حقوق نساء مصر حبر على ورق!

08 ابريل 2014
+ الخط -


رحلة ظلم المرأة في مصر، وضياع حقوقها طويلة، لا تبدأ فقط من قصة الصحافية "نوال علي"، التي تحرش بها شرطيون وبلطجية تابعون للحزب الوطني المنحل في مصر، أثناء مظاهرة أمام نقابة الصحافيين في القاهرة، أيام المخلوع مبارك، فخرجت مظاهرات تندد، وأعلنت نقابة الصحافيين الحداد والغضب.
 ثم جاءت قضية "ست البنات" التي انتهك العسكر حرمتها، وسحلوها، ومزقوا ملابسها في ميدان التحرير أيام حكم المجلس العسكري في مصر، أواخر 2011، فتفاوتت ردود الفعل آنذاك، بين مظاهرات ترفع شعار "بناتنا خط أحمر"، وبين تساؤلات أضحت علامة عار في تاريخ الكثيرين، حين قالوا "إيه اللي ودّاها هناك؟"
وبين المشهد السياسي والاجتماعي تبرز قضية التحرش التي تقض مضجع المجتمع المصري حيث يرصد تقرير "أذرع الظلم" الصادر في يناير/ كانون الثاني الماضي والذي أعدته 14 منظمة حقوقية،  186 حالة اعتداء جنسي واغتصاب، خلال الفترة من 28 يونيو/ حزيران إلى 7 يوليو/ تموز في محيط ميدان التحرير، وهو مستوى غير مسبوق، ليس في العدد فقط، ولكن في وحشية الاعتداءات، كما رصد التقرير 250 حالة من نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 وحتى ديسمبر/ كانون الأول 2013، وأظهرت دراسة مماثلة أن 83 % من النساء المصريات يتعرضن للتحرش يوميا.

حبر على ورق

وبعد مرور أشهر على إقرار الدستور المعدل في مصر، والذي يرى البعض أنه حقق مكاسب كبيرة، بما تضمنه من مواد تحفظ حقوق المرأة، إلا أن ناشطات ينتابهن القلق إن كانت هذه المواد سوف تطبق حقا، أم أنها ستبقى مجرد حبر على ورق.

ذلك أن السلوك المجتمعي والمناخ السياسي، لا يبشران بإنجاز يتعلق بمنح المرأة حقوقها، كما أن العنف ضد النساء بلغ أقصاه في الفترة الأخيرة، بعد ثورة يناير 2011 وزادت حدته منذ انقلاب المؤسسة العسكرية في مصر على الرئيس محمد مرسي، في الثالث من يوليو/تموز من العام الماضي.

وتقول ناشطات في الشأن النسوي في مصر، إن المناخ السياسي القمعي خنق أي فرصة ممكنة لإجراء إصلاحات ديمقراطية من شأنها منح المرأة حقوقها، كما أن واقعة التحرش بطالبة داخل حرم جامعة القاهرة، الشهر الماضي، وتعامل مسؤولين رسميين وإعلاميين مع الأمر، وتبريرهم الحادثة بأن ملابس الفتاة لم تكن ملائمة، ووصف زيها من قبل بعض الإعلاميين بأنه كان "أشبه بزي الراقصات"، يدفع إلى الاعتقاد بأن السلوك المجتمعي تجاه المرأة بحاجة إلى تحرك لتغييره.

انتهاك للمتظاهرات

الانتهاكات بحق المرأة في مصر، لم تتوقف خلال التظاهرات التي خرجت في السنوات الثلاث الأخيرة، فقد تعرضت نسوة إلى العديد من الاعتداءات الجنسية الجماعية.

فبعدما أرغمت قوات عسكرية متظاهرات على الخضوع لاختبار العذرية، وسحل متظاهرة في ميدان التحرير أيام حكم المجلس العسكري، جاءت الحملة الأمنية التي استهدفت أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي بعد الثالث من يوليو/ تموز 2014، لتشهد أعمال عنف غير مسبوقة تعرضت لها النساء في مصر.

فبين مئات المقتولين خلال الاشتباكات، منذ فض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس/ آب، كان هناك نحو خمسين سيدة.

ويوجد نحو 240 سيدة، من بين ستة عشر ألف شخص اعتقلوا في الحملة على أنصار مرسي، وفقا لمسؤولين أمنيين، تحدثوا إلى وكالة الأسوشيتد برس، شريطة التكتم على هوياتهم، لأنهم غير مخولين بالحديث إلى الصحافة.

وفي نهاية الأسبوع الماضي، أطلق النار على الصحافية ميادة أشرف (22 عاما) وأرديت قتيلة، فيما كان تغطي الاشتباكات بين رجال الشرطة وأنصار مرسي، في حي عين شمس القاهري، واعتقلت الشرطة عشرين محتجا بتهمة إطلاق النارعليها، إلا أن شهود العيان شككوا في رواية الشرطة.

العنف.. لتخويف المرأة

العنف "سلاح تخويف رهيب" موجه لمنع المرأة من المشاركة في الحياة العامة، حسبما قالت داليا عبد الحميد، مسؤولة "برنامج النوع الاجتماعي وحقوق النساء" في "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، وهي منظمة حقوقية مستقلة.

وعلى نطاق أوسع، خلقت الحملة (الأمنية) مناخا لا تسامح فيه مع المعارضة، وذلك في ضوء سجن الكثير من النشطاء العلمانيين الداعين إلى الديمقراطية ورموز المعارضة الصريحة للحكومة المؤقتة المدعومة من الجيش، أو محاكمة بعضهم بتهمة مخالفة القانون الذي يمنع التظاهر من دون تصريح، حسب قولها. وتساءلت قائلة "إذا لم يكن هناك مناخ ديمقراطي، فما هو نفع هذه القوانين "الجميلة"؟

ويقول الدكتور محمد المهدي، الطبيب النفسي، إنه في الأحداث، عموما، استخدمت المرأة سلاحا سياسيا للتأثير في سير الأحداث، وللضغط المتبادل بين الأطراف، ولما كان وجود المرأة في الأحداث الجارية مؤثرا وفاعلا، كان هذا السلاح أيضا ظاهرا ومؤثرا، ولم يلتفت الجميع إلى أن هذا السلاح يصيب أغلى ما يعتز به أي مجتمع إنساني، ممثلا في المرأة، كأم وأخت وزوجة وشرف وكرامة ومسؤولية.

ومن المؤسف على حد قوله، أن تتورط في عمليات التحرش والانتهاك تنظيمات سياسية، وربما هيئات رسمية.

الاختبار

ويرسخ الدستور المعدل صراحة المساواة بين الجنسين، وحق المرأة في التعليم والعمل وتولي المناصب السياسية العليا، كما يجرم العنف ضد المرأة والتمييز على أي أساس، بما في ذلك "النوع"، ويسمح للمرأة بمنح الجنسية لأطفالها، ويحمل الحكومة مسؤولية تنفيذ التعهدات الدولية الواردة في الاتفاقات التي صدقت عليها مصر، بما في ذلك "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة".

تقول سلمى النقاش، التي تمثل مؤسسة "نظرة للدراسات النسوية" عن الدستور أنه "ليس أكثر تقدما من دستور 2012 فحسب، وإنما أكثر تقدما من دستور 1971، وذلك من منظور نوع الجنس، لكن مواده تخضع بالفعل للاختبار".

ومنذ العام 2007، يسمح للنساء بتولي مناصب قضائية، كما يضمن الدستور الجديد حقوقهن في تولي مناصب عليا في القضاء، ومع ذلك صدر قرار قضائي عام 2010 يرفض تعيين قاضيات في مجلس الدولة، ذلك الكيان القضائي القوي الذي ينظر في النزاعات بين الأفراد والدولة ويقوم بمراجعة التشريعات.

وبعد منع نساء عدة من الانضمام إلى عضوية المجلس، قالت ميرفت التلاوي، رئيسة "المجلس القومي للمرأة"، إنها كتبت في يناير/ كانون الثاني إلى مجلس الدولة مطالبة إياه بتعيين قاضيات في ضوء ما أقره الدستور، ورد المجلس بالقول، إنها في خطابها "تخطت.. كل أصول اللياقة والأدب والأعراف"، وطالب باتخاذ الإجراءات القانونية ضد المجلس القومي للمرأة.

وتحدثت التلاوي في أحد المؤتمرات الشهر الماضي قائلة: إن عقلية متخذي القرار في الحكومة الحالية والحكومات المستقبلية أيضا، هي العقبة الرئيسية أمام تنفيذ ما وعد به الدستور، وأشارت إلى التمثيل المنخفض للنساء في الحكومة، حيث احتلت المرأة اثنين في المئة فقط من مقاعد مجلس الشعب السابق، وهي النسبة الأقل في العالم العربي، كما أن البرلمانات السابقة، عادة ما شهدت نسبا متدنية من النائبات.

وقالت "كلنا غاضبون من الحكومة، ومن النواب، ومن الأحزاب، ومن جميع المسؤولين، ونرغب في وجود 150 امرأة في البرلمان، سئمنا الحكومة والمسؤولين، وسنخرج للشوارع".