لم يجد النظام السوري أمامه إلا شنّ حرب نفسية في خضمّ الصراع على مدينة منبج، كبرى مدن الريف الحلبي، للتعمية على عجزه العسكري في التحرك باتجاه المدينة التي قفزت إلى واجهة الحدث السوري عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نيّته سحب قوات بلاده من سورية، وذلك في ظل تنافس تركي روسي في شمال شرقي حلب، تراجعت وتيرته بانتظار إنضاج تفاهمات تحسم مصير المدينة الاستراتيجية.
وبدأ النظام تصعيد حربه الإعلامية يوم الجمعة الماضي تجاه مدينة منبج بإعلانه السيطرة على المدينة، وتبيّن لاحقاً أن فريقاً من "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) المسيطرة على المدينة، سهّل لضابط من النظام ومجموعة معه الدخول خلسة إلى أحد أطراف منبج وتصوير مقطع فيديو يظهر رفع علم النظام فوق مبنى في منبج. وتناقلت وسائل الإعلام أنباء سيطرة قوات النظام على المدينة، بما فيها وسائل تابعة للمعارضة السورية، قبل تبيان عدم صحته، في سياق الترويج الكاذب من النظام.
وعادة يلجأ النظام إلى الإعلام والحرب النفسية لنفي فكرة عدم قدرته على فعل شيء في سورية أمام مؤيديه. عليه، واصل النظام، يوم الأحد الماضي، حربه النفسية تجاه مدينة منبج، بإعلانه سيطرة قواته على سد "تشرين" في ريف المدينة، بل ذهبت وسائل إعلام موالية له إلى القول إن "قوات قسد تتهيأ للانسحاب من المدينة نفسها وتسليمها لقوات النظام". وذكرت هذه الوسائل أن "مسلّحي قسد ورأس حربتها، وحدات حماية الشعب الكردية، أتمّوا انسحابهم من سد تشرين"، مدّعية أن "قوات النظام انتشرت في كامل جسم السد والمنطقة المحيطة به بعد فرض هيمنته على ناحية العريمة، غرب منبج، وعلى خط تماس نهر الساجور، الفاصل بين "قسد" من جهة والجيش التركي وفصائل المعارضة من جهة أخرى. لكن مصدراً في "الإدارة الذاتية" الكردية نفى أنباء تسليم السد لقوات النظام، مشيراً في تصريحات صحافية إلى أن "جميع السدود على نهر الفرات يديرها في الأصل الخبراء والفنيون والموظفون من النظام والإدارة الذاتية"، مشيراً إلى أن "الإدارة الذاتية وحدها غير قادرة على إدارة تلك السدود، التي تحتاج إلى خبرات وقطع غيار وأجهزة ومستلزمات أخرى لا نستطيع تأمينها وحدنا، ولذلك تمت الاستعانة بالنظام في هذا المجال".
ويقع سدّ تشرين على بعد نحو 33 كيلومتراً جنوبي مدينة منبج، وعلى بعد 115 كيلومتراً شرقي حلب، وتفصله 80 كيلومتراً عن الحدود السورية ــ التركية شمالاً. ويعتبر السد، الذي يقطع نهر الفرات، مصدراً رئيسياً للطاقة الكهربائية في البلاد، خصوصاً في محافظة حلب. وكان قد خرج عن سيطرة قوات النظام في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015.
بدورها، واصلت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام ترويج الأكاذيب حول مدينة منبج، فادّعت يوم الاثنين الماضي أن "ريفي منبج الجنوبي والشرقي مفتوحان أمام تقدم جديد للجيش باتجاه القرى الواقعة فيهما". وتمادت بالقول إن "أهالي مدينة منبج يرحبون بدخول الجيش إلى مناطقهم بعد أن رفعوا علم الجمهورية العربية السورية فوق منازلهم".
في المقابل، ذكرت مصادر محلية لـ "العربي الجديد" أن "أغلب سكان مدينة منبج يرفضون بالمطلق دخول قوات النظام مدينتهم"، مؤكدة "كذب ادعاءات وسائل إعلام النظام. فقوات النظام مجرمة ولها سجلّ أسود بالانتقام من المدنيين في كل المناطق التي دخلتها، سواء عنوة أو باتفاقات مصالحة. لا أحد بمدينة منبج وريفها يرحب بها".
كذلك دخلت وكالة "سبوتنيك" الروسية على الخطّ بنسبها تصريحات للمتحدثة باسم "قسد" جيهان شيخ أحمد، جاء فيها أنه "نعمل مع دمشق على سدّ الطريق أمام تركيا، وبعد ذلك نحل شؤوننا الداخلية مع النظام، لأننا عائلة واحدة مثل أب وأولاده يحلّون مشاكلهم الداخلية من دون تدخل أحد". وهو ما نفته "قسد" عبر تغريدة لمدير مركزها الإعلامي مصطفى بالي، على "تويتر".
وسبق أن حاول النظام السوري خوض معركة إعلامية ونفسية في مدينة عفرين شمال غربي حلب، إبان تحرك الجيش التركي العام الماضي للسيطرة على المنطقة، فأرسل النظام إعلاميين وكاميرات لإظهار رغبة السكان في دخول قواته إلى عفرين لقطع الطريق أمام الجيش التركي وفصائل المعارضة المرتبطة به. ولكن سرعان ما تبيّن أن النظام عاجز تماماً عسكرياً، مع بدء الجيش التركي وفصائل المعارضة عملية "غصن الزيتون" التي انتهت بطرد الوحدات الكردية من كامل منطقة عفرين. وحاول النظام ممارسة نفس "اللعبة" في منبج، وهو ما دفع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، للقول أخيراً إن "نظام بشار الأسد يشن حرباً نفسية على السوريين في منبج".
ومنذ بدء الثورة السورية في عام 2011، والنظام يشنّ حروباً نفسية على السوريين، من خلال قلب الحقائق، واختلاق الأكاذيب عبر وسائل إعلام تتبع لأجهزته الأمنية. وقدّم النظام وحلفاؤه الدعم المادي لوسائل إعلام عربية وأجنبية للترويج له، والعمل على الطعن بالثورة والمعارضة السورية أخلاقياً، وتعميم خطاب اليأس والاستسلام في الشارع المعارض. وجاءت قضية منبج لتؤدي دوراً كبيراً في الكشف عن أبعاد الحرب النفسية التي جنّد لها النظام جيشاً إلكترونياً، ذكرت المعارضة أن "العاملين فيه تلقوا دورات في طهران، تحديداً في العام الأول من الثورة السورية". ولا تقتصر حرب النظام الإعلامية والنفسية في الوقت الراهن على منبج، بل يعمل على منطقة شرقي نهر الفرات. ويعتمد النظام على "طابور خامس" في المناطق الخارجة عن سيطرته، سواء لدى المعارضة أو لدى "قسد"، يروّج لعودة النظام إلى هذه المناطق، بالترهيب والترغيب.