ووفقاً لمعطيات كانت قد نشرتها "مؤسسة الأقصى للوقف والتراث" في العام 2011، فإنّ أعمال الحفريات هذه بدأت فعلياً في شبكة من الأنفاق تنطلق من منطقة العين في سلوان، وتتجه شمالاً حتى أقصى الزاوية الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى في أسفل نقطة وعلى عرض 11 متراً، لتصل إلى المنطقة الصخرية. وهو ما يشكّل خطراً جدياً على أساسات المسجد، إذ يتم تداول معلومات عن تفريعات ترابية انتهت إلى المنطقة الصخرية في موقع القصور الأموية، ثمّ إلى الزاوية الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى المبارك.
وقال خبراء آثار إسرائيليون يتابعون ما يجري من حفريات في المنطقة، ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية تصريحات لهم حينها، إنّ "هذه الحفريات والموجودات الأثرية هي عمل تاريخي غير مسبوق"، حيث تمّ الكشف عن مسار أساسات الجدار الغربي للمسجد الأقصى، وفي أقصى عمق منه، وهو ما أظهرته مقاطع الفيديو، مشيرة إلى ثلاث طبقات من الحفريات لا يزال العمل جارياً فيها.
ويضاف هذا النفق إلى مجموعة كبيرة من الأنفاق التي حفرت منذ عام 1967 إلى اليوم، أشهرها "النفق اليبوسي" (نفق حائط البراق)، الذي افتتحته سلطات الاحتلال في العام 1996 وتسبب باندلاع ما عرف في حينه بانتفاضة النفق، ارتقى خلالها 88 شهيداً فلسطينياً.
ويمتدّ هذا النفق على طول الجدار الغربي للمسجد الأقصى بطول 488 متراً، ويطلق عليه الاحتلال نفق "هحشمونئيم"، الذي بات واحداً من الأنفاق السياحية التي تستثمرها جمعيات استيطانية وينتقل خلالها السياح منه إلى البلدة القديمة قرب باب الغوانمة، أحد أبواب المسجد الأقصى وأسفل المدرسة العمرية الشهيرة.
وفي السياق، قال الباحث المتخصص في شؤون الاستيطان، خليل تفكجي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "هذا النفق الذي استكملت أعمال شقه يعدّ واحداً من رزمة مشاريع استيطانية استراتيجية ترتبط ببعضها البعض، وتشمل إضافة إليه، شبكة متطورة ومعقّدة جداً من الأنفاق والشوارع والجسور، تبدأ من محيط البلدة القديمة وتنتشر على مساحة واسعة حول القدس، بما يحقّق ربطاً تاماً بين البلدة القديمة، النواة الرئيسية للقدس، وما يجاورها من مدن، خصوصاً تل أبيب".
وأضاف تفكجي "هم يحاولون من خلال تلك الحفريات في باطن الأرض وما ينفذونه فوق سطح الأرض، ربط القضايا التاريخية بمزاعم دينية عن هيكل لم تكشف جميع الحفريات التي قاموا بها على مدى عقود عن وجوده أو ما يدل على وجوده، علماً أنّ جميع الحفريات كشفت فقط عن آثار إسلامية ورومانية وبيزنطية".
يذكر أنّ جمعية "ألعاد" الاستيطانية المتطرّفة باتت تشرف اليوم على كامل المنطقة الممتدة جنوب المسجد الأقصى بما فيها بلدة سلوان، حيث تتخذ من حي واد حلوة في البلدة مركزاً لتنفيذ مخططات تهويد ضخمة أشهرها مشروع "كيدم" الاستيطاني، حيث سيقام هناك بناء ضخم من ستة طبقات يتصل بمسارات إلى البلدة القديمة، خصوصاً ساحة البراق والمسجد الأقصى وإلى ما يسمى بـ"الحي اليهودي" داخل أسوار البلدة القديمة.
وتدير "ألعاد" شبكة من المرشدين السياحيين اليهود الذين يروّجون للرواية التوراتية بخصوص هيكلهم المزعوم، فيما تتولّى أكشاك خاصة تابعة لهذه الجمعية و"جمعية الهيكل" توزيع وبيع ملصقات متوسطة الحجم تظهر الهيكل المزعوم وقد أقيم على أنقاض المسجد الأقصى.
كما يتولى أعضاء من هذه الجمعية الاستيطانية إدارة عين سلوان التاريخية والأثرية المملوكة للأوقاف الإسلامية، بعد سيطرة الجمعية عليها مقابل رسوم دخول تدفع لصالح الجمعية المذكورة. كما يقيمون في الأعياد اليهودية طقوساً خاصة ببناء الهيكل، من بينها طقوس غسل حجر ضخم يقولون إنه واحد من حجارة الهيكل.
وفي الآونة الأخيرة أصدرت منظمة "الهيكل" المتطرّفة، عملة نقدية تذكارية من الفضة، لمرة واحدة فقط، بقيمة نصف شيقل، تظهر على الوجه الأول منها صورة للهيكل، وعلى الوجه الثاني صورة الملك الفارسي قورش الذي سمح لليهود بإعادة بناء الهيكل، مع صورة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، مكتوب عليها: "وعد قورش... ووعد بلفور... ووعد ترامب".
وفيما يكافح المقدسيون في سلوان والبلدة القديمة من القدس لمنع تسريب المزيد من عقاراتهم لهذه الجمعيات الاستيطانية، والكشف عن المسارات الغامضة للأنفاق التي تمزّق باطن الأرض هناك، تقف الدوائر الإسرائيلية جميعها لتعطي الغطاء والدعم لهذه الجمعيات الاستيطانية بالتوازي مع إجراءات مضادة تستهدف الحراكات المحلية التي تسعى لتثبيت الوجود الفلسطيني في هذه المنطقة.
وفي هذا الإطار، ردّت لجنة الاستئنافات في مجلس التخطيط الإسرائيلي في القدس، يوم الخميس الفائت، مشروع "سلوان البديل" الذي تقدّمت به جمعية "ألعاد"، كما رفضت طلباً بكشف مستوى الحفريات والأنفاق أسفل بلدة سلوان وواد حلوة وعين سلوان، بادعاء أنّ هذا الأمر ليس من صلاحياتها.
وكانت هذه الحفريات قد تسببت قبل سنوات عدة بانهيارات في مدرسة تابعة لـ"وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (أونروا) على مدخل حي واد حلوة، إضافة إلى تصدّعات في العديد من المنازل في البلدة، وهي حفريات تتصل بالنفق الضخم الذي تكشفت المزيد من تفاصيله أخيراً.