عام 1999، قبل عام واحد فقط من تحوّل الأب القائد إلى القائد الخالد، كنتُ طالباً غراً في الصفّ الأول الثانوي، وكان ثمّة مدرّس أسطوري لمادّة التربية القوميّة الاشتراكية، كان طوله 198 سم وعرضه 98 سم ومساحة كفّ يده نحو 70 سم مربعاً. كان الأستاذ يستخدم في سبيل الصفع التأديبي الأبوي السبابة والوسطى فقط.
كان أستاذنا يدرك أنّه في حال ألحق بالسبابة والوسطى الإبهام والخنصر والبنصر، ستكون هناك نتائج وخيمة للموضوع، تبدأ من التسبّب بالعاهات الدائمة وقد تنتهي بالوفاة، مع ما ينتج عن ذلك من تحقيق من قبل مدير المدرسة، ومن ثم إحالة الأمر إلى مديرية التربية التي لن تجرؤ على مخاطبة وزارة التربية قبل مخاطبة فرع المدينة لحزب البعث العربي الاشتراكي، والأخير لن يحوّل الموضوع إلى القيادة القطرية للحزب من دون إرسال كتاب رسمي بالحادثة إلى فرع الأمن العسكري، وفرع أمن الدولة، وفرع المخابرات الجوية، وفرع فلسطين، وغيرها من مؤسسات الدولة السورية التي يجب الحفاظ عليها والتفرقة بينها وبين النظام.
كانت الذنوب التي كنا نقترفها كطلاب، وتستوجب الصفعات التأديبية من أستاذنا المحبوب، كثيرة وغير قابلة للحصر، ولكن أبرزها على الإطلاق هي الحلاقة وفق موضة ما، وكان هذا الجرم الأخير أكثر ما يغيظ أستاذنا وغيرته على ماضي أمتنا العربية المجيد وحاضرها التليد.
وقد بدأت مع اقتراب نهاية الألفية الماضية ظاهرة العودة إلى موضة درجت في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم، وهي حلاقة سالفي الشعر على شكل جزمة، وكنّا، نحن الطلاب المراهقين، نعتقد جازمين أنّ سالفين على شكل جزمتين سيكونان كفيلين بجذب نظرات الفتيات، فابتسامات فسلامات فكلام فمواعيد فلقاءات فوصال "على قفا من يشيل"... حتى أنّ بعضنا اعتقد أنّه من الممكن بحلاقة شعره مع السالفين وفق تلك الموضة أن يسرق رنا قباني من محمود درويش.
ولكن، لكلّ شيء ثمنه في هذه الحياة، فالقرار الصعب الذي كنّا نتّخذه برعاية سالفين على شكل جزمتين كان لا بدّ من دفع ثمنه صفعتين من سبابة ووسطى أستاذ التربية القومية المضمومتين كعصفوري حبّ، وكان أستاذنا ذو الملامح الطفولية يرفق هاتين الصفعتين بعبارة اتهامية لطالما كانت أشدّ وقعاً على نفوسنا المرهفة من صفعتيه: "إنت خاين للقومية العربية"، وللحقيقة كنّا دائما نتساءل كيف يجرؤ هذا الأستاذ على تخويننا، وأي تخوين.. للقومية العربية مرّة واحدة، كيف يجرؤ ونحن أعضاء في اتحاد شبيبة الثورة لحزب البعث العربي الاشتراكي، كيف يجرؤ وقد عشنا ست سنوات من عمرنا كطلائع في حزب البعث العربي الاشتراكي، كيف تسوّل له نفسه توجيه هكذا اتهام وأحلام نومنا تختلط مع أحلام يقظتنا، وكلا نوعي الأحلام تختلط مع واقعنا في سبيل بناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد.
كان لا بد من فعل شيء ما لوقف هذه المهزلة الوطنية. طبعاً لم يكن بالإمكان أن نتراجع عن سالفي الجزمة، فهما خطوتنا الأولى نحو الجنس الآخر. إذاً، كان علينا إثبات وقف سيل الاتهامات الصادر عن أستاذ القومية، ولم يكن أمامنا إلا اللجوء إلى الأب القائد القادر على كلّ شيء. نبش أحد الزملاء صورة نادرة للأب القائد من سبعينيات القرن، في زمن لم يكن هناك ثمّة محرّك بحث اسمه غوغل، وكان لدى الأب القائد حينها سالفان على شكل جزمتين. وبعد أخذ وردّ، تبرّعتُ بمواجهة أستاذ التربية القومية بهذه الصورة كحجة دامغة، تثبت زيف ادعاءاته التاريخية.
تأمّل الأستاذ الصورة قليلاً، ومنذ ذاك اليوم لم يتعرّض أيّ من الزملاء لاتهام مجحف بخيانة القومية العربية. وبعد مرور أيّام تشجّع طالب لحلاقة شعره وفق موضة "فرساتشي"، بل إنّ أحدهم بلغت به الوقاحة حدّ تسريح شعره من المنتصف.
كان أستاذنا يدرك أنّه في حال ألحق بالسبابة والوسطى الإبهام والخنصر والبنصر، ستكون هناك نتائج وخيمة للموضوع، تبدأ من التسبّب بالعاهات الدائمة وقد تنتهي بالوفاة، مع ما ينتج عن ذلك من تحقيق من قبل مدير المدرسة، ومن ثم إحالة الأمر إلى مديرية التربية التي لن تجرؤ على مخاطبة وزارة التربية قبل مخاطبة فرع المدينة لحزب البعث العربي الاشتراكي، والأخير لن يحوّل الموضوع إلى القيادة القطرية للحزب من دون إرسال كتاب رسمي بالحادثة إلى فرع الأمن العسكري، وفرع أمن الدولة، وفرع المخابرات الجوية، وفرع فلسطين، وغيرها من مؤسسات الدولة السورية التي يجب الحفاظ عليها والتفرقة بينها وبين النظام.
كانت الذنوب التي كنا نقترفها كطلاب، وتستوجب الصفعات التأديبية من أستاذنا المحبوب، كثيرة وغير قابلة للحصر، ولكن أبرزها على الإطلاق هي الحلاقة وفق موضة ما، وكان هذا الجرم الأخير أكثر ما يغيظ أستاذنا وغيرته على ماضي أمتنا العربية المجيد وحاضرها التليد.
وقد بدأت مع اقتراب نهاية الألفية الماضية ظاهرة العودة إلى موضة درجت في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم، وهي حلاقة سالفي الشعر على شكل جزمة، وكنّا، نحن الطلاب المراهقين، نعتقد جازمين أنّ سالفين على شكل جزمتين سيكونان كفيلين بجذب نظرات الفتيات، فابتسامات فسلامات فكلام فمواعيد فلقاءات فوصال "على قفا من يشيل"... حتى أنّ بعضنا اعتقد أنّه من الممكن بحلاقة شعره مع السالفين وفق تلك الموضة أن يسرق رنا قباني من محمود درويش.
ولكن، لكلّ شيء ثمنه في هذه الحياة، فالقرار الصعب الذي كنّا نتّخذه برعاية سالفين على شكل جزمتين كان لا بدّ من دفع ثمنه صفعتين من سبابة ووسطى أستاذ التربية القومية المضمومتين كعصفوري حبّ، وكان أستاذنا ذو الملامح الطفولية يرفق هاتين الصفعتين بعبارة اتهامية لطالما كانت أشدّ وقعاً على نفوسنا المرهفة من صفعتيه: "إنت خاين للقومية العربية"، وللحقيقة كنّا دائما نتساءل كيف يجرؤ هذا الأستاذ على تخويننا، وأي تخوين.. للقومية العربية مرّة واحدة، كيف يجرؤ ونحن أعضاء في اتحاد شبيبة الثورة لحزب البعث العربي الاشتراكي، كيف يجرؤ وقد عشنا ست سنوات من عمرنا كطلائع في حزب البعث العربي الاشتراكي، كيف تسوّل له نفسه توجيه هكذا اتهام وأحلام نومنا تختلط مع أحلام يقظتنا، وكلا نوعي الأحلام تختلط مع واقعنا في سبيل بناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد.
كان لا بد من فعل شيء ما لوقف هذه المهزلة الوطنية. طبعاً لم يكن بالإمكان أن نتراجع عن سالفي الجزمة، فهما خطوتنا الأولى نحو الجنس الآخر. إذاً، كان علينا إثبات وقف سيل الاتهامات الصادر عن أستاذ القومية، ولم يكن أمامنا إلا اللجوء إلى الأب القائد القادر على كلّ شيء. نبش أحد الزملاء صورة نادرة للأب القائد من سبعينيات القرن، في زمن لم يكن هناك ثمّة محرّك بحث اسمه غوغل، وكان لدى الأب القائد حينها سالفان على شكل جزمتين. وبعد أخذ وردّ، تبرّعتُ بمواجهة أستاذ التربية القومية بهذه الصورة كحجة دامغة، تثبت زيف ادعاءاته التاريخية.
تأمّل الأستاذ الصورة قليلاً، ومنذ ذاك اليوم لم يتعرّض أيّ من الزملاء لاتهام مجحف بخيانة القومية العربية. وبعد مرور أيّام تشجّع طالب لحلاقة شعره وفق موضة "فرساتشي"، بل إنّ أحدهم بلغت به الوقاحة حدّ تسريح شعره من المنتصف.