يقول القيادي في مليشيا "سرايا السلام" التابعة للتيار الصدري، فاضل العامري، لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الشائعة انطلقت بعدما حدثت مشادة بين أنصار التيار الصدري ومليشيات أخرى بسبب الهتاف ضد إيران، وصلت حد التهديد، وتم إنهاء المشكلة لكنها تطورت إلى شائعة مخيفة". توقُّع الخلاف بين المليشيات وحصول معارك في ما بينها عزّزه التفجير الدامي بسيارة ملغّمة، استهدف، منتصف الشهر الحالي، سوقاً شعبية في مدينة الصدر، معقل أنصار التيار الصدري.
وخرجت الشائعات تقول إن التفجير جاء رداً على اقتحام أتباع التيار الصدري المنطقة الخضراء، مقر الحكومة العراقية في بغداد. واقتحمت أعداد كبيرة من قبل المحتجين المؤيدين لمقتدى الصدر، في 30 إبريل/ نيسان الماضي، بعد فشل النواب في التصويت على تشكيلة لحكومة تكنوقراط قدّمها رئيس الوزراء حيدر العبادي، استجابة لمطالب الإصلاح ومحاربة الفساد التي طالب بها مؤيدو التيار الصدري منذ أشهر.
وجاء دخولهم المنطقة الخضراء بإشارة من زعيمهم مقتدى الصدر الذي هدد بانتفاضة شعبية، في خطاب له حينها، مؤكداً بذلك قوته في تحريك أعداد هائلة من أتباعه، وبشكل سلمي. وقال حينها إن "الانتفاضة الشعبية" التي دعا إليها "لا تريد الانتقام من أحد ولا تريد كرسياً لأحد"، مشيراً إلى أن "الانتفاضة ستبقى سلمية حتى النهاية". والرد ضد تيار الصدر، بحسب أنصاره، جاء في استهداف مدينتهم بالتفجيرات، بحسب شهود عيّان قالوا، لـ"العربي الجديد"، إنهم سمعوا عناصر في مليشيا "سرايا السلام" التابعة للصدر يرددون هذا الكلام وهم يساعدون في إخلاء جرحى السوق ومحاولة تأمينه، خوفاً من وقوع تفجير آخر في المكان ذاته.
من هنا، كان انطلاق شرارة شائعة أخرى تفيد بأنّ الخلاف بين المليشيات تحوّل إلى جرائم قتل بشعة تستهدف الأبرياء والبسطاء الذين يعملون في سوق شعبية بسيطة، كونهم من أتباع الصدر. وزاد استهداف معمل للغاز السائل في شمال بغداد، الأحد الماضي، من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بعملية انتحارية، جرعة الخوف، لتصبح الشائعة الثالثة مزدوجة. ففي الوقت الذي قيل فيه إنّ مليشيات فسحت المجال لعناصر "داعش" في استهداف المعمل، لاتهام مليشيا أخرى بالتواطؤ مع التنظيم، أشارت العملية، في الوقت عينه، إلى خبر مفاده أنّ "داعش" يسير نحو بغداد ويسعى لاحتلالها.
ويؤكد بعض السكان أنّ هذه الشائعات أحدثت رعباً في الشارع العراقي. فبالإضافة إلى أنها جمّدت الكثير من أعمال المواطنين وتحرّكاتهم، فرضت على آخرين البحث عن مكان آمن بعيداً عن العاصمة، وإنْ كان بشكل مؤقت. وهذا ما فعله المواطن ناظم غيلان الذي انتقل مع أسرته نحو محافظة ميسان، جنوب العراق، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "البقاء في بغداد يعني الموت، إنْ لم نمت بانفجار سنموت من رعب الشائعات".
فيما شهدت بعض الأماكن العامة انحساراً في أعداد مرتاديها، كالمقاهي العائلية والمطاعم والمحلات الترفيهية، بحسب تأكيدات أصحابها. فالشائعات، وفقاً لما يرويه مدير مطعم في بغداد، ضياء العلي، لـ"العربي الجديد"، لها الدور الكبير في نشر الخوف وتقييد حركة الناس، الذين بدورهم يفضّلون عدم الخروج من منازلهم إلا للضرورة. ويؤكد أن عدداً كبيراً من العائلات كانت ترتاد المطعم لكن تقلّص عددهم بسبب الخوف من التفجيرات ودور الأقاويل في بثّ الرعب، وفقاً له. ويوضح أنّ "كل الأعمال ترتبط اليوم بالأمن، وما يجري من تفجيرات يكفي لأن يقضي على الكثير من المصالح، وتعطيل حياة الناس بما يؤثر على اقتصادهم".
ويعتبر مراقبون أنّ بثّ الأخبار المشكوك بها هو من أخطر الحروب المعنوية والنفسية على المجتمعات، وقد تستخدم هذه الأخبار بهدف رفع الروح المعنوية مثلاً للجيش وتسمى (الدعاية البيضاء)، أو لإضعافها (الدعاية السوداء). ووفقاً للمراقبين أنفسهم، فإن وجود وسائل التواصل سهّل كثيراً انتشار هذه الشائعات بوقت قياسي، إذ يمكن للخبر أن يصل لمئات آلاف الأشخاص في وقت لا يتعدى الساعة من الزمن، وهو ما يشجّع مطلقي الشائعات في نشر معطياتهم بأقل جهد وتأثير أكبر.
وأصبح تحشيد الرأي العام من بين أهم أسباب إطلاق الأخبار المشكوك بها، وهو ما يؤكده مصوّر صحافي يعمل مع إحدى المليشيات، لافتاً في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن عمله "يتلخص بإظهار جانب القوة والعزيمة والولاء للوطن، وهم يطاردون عصابات داعش ويقضون عليهم". ويضيف أن عمله "أشبه بصناعة أفلام سينمائية. فعناصر المليشيا يجسدون مشاهد يقومون فيها بتحرير مدينة ما، ورفع علمَي العراق والمليشيا، أو تصوير رتل للمليشيات وهو يتوجه إلى منطقة ما تشهد قتالاً مع داعش، أو عناصر المليشيات يعلو وجههم التراب، لنقل صورة تفيد بأنهم منشغلون في قتال داعش"، وفقاً للمصوّر.
كل تلك المشاهد، بحسب المصور "أقوم بتقطيعها ومنتجتها وإضافة بعض التأثيرات الصوتية والعبارات، ويتولى مختصون مهمة نشرها في عدد من صفحات فايسبوك وغيرها من مواقع التواصل، وخلال دقائق تجد أنه جرى تناقلها بين الأشخاص لتؤثر بمن يشاهدها، وهذا هو المطلوب".