في السياسة لا يمكن الحديث عن علاقات دائمة ومستقرة، كما لا يمكن تعيين عدو وصديق بشكل قاطع، على خارطة التحالفات؛ لكن ثمة أدوار تكتيكية واستراتيجية، بين عدة أطراف إقليمية ودولية، تحددها طوال الوقت، الثابت والمتغير في التوازنات السياسية، والتناقضات في القضايا المطروحة وأولوياتها، لدى كل جانب، ومساحة التوافق والخصومة، أو التقاطعات والتجاذبات، التي تسمح بمناورة مرة وضغط مرات أخرى، ناهيك عن تلويح بعقوبات سياسية واقتصادية، وربما عسكرية.
لكن النظام المصري يخالف كل التصورات السياسية المختلفة، والتي تبدو منطقية ومفهومة، ويمد الحبل على استقامته في أدواره العبثية، ويجمع بين النقيضين، في مشهدية واحدة وداخل خطاب يزيد من اهترائه وفوضويته؛ حيث يرى في حماس عدوًا وحليفًا في آن واحد؛ يجلس على مائدة المفاوضات معه، بينما تمتلئ سجونه بأفراد على خلفية انتمائهم لـ "منظمة إرهابية"، هي نفسها (حماس)، التي تلتقي وتنسق مع القيادة السياسية المصرية، وترفع صورة الرئيس المصري في شوارعها، من أطراف غير معروفة أو أعلنت عن نفسها فيما انتشرت.
غادرت حماس مربع الاتهام في الخطاب السياسي والإعلامي الرسمي، لدى الإدارة المصرية، من كونها "تنظيمًا إرهابيًا"، ويعد أحد فروع جماعة الإخوان المسلمين، التي تحمل نفس التهمة بحكم قضائي هي الأخرى، ويلاحق المنتمون لها، بينما يورطهم بالسجن والاعتقال التعسفي، والتنكيل بهم، من دون محاكمات، ولسنوات خلف القضبان بشكل استثنائي.
كما يتهم النظام المصري حماس بأنها وراء استهداف العسكريين المصريين، في سيناء واغتيالهم، وتوريد الأسلحة لهم عبر الأنفاق، من غزة إلى الداخل المصري، للتنظيمات العسكرية ومساعدتهم لوجيستيًا، للقيام بأعمال تفجيرية، فلم يكف الإعلام المصري عن وضع الإخوان وحماس في جملة تامة، عقب كل تفجير يحدث في القاهرة، حتى قبل نتائج التحقيقات؛ وهو ما يتخذه النظام حيلة في أحيان كثيرة، للضغط على الفلسطينيين وحصارهم، أثناء تعرضهم للقصف المستمر، من جانب الكيان الصهيوني، ومن ثم، يصبح التنسيق مع العدو أقرب.
وبالرغم من تحقيقات صحافية ظهرت عقب الربيع العربي، في الصحافة المحلية في مصر، تشير بوضوح عن تورط قيادات في الأجهزة الأمنية، بفتح السجون لإثارة الرعب والتهديد المجتمعي، بين أفراد الشعب ومواجهة المد الثوري وتصفيته، لكن الإعلام ما زال يصر على إدانة حزب الله في لبنان وحماس، بأنهما وراء ذلك الأمر.
منذ استيلاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على الحكم في 3 يوليو 2013، يتخذ نظامه وإعلامه موقفًا شديد العدائية من حركة حماس، وساهم السيسي في تشديد الحصار على قطاع غزة، عبر إغلاق معبر رفح المنفذ الوحيد للغزيين نحو العالم الخارجي، وهدم أنفاق التهريب الحدودية، واتهم الحركة بالتعاون مع التنظيمات الجهادية في سيناء واستهدافها جنودَ وضباط الجيش المصري، وهو ما تنفيه الحركة جملة وتفصيلاً.
لكن يبدو أن الإدارة المصرية تسارع في تغيير شروط الصراع الموجودة وتغييبها، حتى تظفر في خطوة لاحقة لوضع محمد دحلان المفصول من حركة فتح بديلًا عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد أن يغادر المشهد السياسي، وبالتالي يكون خليفته شخصية مقبولة. يتمتع دحلان بعلاقات وطيدة مع القاهرة والسيسي، ويُدعم من الحليف الإقليمي الإمارات بقوة، فضلاً عن توسطه بين مصر وإثيوبيا في مسألة سد النهضة، الذي من شأنه الإضرار بحصة مصر في نهر النيل