يعيش في جنوبي ليبيا 400 ألف نسمة، ينتمي 97 في المئة منهم إلى القبائل العربيّة، والثلاثة في المئة الباقية من الطوارق والتبو. يمتلك حدوداً طويلة مع دولتي تشاد والنيجر. وفي حين يتركّز مكوّن التبو في مناطق مرزق، والقطرون، وأم الأرانب، وجزء بسيط في مدينة سبها، كبرى مدن الجنوب، يعيش الطوارق في أوباري، وغات، ومكنوسة، والعوينات وتقرطين، وتنتشر القبائل العربية في الشاطئ، في سبها، وسمنو، وزيغن، والبونيس، وأوباري، ومرزق، والقطرون، وغات، وتمسه، وزويلة، وراغن وأم الأرانب.
لا يطلّ جنوب ليبيا على أيّ منفذ بحري يربطه بالعالم الخارجي، لكنّه يحتوي، بحسب دراسات المسح الجيولوجي الحديثة التي أجرتها شركات نفط أوروبيّة، على احتياطي هائل من النفط والغاز، ويوجد فيه حقل الشرارة للغاز والنفط الذي تعمل فيه شركة "إيني" الإيطاليّة.
يُعدّ الجنوب الليبي واعداً في مجال انتاج الطاقة الشمسيّة، نظراً لصفاء سمائه غالبية أشهر السنة. وسبق لمجموعة شركات ألمانية، أن أعدّت دراسات لتنفيذ مشاريع بهذا الشأن، وقدّمتها إلى الحكومة حين كان يرأسها عبد الرحيم الكيب، لكنّ الوضع الأمني حال دون ذلك.
في موازاة ذلك، يحارب جيش دولة النيجر مجموعات تستخرج الذهب واليورانيوم من جبل في منطقة المدامة، بطول 85 كيلومتراً، تمتدّ بين حدود النيجر وتشاد. تعمل هذه المجموعات، المتحدّرة من دول عدّة كالسعوديّة، والإمارات، ولبنان، على استخراج الذهب وبيعه من دون إذن من ليبيا، بموجب عقود استخراج، وتهرّبه خارج ليبيا.
وفي ظلّ الأزمات الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة التي تعيشها دول عدّة، بات جنوب ليبيا المنفذ الأكبر لتوريد الهجرة غير الشرعيّة لأوروبا، إذ تعمل عصابات منظّمة من مختلف مكوّناته الاجتماعيّة (العرب، التبو، والطوارق)، على جلب المهاجرين غير الشرعيين من دول أفريقية، وتوصلهم إلى منافذ بحريّة عدّة في طرابلس، وزوارة وتاجوراء.
كذلك، أصبحت تجارة السلاح رائجة في جنوب ليبيا، إذ تُرسل الأسلحة إلى دول أفريقية عدّة ومجموعات مسلّحة متشدّدة وعرقيّة في مالي، وتشاد والنيجر، إضافة إلى تجارة الرقيق والمخدّرات وتهريب السلع التموينيّة والوقود من ليبيا، إلى هذه الدول، وجلب التبغ والمخدّرات إليها.
طوال سنوات حكمه، عمل العقيد معمر القذافي على استمالة قادة هذه المجموعات وشيوخ القبائل، متّبعاً سياسة "العصا" إذا لزم الأمر، و"الجزرة" في غالب الأحيان، إذ يعيش قرابة مليون تشادي على حدودها الشمالية، لا تستطيع أنجامينا (عاصمة التشاد) الوصول إليهم، بطرق معبّدة، ما دفع نظام القذافي إلى دعمهم، خشية من إثارة قلاقل في جنوبي ليبيا، وإحداث موجات ديمغرافية، قد تؤثّر على الطبيعة السكّانية، ذات الغالبيّة العربيّة.
منذ خمسينيات القرن الماضي، عقد مكونا الطوارق والتبو اتفاقاً، ينصّ على احترام بعضهما بعضاً، كل في مناطق نفوذه وسيطرته، وعدم اعتداء أي مكوّن على الآخر. لكنّ الاتفاق انهار، بعد ثورة السابع عشر من فبراير/شباط 2011، إذ انتقلت مجموعات من التبو إلى منطقة أوباري، وسكنت فيها، وهي مناطق نفوذ خاضعة للطوارق، في مسعى من قبل هذه المجموعات للاقتراب أكثر من حقول النفط والغاز القريبة من أوباري، خصوصاً حقل الشرارة النفطي المشهور.
واندلع النزاع والاشتباك بين المكوّنين أخيراً، عندما حاولت كتيبة من الطوارق (ذات توجّه إسلامي)، منع تهريب الوقود الذي تضطلع به مجموعات من التبو، إضافة إلى محاربتها ما تعتقده ظواهر هدّامة في المنطقة، كتجارة الحشيش وشرب الخمور.
وبحسب تقديرات مصادر طبّية في الجنوب الليبي، فقد سقط ثمانية قتلى من الطرفين، خلال اشتباكات مسلّحة، استُخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وقذائف "الأر بي جي"، إضافة إلى عشرة جرحى، حالة بعضهم خطرة.
وفيما يساهم بُعد مناطق الجنوب الليبي عن مراكز القرار والمنافذ البحرية، وفق مراقبين، في التقليل من تأثيره على مجريات القرار في طرابلس، تشهد المنطقة أزمة ديمغرافية على المديين القريب والبعيد. وبحسب مصادر من المنطقة، منح نظام القذافي العديد من التبو والطوارق من أصول أفريقية، الجنسيّة الليبية، حتى يكونوا سنده في حربه التي خاضها ضدّ ثوار فبراير/شباط. لكنّ هذه المجموعات، واجهت مشكلة في صرف مرتّبات منتسبيها، والانتساب للمدارس والحصول على حقوق المواطنة الأخرى، بسبب عدم قدرتهم على الحصول على الرقم الوطني الذي أضحى عاملاً مهماً للتحقّق من الجنسيّة الليبية، بموجب أوراق ثبوتيّة صحيحة.
وتعمل هذه المجموعات، بين الحين والآخر، على إثارة القلاقل وإغلاق بعض الحقول النفطيّة في الجنوب، الذي أصبح سوقاً يسهل الدخول إليه من الكتائب المسلّحة الخارجة عن سلطة الدولة.
في موازاة ذلك، تحاول فرنسا، ذات التاريخ الاستعماري في الجنوب، استمالة قبائله العربيّة والعرقيّة والدخول إليه، باعتباره منفذاً هاماً من الناحية الاقتصاديّة، ومدخلاً أكثر أهمّية إلى العمق الأفريقي، أرض الثروات الطبيعية. يؤكد غالبية سكان الجنوب أن فزّاعة الجماعات المتشدّدة، التي تستعملها فرنسا كذريعة للسيطرة على جنوبي ليبيا، لا تتمتّع بالوجاهة الكافية أو الأدلّة الدامغة. وعلى الرغم من اعترافهم بوجود بعض المجموعات المتشدّدة، فإنّهم يصرّون على أنّ هذه الجماعات لا تشكّل "وكر أفاعي"، كما حاول وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان، تصوير ذلك في أكثر من مناسبة، والأمر، وفق اعتقادهم، لا يعدو كونه أكثر من حرب على، ومن أجل التهريب.