تعرف حكومة حسّان دياب اللبنانية جيداً أن عشرات التقارير الصادرة عن صندوق النقد الدولي خلال سنوات تتبنّى اقتراحاً من بعثاته يقضي بتحرير سعر صرف الليرة التي شهدت انهياراً كبيراً في الآونة الأخيرة، وهذا ما أعلنته صراحة، ولو على مراحل، ما يعني الخضوع سلفاً لأحد شروط الصندوق الذي طلبت منه المساعدة رسمياً قبل أيام.
وزير المالية غازي وزني حاول في اجتماع "اللقاء الوطني المالي"، الذي دعا إليه رئيس الجمهورية ميشال عون بمشاركة رؤساء الكتل النيابية لعرض "خطة التعافي المالي"، تلطيف الرضوح لـ"وصفات" صندوق النقد، من خلال تناوله خطة السنوات الخمس 2020-2025 التي أقرتها الحكومة في 30 إبريل/نيسان، مشيراً إلى أنها تقوم على 9 ركائز، أبرزها يتعلق بسعر الصرف والسياسة النقدية، بحيث تعتمد سياسة سعر الصرف المرن في المرحلة المقبلة لكن "بشكل متدرّج ومدروس".
ومع تحذير وزني من أن تحرير سعر صرف الليرة قبل استعادة الثقة وتحصين المناخ الاقتصادي والمالي والحصول على الدعم من صندوق النقد والدول المانحة، "يؤدي إلى فلتان شامل لأسعار السلع، وتدهور كبير لسعر صرف الليرة، كما يؤدي إلى تعثر كبير للمؤسسات المقترضة بالدولار"، يقول مصدر مصرفي معارض للخطة الحكومية، لـ"العربي الجديد"، إن تحرير سعر الصرف في السوق السوداء "أصبح أمراً واقعاً وتم خلال فترة قصيرة، وانعكس غلاء فاحشاً فعلاً بلا حسيب ولا رقيب، وكأن تحذيرات وزني تتحدث عن بلد آخر لا يزال بألف خير".
ويسأل المصدر: "ما معنى أن يؤكد وزير المالية أن مصرف لبنان سيبقى محافظاً على سعر الصرف الرسمي البالغ أقصى هامشه 1515 ليرة، في حين أن المركزي نفسه بات مزاحماً للصرافين من خلال إنشاء وحدة خاصة لشراء الدولار؟ وهو المصرف نفسه الذي أصدر أكثر من تعميم يقرّ فيه باعتماد أسعار فاقت 3 آلاف ليرة، وفي وقت لا يزال الدولار متداولاً في السوق الموازية بحدود 4 آلاف ليرة".
وكان دياب ووزني قد وقّعا رسمياً في 1 مايو/ أيار الجاري، طلب مساعدة من صندوق النقد الدولي للبنان، بعد إقرار الحكومة برنامجاً مالياً واقتصادياً تعتبره إصلاحياً.
يأتي ذلك بعدما تخلف لبنان عن سداد ديونه لأول مرة في تاريخه في وقت سابق من هذا العام، وبدأ محادثات مع صندوق النقد بهدف الحصول على قرض بقيمة 10 مليارات دولار على الأقل لدعم خطته لإصلاح الاقتصاد المتداعي، والتي تشمل تخفيضات في الإنفاق وتحصيل أكثر فعالية للضرائب وإعادة هيكلة قطاع الكهرباء الخاسر وكذلك إعادة هيكلة القطاع المصرفي.
في كل الأحوال، تشير بيانات شبكة "بلومبيرغ" الأميركية إلى أن هذه التوجهات الحكومية المعلنة والمحابية صراحة لصندوق النقد، انعكست إيجاباً في الأسواق المالية، لأن المستثمرين يرون فيها علامة على أن الحكومة تبدو أكثر جدية في اتخاذ القرارات الصعبة المطلوبة لاستعادة الثقة.
ووفقاً لهذه البيانات، فقد ارتفعت قيمة سندات "يوروبوند" اللبنانية، حيث قفزت قيمة السند المستحق في 9 مارس/ آذار 2.24 سنت إلى 18.10 سنتاً للدولار الواحد عند الساعة 10:14 صباحاً في لندن. كما ارتفع سند الدين المستحق في العام 2037 بمقدار 0.34 سنت إلى 17.71 سنتاً للدولار.