يشهد الملف الليبي حراكاً سياسياً متعدد الأطراف والأهداف، تقوده دول عدة، أولها إيطاليا التي تريد عقد مؤتمر باليرمو في 12 و13 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وخلق حالة من التوافق الدولي حول أحقيتها بقيادة الملف الليبي. كذلك تبرز مساعي فرنسا، غريمة إيطاليا التقليدية، لإفشال تحركات الأخيرة، مدفوعة بحقيقة أن مسار الإعداد لهذا المؤتمر حتى الآن لا يُظهر أي تقارب بين الشخصيتين الأبرز في الأزمة الليبية، رئيس حكومة الوفاق فائز السراج، وقائد الجيش المعين من مجلس النواب في طبرق خليفة حفتر، فيما الميل الإيطالي واضح لصالح السراج.
في موازاة ذلك، تحضر التحركات المصرية، مع سعي القاهرة ومن ورائها داعمو حفتر، إلى استباق مؤتمر باليرمو من خلال ترتيب اتفاق بين حفتر والسراج. وإذا ما نجحت هذه الجهود في عقد صفقة بين الرجلين لتوحيد المؤسسة العسكرية، فإن مؤتمر باليرمو سيصبح بلا أهمية كبيرة. واتجهت القاهرة في رعايتها للقاءات الضباط أخيراً، إلى حل الخلاف بين الطرفين على قاعدة المصالح المشتركة لتوحيد المؤسسة العسكرية والتوصل إلى مقاربة أمنية يمكن أن تمهّد لحل الخلافات السياسية المتعلقة بشاغلي المناصب السيادية التي من الممكن حلحلتها من خلال محاصصة مناطقية للحكم والثروة. ويبدو أن دولاً كبرى تنتظر نتائج اللقاءات في مصر، كروسيا وفرنسا والولايات المتحدة، وهي لم تعلن عن موقفها من المؤتمر الإيطالي وحجم مشاركتها فيه حتى الآن.
ولا يعد لقاء باليرمو الأول الذي سعى لجمع حفتر والسراج، بمفردهما أو برفقة قادة آخرين، كان آخرها لقاء باريس، نهاية مايو/ أيار الماضي، وكلها لم تتوصل إلى خلق مناخ ثقة يمكن أن يقود إلى تنفيذ الاتفاقات التي نتجت عن هذه اللقاءات، حتى بدت القناعة كبيرة في أوساط بعض المتابعين للملف الليبي بأن تردي العلاقة بين الرجلين أوصل الأزمة الليبية إلى طريق مسدود، وبالتالي فإن أي حل يتطلب ابتعادهما عن المشهد السياسي.
لكن خلال الأشهر التي تلت لقاء باريس، تعرض الرجلان لهزات عنيفة. حفتر فَقَد سيطرته لأيام على نصف منطقة الهلال النفطي، منتصف يونيو/ حزيران الماضي، بسبب هجمات قائد حرس المنشآت النفطية السابق، إبراهيم الجضران. وحاول التعويض عن ذلك باستثمار ورقة النفط لصالحه بنقل تبعية الموانئ والحقول النفطية لمؤسسة موازية في بنغازي تخضع لسلطته، لكن أوامر أميركية وصلت سريعاً لترغمه على التراجع عن قراره، الأمر الذي شكّل له أزمة ثقة عنيفة في أوساط مؤيديه، لا سيما الفيدراليين في شرق البلاد الطامحين للسيطرة على موارد النفط.
على الضفة الأخرى، شكّلت المواجهات في طرابلس والفوضى الأمنية خلال سبتمبر/ أيلول الماضي، هزة كبيرة لمكانة السراج السياسية، إلى درجة تخلي داعميه في مجلس النواب عنه والمطالبة بضرورة إسقاطه ومجلسه وإعادة تشكيل الحكومة.
اقــرأ أيضاً
لكن حفتر والسراج أعادا ترتيب أوراقهما داخلياً وخارجياً. حفتر نأى بنفسه بشكل كبير عن مجلس النواب وتبرأ من مواقفه المعرقلة لصدور الدستور وبالتالي تأخر الانتخابات، ودعا في أكثر من مناسبة لضرورة إجراء الانتخابات وتعهّد بحمايتها. كما أنه لم يعد يظهر كثيراً في عواصم الدول التي كانت تجاهر بدعم حراكه العسكري، بل اتجهت الكثير من تلك الدول، لا سيما مصر وفرنسا، للتقرب أكثر من حكومة الوفاق والسراج في الغرب. أما السراج فقد حوّل مواجهات طرابلس إلى مكسب، عندما ترك البعثة الأممية تقود كل شيء، من وقف إطلاق النار إلى إرغام المليشيات على القبول بالترتيبات الأمنية مروراً بالإصلاحات الاقتصادية، فكسب بذلك دعماً دولياً وأممياً كبيراً.
ويبدو أن المعادلة الجامدة بدأت تتحرك، وأدرك الرجلان أنه لا بد من التقدّم بضع خطوات نحو بعضهما، بعدما غيّر كلاهما المشهد المسلح في منطقة نفوذه بشكل كبير. حفتر أزاح عدداً من الضباط المعرقلين لمساره، كاللواء ونيس بوخمادة واللواء عبد الرزاق الناظوري، علاوة على الرائد محمود الورفلي، وهي أسماء تُتهم بالتورط في أعمال مخالفة لقواعد الحرب خلال السنوات الماضية، واستعاض عنها بقيادات شابة مقربة منه، وضم إليها عدداً من كتائبه بعد إعادة تشكيلها ضمن ألوية مسلحة جديدة تخضع لتراتبيات عسكرية. أما السراج فقد استثمر الحرب المدمرة التي اندلعت بين المليشيات في طرابلس، وأدت إلى تراجع كبير في قوتها، وتمكّن من إعادة تشكيل تلك المليشيات بقادة جدد ضمن خطة الترتيبات الأمنية، بعدما عيّن فتحي باشاغا وزيراً للداخلية، وهو رجل عسكري سبق أن شارك في تكوين حلف "فجر ليبيا" ويعرف كيفية تركيب وتفكيك هذه المليشيات.
ولا يعد لقاء باليرمو الأول الذي سعى لجمع حفتر والسراج، بمفردهما أو برفقة قادة آخرين، كان آخرها لقاء باريس، نهاية مايو/ أيار الماضي، وكلها لم تتوصل إلى خلق مناخ ثقة يمكن أن يقود إلى تنفيذ الاتفاقات التي نتجت عن هذه اللقاءات، حتى بدت القناعة كبيرة في أوساط بعض المتابعين للملف الليبي بأن تردي العلاقة بين الرجلين أوصل الأزمة الليبية إلى طريق مسدود، وبالتالي فإن أي حل يتطلب ابتعادهما عن المشهد السياسي.
لكن خلال الأشهر التي تلت لقاء باريس، تعرض الرجلان لهزات عنيفة. حفتر فَقَد سيطرته لأيام على نصف منطقة الهلال النفطي، منتصف يونيو/ حزيران الماضي، بسبب هجمات قائد حرس المنشآت النفطية السابق، إبراهيم الجضران. وحاول التعويض عن ذلك باستثمار ورقة النفط لصالحه بنقل تبعية الموانئ والحقول النفطية لمؤسسة موازية في بنغازي تخضع لسلطته، لكن أوامر أميركية وصلت سريعاً لترغمه على التراجع عن قراره، الأمر الذي شكّل له أزمة ثقة عنيفة في أوساط مؤيديه، لا سيما الفيدراليين في شرق البلاد الطامحين للسيطرة على موارد النفط.
على الضفة الأخرى، شكّلت المواجهات في طرابلس والفوضى الأمنية خلال سبتمبر/ أيلول الماضي، هزة كبيرة لمكانة السراج السياسية، إلى درجة تخلي داعميه في مجلس النواب عنه والمطالبة بضرورة إسقاطه ومجلسه وإعادة تشكيل الحكومة.
لكن حفتر والسراج أعادا ترتيب أوراقهما داخلياً وخارجياً. حفتر نأى بنفسه بشكل كبير عن مجلس النواب وتبرأ من مواقفه المعرقلة لصدور الدستور وبالتالي تأخر الانتخابات، ودعا في أكثر من مناسبة لضرورة إجراء الانتخابات وتعهّد بحمايتها. كما أنه لم يعد يظهر كثيراً في عواصم الدول التي كانت تجاهر بدعم حراكه العسكري، بل اتجهت الكثير من تلك الدول، لا سيما مصر وفرنسا، للتقرب أكثر من حكومة الوفاق والسراج في الغرب. أما السراج فقد حوّل مواجهات طرابلس إلى مكسب، عندما ترك البعثة الأممية تقود كل شيء، من وقف إطلاق النار إلى إرغام المليشيات على القبول بالترتيبات الأمنية مروراً بالإصلاحات الاقتصادية، فكسب بذلك دعماً دولياً وأممياً كبيراً.