لإرضاء الطرف الفلسطيني، الذي لطالما رفضت وترفض اعتباره شريكا تفاوضيا، وكانت قد أفشلت كل جولات التفاوض معه في كل مراحلها، من دون أن تجد من يضغط عليها إقليميا أو دوليا.
وفي الوقت الراهن، لا يبدو أن من أولويات التحالف الاقليمي الذي رعته الإدارة الأميركية، السعي جديا نحو تحريك المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية، بما يمكن من زحزحة الإسرائيليين عن موقفهم المعتاد، في إصراره على حكم ذاتيٍّ منزوع السلاح والسيادة، وسيطرة على كامل حدود فلسطين التاريخية مع الدول العربية، ومنها الاحتفاظ بالأغوار مع الأردن، حتى لا يكون هناك تواصل فلسطيني مع أي دولة عربية، يمكن أن يغري بالمطالبة بالسيادة فلسطينيا على الأرض.
فإذا كان هذا هو مضمون الصفقات المحتملة، فأين "التاريخية" في مثل هذه التضحية البائسة بوطن الشعب الفلسطيني على مذبح التوافقات الإسرائيلية – الأميركية التي تجرّ معها توافقات إقليمية أخرى تابعة، عاجزة بأوزانها عن التأثير أو ممارسة الحد الأدنى من الضغوط للحفاظ على الحقوق الوطنية الفلسطينية التي يفرّط بها بعض أصحابها لمزيد الأسف؛ من أجل دولة/ حلم باتت شعاراتية، وليست واقعيةً في ظل استمرار الاستيطان والممارسات الاحتلالية الفاشية، والإصرار على جعل الوطن الفلسطيني "وطنا قوميا ليهود العالم".