يشهد قطاع الذهب في السودان انتعاشا نسبيا خاصة عقب الهجرة العكسية التي طرأت عليه بتحرير صادره وانسحاب الحكومة من السوق وفتح الباب أمام القطاع الخاص، فضلا عن انسحاب شركة الجنيد الخاصة المملوكة لنائب رئيس المجلس السيادي الانتقالي، وقائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، من جبل عامر وهو المنطقة الأغنى في البلاد بالمعدن الأصفر والتنازل عنه لصالح الحكومة.
وتوقع محللون اقتصاديون تحدثوا لـ"العربي الجديد" أن تُحدث خطوة شركة الجنيد بالانسحاب من المربع قفزة كبيرة في عائدات البلاد من النقد الأجنبي للخزينة العامة، مؤكدين أن الخطوة المقبلة ستتمثل في تقسيم منطقة الامتياز إلى مربعات وطرحها للاستثمار.
وقال مدير شركة الجنيد، عبد الرحمن البكري، لـ"العربي الجديد" إن شركته تنازلت طواعية عن مربع التنقيب عن الذهب بجبل عامر حرصا على المصلحة الوطنية للبلاد.
وأشار البكري إلى أن مساحة المربع 750 كلم مربعا، واستغلت الشركة نسبة 5 % فقط من هذه المساحة بسبب التكلفة العالية للاستكشاف الذي يحتاج إلى تمويل كبير، لافتا إلى الاستعانة بشركات روسية في عملية الاستكشاف.
وأوضح أن الخيار متروك لهذه الشركات في الاستمرار بالعمل أو المغادرة عقب نقل تبعية المربع للحكومة السودانية.
وكشف عن امتلاك شركة الجنيد لمربعات أخرى بمنطقة الردوم جنوبي دارفور وجنوب كردفان وبها شواهد لا بأس بها من المعادن.
يذكر أن المسؤول الأول نيابة عن المالك الرئيسي لشركة الجنيد التي انسحبت من جبل عامر هو شقيق حميدتي القائد الثاني لقوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو.
وأعلنت وزارة الطاقة والتعدين السودانية مؤخرا توليها مربع التنقيب عن الذهب بجبل عامر المملوك لشركة الجنيد، إثر تنازل الأخيرة عن حقها في المدة المتبقية من التصديق لصالح الحكومة. وأكدت الوزارة أنها ستعمل على الاستفادة من هذا المربع والنظر في أي إجراءات أخرى ذات صلة بهذا الخصوص.
وذهب مدير شركة الموارد المعدنية السابق بوزارة الطاقة والتعدين، مجاهد بلال، في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن الموقع المتنازل عنه هو اتفاقية امتياز موقعة وملزمة وتحوي حقوقا وواجبات، وأتاحت في بنودها التنازل الاختياري للوزارة من شركة الامتياز وللطرف الأول (الوزارة) الحق في القبول أو القبول المشروط أو الرفض، حسب المصلحة العامة.
وأضاف بلال: لا غبار على الخطوة من الناحية الإجرائية، خاصة وأن السودان مر بفترة طويلة من الحصار الاقتصادي أثرت سلبا في استثمار بيوت الخبرة العالمية في مجال الذهب، مشيرا لضرورة استفادة وزارة الطاقة من هذه الفرصة لطرح مثل هذه المربعات للاستكشاف من قبل الشركات العالمية.
وقال بلال: الموقع المتنازل عنه يحوي مؤشرات لوجود معدن الذهب، وذلك من خلال انتشار التعدين التقليدي الواسع فيه خلال الفترات السابقة، إضافة للمعلومات الجيولوجية الأولية المتوفرة والتي تم إنجازها عبر الشركة السابقة، لكن الجدوى الاقتصادية الفعلية للإنتاج التجاري تحتاج لعمل فني كبير حتى يتم تأكيدها ومن ثم تحديد أفضل الطرق للاستخلاص.
وتابع أن السودان مليء بالذهب وهناك مواقع ومناجم في الشمالية ونهر النيل وكردفان ذات إمكانات تفوق موقع جبل عامر، وبذلك يكون التحدي الحقيقي أمام الحكومة الانتقالية هو كيفية إدخال شركات كبيرة للعمل في هذه المواقع بدلا عن الانتشار التقليدي والشركات الصغيرة.
ومن جانبه، أكد المحلل الاقتصادي، هيثم محمد فتحي، لـ"العربي الجديد" أن جبل عامر يحتوي على مخزون ضخم من الذهب وهو ثالث أكبر منجم ذهب في قارة أفريقيا مما جعل المعدّنين يقصدونه من مختلف أنحاء السودان وأفريقيا الوسطى وتشاد والنيجر ومالي ونيجيريا لتصبح المنطقة من أكثر المناطق خطورة وسط انتشار الجماعات والعصابات المسلحة.
وتوقع أن يكون وراء التنازل عن الجبل كثرة الحديث طيلة الفترة السابقة حول تبعية الشركة لقوات الدعم السريع.
وقال فتحي إن الأرقام الأقرب للدقة حول الطاقة الإنتاجية من التعدين التقليدي في منجم جبل عامر والذي اكتشف في عام 2012 وتسلمته شركة الجنيد في 2017 تتراوح ما بين 200 و250 طنا سنوياً مما يؤهله لتوفير عائدات معتبرة لخزينة الدولة ودعم احتياطي النقد الأجنبي. وحسب بيانات رسمية فإن حجم الإنتاج الكلي للذهب في البلاد بلغ قرابة 94 طنا في 2018.
وأضاف فتحي أن المربع المتنازل عنه لم ينضب حتى الآن وعلى الحكومة إعادة ترتيب أوراقه وإعداد دراسات خاصة به وتقسيمه على شركات ذات سمعة ومقدرات عالية للاستفادة منه.
وزار فريق من الجيولوجيا المربع لاستلامه على أرض الواقع وحصر الآليات والمعدات الموجودة وكل ما يخص مخلفات التعدين التقليدي واستلام كل التقارير الجيولوجية التي تمت بالتنسيق مع شركة الجنيد.