يعيشُ الشارع الرياضي الجزائري حالة من الفرحة بعد الفوز الثمين الذي حققه أشبال بلماضي في ثاني خرجة لهم برسم كأس أمم أفريقيا، بعدما تمكنوا من ترويض منتخب السنغال الملقب بمنتخب "أسود التيرانغا"، في لقاء اتسم بالاندفاع البدني الكبير والندية بين اللاعبين.
بلغة الأرقام فإن الخضر حققوا أرقاماً صمدت لسنواتٍ طويلة، لأول مرة منذ كأس أفريقيا 1990، التي فاز بها الخضر وقتها، بعدما تمكن المنتخب الجزائري من تحقيق الفوز في أول لقاءين وضمان التأهل بغض النظر عن نتائج الجولة الثالثة، بل أكثر من ذلك فقد ضمن الخضر المركز الأول رسمياً، نفس الأمر ولأول مرة منذ 1984، يوم أنهى الخضر أول لقاءين بشباك نظيفة دون تلقي أي هدف، هذه الأرقام يمكن تخطيها في حال تمكن رفاق القائد محرز من تحقيق الفوز الثالث أمام تنزانيا دون تلقي أي هدف.
كلّ ما ذكر سابقاً يدعو للفخر بما فعله بلماضي في الأشهر القليلة التي قضاها على رأس المنتخب الوطني، فهو لم يُكمل بعد عامه الأول، إلا أنه في هذه الفترة الوجيزة جلب مدرب العنابي السابق الكثير من الأمور التي أعادت قطار الجزائر إلى السكة الصحيحة، فقد خلق جواً خاصاً خلال التدريبات، وهو يعتبر أقرب مدرب إلى اللاعبين في السنوات الأخيرة، ويتضح ذلك في العلاقة الأخوية بينه وبين أشباله من خلال الحصص التدريبية التي يشارك فيها كأنه واحدٌ منهم، إضافة إلى مناداتهم بأسمائهم لا بألقابهم، وهذا في عرف العلاقات دليل على القرب، فضلاً عن تحمله مسؤولية إخبار اللاعبين بقراراته من دون أي وسيط وهو ما كسر كلّ الحواجز.
ما جلبه بلماضي للمنتخب هو العدل في التعامل بين اللاعبين، فلم يعد هناك نجمٌ فوق العادة، النجم الآن هو المجموعة، إضافة إلى ذلك، لم يعد في المنتخب لاعب أساسي مهما كان مستواه، الجميع يأتي إلى التربص وهو مجبر على تقديم أقصى ما لديه لعلّه يحجز مكانة أساسية له، وقد بدا ذلك من خلال ردود أفعال الاحتياطيين لحظة تسجيل الأهداف أو في الأوقات الحرجة، بل تجاوز الأمر إلى توجيههم للاعبين الأساسيين من على خط التماس.
وأهم ما تمكن بلماضي من النجاح في القضاء عليه، الذي اعتبر في وقتٍ سابق واحداً من أهم العوامل التي كانت سبباً في تراجع مستوى المنتخب الجزائري، هو مشكل التكتلات بين العناصر المحلية والأخرى مزدوجة الجنسية، فقد شكل هذا الأمر هاجساً وأرقاً لكل المدربين، غير أن الأمر الآن بات طي النسيان، وأصبح الجميع بمثابة عائلة واحدة، يعيشون في جو أخوي، ويبدو ذلك جلياً من خلال منشورات اللاعبين على حساباتهم بشبكات التواصل الاجتماعي.
نعم المنتخب حقق أرقاماً رائعة، وأصبح منتخباً يُحسب له ألف حساب، ومن حق الجماهير الفرحة فقد اشتاقت للظهور القوي لمنتخبها، لكن ما تحقق لا يعتبر سوى أول خطوة في رحلة شاقة وصعبة.
المنتخب تنتظره مباراة مهمة من حيث الحفاظ على وتيرة الفوز وتحطيم الأرقام، وإن كانت شكلية من حيث التأثير في التأهل أو الترتيب، والأهم من هذا فالمهمة الكبرى أن ينزل اللاعبون من سحابة الفوز أمام السنغال، ليضعوا أرجلهم على الأرض مرة أخرى والعمل للحفاظ على مستواهم لأجل الذهاب بعيداً.
المدرب بلماضي كان واضحاً منذ أول ندوة صحافية حول أهدافه، وعلى اللاعبين أن يشاركوا مدربهم نفس الطموح ولا يكتفوا بفرحة الفوز على أحسن منتخب أفريقي، الفرحة الكبرى هي العودة بالتاج القاري الغائب عن خزائن الجزائر منذ أول وآخر تتويج عام 1990 هنا بالجزائر.