لي وجه وحيدٌ لبسته، منذ أن سكبوا على جسدي الماء أول مرة، أو لنقل، عندما مسحوا دماء الرحم التي تعلو جسدي، وجه الحطاب الذي كنته قبل زغردة أو اثنتين لحظة الولادة.
كل شيء بدأ حين أصبحت أحالف أسماء الأشجار، رمان يتربع في الزاوية عند حيط الجيرة التي لا تعد سوى أهل، يفصلنا عنهم الحجر المتراصف، وبعض الاعتبارات لبعد الكنية واللقب. الليمونة التي تمتد من قلب الحوش إلى قلوبنا، من رسغ الحوش إلى جباهنا، حين تشتد الحمَّى فتعصر لنا حُباً. أمي كانت كشجرة الليمون، تُعطي أكثر، تعطي ولا تأخذ. التفاحة التي تحمل أسرارنا الصغيرة في موسم الحر، التي ترمي الأرض بهمنا في كل مواسم القهر. رتب أبي شجر الحوش كما ينبغي له أن ينمو مع سبع أطفال، بحنان يهمس لها وهو يسقيها. تدنو منه الأغصان لتشد على يديه، التي بدأت تزداد رجفة حين مالت شجرة الزيتون على الطريق. فقصصناها لكيلا يؤذيها اقترابها من الشارع الذي لا ينام، الزيتون لا ينام، ولا يشيخ، قد يرتجف أحياناً كأبي، أبي لا يميل، أبي شجرة زيتون أصابتها الشيخوخة فجأة، فقصصناها لكيلا يزعجها الاقتراب من الحزن الذي لا ينتهي، الحزن الذي لا يشيخ.
ورثت عن أبي حبّ البذار والتربة، كما ورثت عنه باب قن الدجاج الذي ذهب في أول موجات الموت، كنا نملك مفاتيح سعادة كائنات لا نفهم كل شيء عنها، سوى الخوف الذي تشاركنا إياه من العقارب، وبنات آوى، نفهم كلّ شيء منها حين يصبح ثمن البيض طريقاً للعلم، وثمن اللحم طريقاً للعيش، كان أبي يرتب القنَّ كأنه بيت رديف لنا، حين يعلو كل شيء، يعلو صياح الديكة لكيلا نحزن.
أصبحت حطاباً لا يهتف في وجه الأشجار، حطاباً لا يملك موقد خشب، دخلت الغابة لأول مرةٍ كما خرجنا منها أول مرة، عارياً أبحث عن الكهف وأنثى الغابة، أبحث عن جودة ورق التوت الذي لم يسقط بعد، أبحث عن فطرتي الأولى لكي أقتلها، لأقي نفسي من تعذيب الضمير كلما اصطدت غزالاً للعشاء، أو ضفدعاً لسد الرمق.
دخلت الغابة وأنا أحمل فأساً لا تعمل، وحبلاً لا يربط الأشياء، إخوتي حطابون في غابات أخرى، كلنا حطابون في غاباتٍ تشبهنا، ولكنّنا لا نملك الأدوات لقصّ شجرة لصنع الدفء. لا نملك الوقت لإضرام النار، ندخل ونخرج عراة، ثم ما نلبث أن ننسى أن في الغابة أشجاراً تقتل الحزن، وأخرى لا تقتل شيئاً، ولا تصنع شيئاً، إلا أنَّها أشجار الأمنيات التي نعلقها في السماء، لتسقط يوماً وتخلصنا من المفترسات حولنا، لتخلصنا من كل ورق التوت الذي لم يسقط بعد.
لا تبعد غابتي كثيراً عن مكاني هذا، هي فقط لم تعد موجودة، آخر مرةٍ دخلتها، كان القلب يميل نحو الطريق كشجرة الزيتون. قصصته لكيلا يشيخ وحيداً مكابراً، وكانت العيون تعلو محلّقةً كالسرو، تحكي للسماء أي الأمنيات أملك، حلّقت أعلى من كل شيء، فتاهت حين رأيتُ أحواض الحوش قد اختفت، تحولت لمكان لا يشبه غابات أخوتي، غابتي أنا، كنوز لعبنا اختفت كشجرة التفاح. الرمان نسي جيرته الأولى، وصار الحوش وقن الدجاج مكاناً يشبه بيتاً جديداً لحزننا، قبراً يتسع لشجرة السفرجل التي كانت قلب أبي، أبي كان وجه الحطاب الذي خسرت حين سكبوا الماء فوق جسدي في أقبية التعذيب عارياً بلا ورقة توت، وحيداً كنصبة جوري قرب قبر أبي الذي صار أكبر من فأسي وفأس أخوتي.
اقرأ أيضاً: الحزن وجدرانه
كل شيء بدأ حين أصبحت أحالف أسماء الأشجار، رمان يتربع في الزاوية عند حيط الجيرة التي لا تعد سوى أهل، يفصلنا عنهم الحجر المتراصف، وبعض الاعتبارات لبعد الكنية واللقب. الليمونة التي تمتد من قلب الحوش إلى قلوبنا، من رسغ الحوش إلى جباهنا، حين تشتد الحمَّى فتعصر لنا حُباً. أمي كانت كشجرة الليمون، تُعطي أكثر، تعطي ولا تأخذ. التفاحة التي تحمل أسرارنا الصغيرة في موسم الحر، التي ترمي الأرض بهمنا في كل مواسم القهر. رتب أبي شجر الحوش كما ينبغي له أن ينمو مع سبع أطفال، بحنان يهمس لها وهو يسقيها. تدنو منه الأغصان لتشد على يديه، التي بدأت تزداد رجفة حين مالت شجرة الزيتون على الطريق. فقصصناها لكيلا يؤذيها اقترابها من الشارع الذي لا ينام، الزيتون لا ينام، ولا يشيخ، قد يرتجف أحياناً كأبي، أبي لا يميل، أبي شجرة زيتون أصابتها الشيخوخة فجأة، فقصصناها لكيلا يزعجها الاقتراب من الحزن الذي لا ينتهي، الحزن الذي لا يشيخ.
ورثت عن أبي حبّ البذار والتربة، كما ورثت عنه باب قن الدجاج الذي ذهب في أول موجات الموت، كنا نملك مفاتيح سعادة كائنات لا نفهم كل شيء عنها، سوى الخوف الذي تشاركنا إياه من العقارب، وبنات آوى، نفهم كلّ شيء منها حين يصبح ثمن البيض طريقاً للعلم، وثمن اللحم طريقاً للعيش، كان أبي يرتب القنَّ كأنه بيت رديف لنا، حين يعلو كل شيء، يعلو صياح الديكة لكيلا نحزن.
أصبحت حطاباً لا يهتف في وجه الأشجار، حطاباً لا يملك موقد خشب، دخلت الغابة لأول مرةٍ كما خرجنا منها أول مرة، عارياً أبحث عن الكهف وأنثى الغابة، أبحث عن جودة ورق التوت الذي لم يسقط بعد، أبحث عن فطرتي الأولى لكي أقتلها، لأقي نفسي من تعذيب الضمير كلما اصطدت غزالاً للعشاء، أو ضفدعاً لسد الرمق.
دخلت الغابة وأنا أحمل فأساً لا تعمل، وحبلاً لا يربط الأشياء، إخوتي حطابون في غابات أخرى، كلنا حطابون في غاباتٍ تشبهنا، ولكنّنا لا نملك الأدوات لقصّ شجرة لصنع الدفء. لا نملك الوقت لإضرام النار، ندخل ونخرج عراة، ثم ما نلبث أن ننسى أن في الغابة أشجاراً تقتل الحزن، وأخرى لا تقتل شيئاً، ولا تصنع شيئاً، إلا أنَّها أشجار الأمنيات التي نعلقها في السماء، لتسقط يوماً وتخلصنا من المفترسات حولنا، لتخلصنا من كل ورق التوت الذي لم يسقط بعد.
لا تبعد غابتي كثيراً عن مكاني هذا، هي فقط لم تعد موجودة، آخر مرةٍ دخلتها، كان القلب يميل نحو الطريق كشجرة الزيتون. قصصته لكيلا يشيخ وحيداً مكابراً، وكانت العيون تعلو محلّقةً كالسرو، تحكي للسماء أي الأمنيات أملك، حلّقت أعلى من كل شيء، فتاهت حين رأيتُ أحواض الحوش قد اختفت، تحولت لمكان لا يشبه غابات أخوتي، غابتي أنا، كنوز لعبنا اختفت كشجرة التفاح. الرمان نسي جيرته الأولى، وصار الحوش وقن الدجاج مكاناً يشبه بيتاً جديداً لحزننا، قبراً يتسع لشجرة السفرجل التي كانت قلب أبي، أبي كان وجه الحطاب الذي خسرت حين سكبوا الماء فوق جسدي في أقبية التعذيب عارياً بلا ورقة توت، وحيداً كنصبة جوري قرب قبر أبي الذي صار أكبر من فأسي وفأس أخوتي.
اقرأ أيضاً: الحزن وجدرانه