حزب الله العراقي وتركيا

10 سبتمبر 2015
+ الخط -
بدأت قضية اختطاف مسلحين ملثمين في بغداد لـ 18 عامل بناء تركياً، مطلع شهر سبتمبر/أيلول الجاري، بالتفاعل بعد أن أصطدمت قوة من الجيش العراقي مع مسلحين أمام أحد مقرات حزب الله (العراقي) الشيعي في حي المهندسين في شارع فلسطين شرقي العاصمة العراقية، بعد أن تلقت وزارة الداخلية العراقية معلومات استخباراتية "شبه مؤكدة" تفيد بوجود العمال الأتراك هناك، والغريب أن كتائب حزب الله أسرت 15 جندياً وقتلت آخر وجرحت ثلاثة، كما استولت على مركبات من الجيش.

وتعد كتائب حزب الله (العراقي) من أهم المليشيات المسلحة (الشيعية) المؤتمرة بإمرة إيران في هذا البلد، كما تمتد علاقاتها لتشمل حزب الله اللبناني وقوى المعارضة (الشيعية) البحرينية التي يتدرب عناصر كثيرون فيها على أيدي مدربين من هذه الكتائب، إضافة إلى محاولة تهريب الأسلحة والمتفجرات إلى دول الخليج العربي، عبر الأراضي الكويتية، كما تعمل كتائب حزب الله (العراقي) بشكل لصيق جداً مع فيلق القدس الإيراني، وبتنسيق عالٍ مع قائده الجنرال قاسم سليماني، ناهيك عن علاقاتها التنظيمية الدقيقة مع بعض تشكيلات المليشيات (الشيعية) المسلحة الموجودة في العراق، والتي يزيد عددها على الخمسين مليشيا.

ولأن حزب الله (العراقي) يُراد له أن يكون تنظيماً ذا قوة ونفوذ ليس في العراق فحسب، بل في الإقليم المتاخم للعراق، وتحديداً في منطقة الخليج العربي بكل دوله، إضافة إلى كردستان العراق وتركيا والأردن، فإن إيران هيأت وتهيئ قيادات هذا التنظيم للعمل السياسي والأمني في العراق، وفي كل هذه الدول التي تم ذكرها، ولعل المسؤولين عن ملفات الأمن في الدول المذكورة يعلمون حجم النشاط الذي يسري في بلدانهم من هذا التنظيم، لكنهم أيضا ما زالوا يعتبرونه دون مرحلة التعرض، وبالتالي، دون مستوى المواجهة. وفي هذا الاعتبار، تجني على مستقبل بلادهم، حيث إن سريان الأعداد المنتخبة بعناية للعمل في كل دولة يمثل، في حقيقة الأمر، بناء من تحت الأرض، لا يظهر منه إلا ما تريد إيران إظهاره، وعندما يبلغ المشروع مبتغاه، سيفاجأ الجميع بحجم ما تم إعداده، وبطبيعة القائمين عليه، وقدرتهم على حمايته.

لنتائج المواجهة بين قوة كبيرة من الجيش العراقي مع مقاتلي حزب الله (العراقي) وعدم قدرة الجيش على حسم الأمر، لا بل تكبيده خسائر وأسرى من الجنود، دلالات واضحة عن الصورة الواقعية لموازين القوى في العراق، فالجيش العراقي والقوى الأمنية لم تستطع حسم موضوع تدخلت فيه رئاسة الحكومة التركية بقوة (خطف العمال الأتراك الـ18)، على الرغم من معرفتهم بمكان الحجز، وعلى الرغم (وهو الأهم) من أن هذا المكان هو في قلب العاصمة بغداد. ومن هنا، يمكن أن نستنتج الوضع الهزيل للحكومة العراقية تجاه القوى الإيرانية الضاربة في العراق، وسبب فشلها (إن توافرت نيات حقيقية حتى) في بسط الأمن للمدن المختلفة وللعاصمة بغداد، وكذلك في مواجهة تنظيم الدولة (داعش) وسواه من قوى مسلحة هنا أو هناك.
حزب الله (العراقي)، إذن، قوة قائمة بذاتها، لديها أسلحتها وآلياتها، ولا تشترك حتى ضمن تشكيلات (الحشد الشعبي)؛ حيث تعتبر نفسها القوة العسكرية الأبرز والأجدر لتمثيل الجانب العسكري في العراق، على الأقل، جنبا إلى جنب، مع الجيش العراقي، وقد استطاعت ملاكات الحزب تطوير أسلحة وصواريخ ومعدات عسكرية أخرى، كما يهتم الحزب بتهيئة كوادره من عمر الطفولة، فلديه لهذا الغرض جمعيات تدريب وتثقيف داخل العراق وفي لبنان "كشافة الإمام المهدي" و"مدينة الخميني الكشفية"، كما يتم إرسال آخرين إلى معسكرات للناشئين في إيران، ناهيك عن المؤسسات الثقافية والنسوية والأقتصادية والإعلامية الكبيرة (جدا) بكل الوسائل (إذاعات، محطات فضائية، صحف، مواقع إلكترونية... إلخ). ولهذا، يثار لغط كثير داخل أروقة القوى المليشيوية والسياسية (الشيعية) العراقية، حول إمكانية كتائب حزب الله العراقي الإجهاز على الحكومة العراقية، وإنهاء ملف العملية السياسية بشكلها الحالي، ومن ثم التأسيس بشكل علني لولاية الفقيه في العراق، والتي يؤمنون إيماناً مطلقاً بأنها ملتزمة تماماً بولاية الفقيه في إيران.
يحتاج الحديث عن كتائب حزب الله (العراقي)، في حقيقة الأمر، إلى ملف كامل، لكن سطور هذا المقال تريد إبراز سلوك هذا الحزب وتنظيمه، وأنه يتصرف بمعزل عن أي سلطة، يمكن للقارئ تصورها في العراق، فهو أيّد حركة أنصار الإسلام الحوثية في اليمن، وندد بعاصفة الحزم، وهو من أول القوى العسكرية التي ذهبت إلى سورية، للدفاع عن حكم الرئيس السوري، بشار الأسد، تحت لافتة الدفاع عن ضريح السيدة زينب في دمشق، وهو الآن من انبرى ليخطف 18عاملا تركياً ليضغط على الحكومة التركية التي يرى الحزب أنها تعمل نداً مزعجاً لتمدد الثورة الإسلامية التي انطلقت من طهران. لذلك، ستفتح هذه القضية بوابات الاحتمالات الكثيرة لطبيعة التعامل التركي مع الملف العراقي من جهة، ومع ردها المتوقع لتحرير رعاياها، بعد أن فشلت القوات الأمنية والعسكرية العراقية في هذه المهمة. ومع كثرة الاحتمالات الخاصة بالرد التركي، تبرز أيضا قضية موقف إيران وطريقة تعاملها مع حزب الله (العراقي)، عقب مواجهاته مع الحكومة العراقية من جهة، وقبل وبعد الرد التركي المتوقع بشأن هذا التطور المخيف في الوضع العراقي.


F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن