11 نوفمبر 2024
حمد الكواري... سيرة فكرية
اختار وزير الثقافة والفنون والتراث القطري، حمد بن عبد العزيز الكواري، عنواناً ثانياً وصفياً لكتابه "على قدر أهل العزم"، (بلومزبري، مؤسسة قطر للنشر، 2015)، هو "سيرة فكرية". ولا تزيّد في الزعم إن هذا واحد من أوصاف الكتاب، ولا يحيط بكل ما اشتمل عليه، وإنْ يبقى الأبرز في فصول الكتاب التسعة. ففي الوسع أن يُصنّف الكتاب ضمن اللطائف والتأملات أيضاً، وفي هذه وتلك انتباهاتٌ عميقة، إلى غير شأن، في الفكر والسياسة والثقافة والأدب والدبلوماسية والفنون و..، تطوف على شواغل في هذا كله، تحتكم وجهات نظر الدكتور الكواري فيها، وآراؤه بشأنها، من قراءاته، ومن معايشته القريبة لها، ومن خبرته رجل ثقافة، مهموماً بما هو إنساني وجذّاب ومبهج للروح والنفس والعقل، منذ شبابه الأول طالباً جامعياً في القاهرة، مروراً بمحطات عمله سفيراً في دمشق وبيروت وباريس وواشنطن، ومندوباً لبلاده في اليونسكو والأمم المتحدة، عبوراً إلى توليه وزارة الإعلام، وصولاً إلى موقعه وزيراً للثقافة والفنون والتراث، وذلك كله في أزيد من أربعين عاماً، عمل فيها على إجادته الإنجليزية والفرنسية، وأكمل دراسته العليا، وحاز الدكتوراه. وفي غضون هذه المسؤوليات، ظلّ شديد الحرص على تمكين شخصيته ثقافياً، حريصاً على أن يتسلح بالمعرفة دائماً، وذواقةً لكل بديع من صنيع الفنانين والروائيين والشعراء والتشكيليين.
تقرأ "على قدر أهل العزم"، فتجدك قد تذوّقت أطايب متنوعاتٍ، تتيسر في جولات الكتاب وإطلالاته، بلغةٍ تُؤانسك، فيها مقادير بيّنة من البساطة الرائقة، والحذاقة في بسط الفكرة ووجهة النظر بما يلزم من أناقةٍ في التعبير الذي يقتصد ويوجز، ويشرح ويوضح، فتنجذب إلى ما تقرأ، عن أفكار ومشاهداتٍ وتجارب وقراءات، وعن وقائع ومحاورات، وكلها موصولةٌ بالشأن العربي العام، سياسياً وثقافياً وحضارياً، وبدولة قطر الطموحة إلى تأدية دور ظاهر في خدمة الثقافة والفنون العربية، ومن لطائف ما تقطف بشأن قطر في الكتاب أنها عرفت وزيراً يطلب من قيادتها السياسية إلغاء وزارته، قناعةً منه بأن لا لزوم لها في زمن تنوّع الحريات وتعدد قنوات التواصل، الأمر الذي أخذ به الأمير السابق، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، فألغيت وزارة الإعلام في 1997. كان الوزير هو حمد بن عبد العزيز الكواري الذي يكتب في مؤلفه "المنصب الذي ساقته لي الأقدار أكبر مني، ولا أستحقه، إلا إذا طوّرت معارفي وجوّدت أدواتي..". ويكتب أيضاً الكثير عن التواصل مع ثقافات الشعوب والأمم، وهو المثقف السياسي (العكس صحيح) الذي يقدّم، في كتابه، مساهمةً طيبة، وجوهرية، في تأكيد أهمية "الدبلوماسية الثقافية"، وهي المفهوم الغائب، إلى حد بعيد، في أداء سفراء ودبلوماسيين عرب كثيرين في عواصم العالم. وفي الوسع أن يُقال، باطمئنان كثير، إن الكواري واحد من دبلوماسيين عرب قليلين جداً، أخذوا بهذا المفهوم، فقد زاوله باقتدار في كل مواقعه سفيراً ووزيراً، إذ آمن بالأهمية الخاصة لإرساء علاقاتٍ نوعية بين الدول، أساسها التبادل الثقافي وتداول المنتجات الرمزية.
تقرأ في الكتاب عن تقديم المؤلف أوراق اعتماده سفيراً في باريس أمام الرئيس فاليري جيسكار ديستان، وكان قد تحصّل على معرفةٍ طفيفةٍ بالفرنسية، أسعفته كثيراً، وأنقذت "الإليزيه" من موقفٍ محرج، بسبب غياب طارئ للمترجم. وكان الكواري قد باشر تعلم الفرنسية منذ الساعات الأولى لوصوله إلى باريس. ولا مجازفة في التأشير هنا إلى أن صاحب "على قدر أهل العزم" أحد وزراء عرب قليلين جداً لديهم هذا الشغف بالثقافة والمعرفة، بكل ألوانهما. ولذلك، تعد خلاصةً ذات رهافة ظاهرة في الكتاب، أن صاحبه يكتب أن تجربته الدبلوماسية والسياسية جعلته يقتنع، يوماً بعد يوم، بالصلة العميقة بين الثقافة والإبداع وبتكامل وجوه التنمية البشرية وغير المادية. .. لطائف وتأملات وانتباهات غزيرة في هذا كله وغيره، تحضر في هذا الكتاب الذي يستحق دعوة هنا إلى قراءته ببهجة، وإلى أن يُطالعه الوزراء والسفراء العرب، ففيه نفع كثير لهم.
تقرأ "على قدر أهل العزم"، فتجدك قد تذوّقت أطايب متنوعاتٍ، تتيسر في جولات الكتاب وإطلالاته، بلغةٍ تُؤانسك، فيها مقادير بيّنة من البساطة الرائقة، والحذاقة في بسط الفكرة ووجهة النظر بما يلزم من أناقةٍ في التعبير الذي يقتصد ويوجز، ويشرح ويوضح، فتنجذب إلى ما تقرأ، عن أفكار ومشاهداتٍ وتجارب وقراءات، وعن وقائع ومحاورات، وكلها موصولةٌ بالشأن العربي العام، سياسياً وثقافياً وحضارياً، وبدولة قطر الطموحة إلى تأدية دور ظاهر في خدمة الثقافة والفنون العربية، ومن لطائف ما تقطف بشأن قطر في الكتاب أنها عرفت وزيراً يطلب من قيادتها السياسية إلغاء وزارته، قناعةً منه بأن لا لزوم لها في زمن تنوّع الحريات وتعدد قنوات التواصل، الأمر الذي أخذ به الأمير السابق، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، فألغيت وزارة الإعلام في 1997. كان الوزير هو حمد بن عبد العزيز الكواري الذي يكتب في مؤلفه "المنصب الذي ساقته لي الأقدار أكبر مني، ولا أستحقه، إلا إذا طوّرت معارفي وجوّدت أدواتي..". ويكتب أيضاً الكثير عن التواصل مع ثقافات الشعوب والأمم، وهو المثقف السياسي (العكس صحيح) الذي يقدّم، في كتابه، مساهمةً طيبة، وجوهرية، في تأكيد أهمية "الدبلوماسية الثقافية"، وهي المفهوم الغائب، إلى حد بعيد، في أداء سفراء ودبلوماسيين عرب كثيرين في عواصم العالم. وفي الوسع أن يُقال، باطمئنان كثير، إن الكواري واحد من دبلوماسيين عرب قليلين جداً، أخذوا بهذا المفهوم، فقد زاوله باقتدار في كل مواقعه سفيراً ووزيراً، إذ آمن بالأهمية الخاصة لإرساء علاقاتٍ نوعية بين الدول، أساسها التبادل الثقافي وتداول المنتجات الرمزية.
تقرأ في الكتاب عن تقديم المؤلف أوراق اعتماده سفيراً في باريس أمام الرئيس فاليري جيسكار ديستان، وكان قد تحصّل على معرفةٍ طفيفةٍ بالفرنسية، أسعفته كثيراً، وأنقذت "الإليزيه" من موقفٍ محرج، بسبب غياب طارئ للمترجم. وكان الكواري قد باشر تعلم الفرنسية منذ الساعات الأولى لوصوله إلى باريس. ولا مجازفة في التأشير هنا إلى أن صاحب "على قدر أهل العزم" أحد وزراء عرب قليلين جداً لديهم هذا الشغف بالثقافة والمعرفة، بكل ألوانهما. ولذلك، تعد خلاصةً ذات رهافة ظاهرة في الكتاب، أن صاحبه يكتب أن تجربته الدبلوماسية والسياسية جعلته يقتنع، يوماً بعد يوم، بالصلة العميقة بين الثقافة والإبداع وبتكامل وجوه التنمية البشرية وغير المادية. .. لطائف وتأملات وانتباهات غزيرة في هذا كله وغيره، تحضر في هذا الكتاب الذي يستحق دعوة هنا إلى قراءته ببهجة، وإلى أن يُطالعه الوزراء والسفراء العرب، ففيه نفع كثير لهم.