بعد أن اختفى مشهد العربات البدائية التي يجرها عامل، عاد مرة أخرى للظهور بعد أن أنهك الفقر المواطنين، فلم يجد بعض الشباب العراقي إلا مهنة الحمّال الذي يجر عربته الخشبية ذات العجلتين حاملاً فيها سلعاً وأمتعة مقابل أجر مادي يعينه على شظف الحياة.
ويزاحم الحمّال بعربته الصغيرة سيارات حديثة غالية الثمن في شوارع بغداد، خاصة عند مناطق مزدحمة بالأسواق، وهو ما يفسره مختصون بأنه "نتيجة حتمية للفساد الإداري المتفشي في مفاصل مؤسسات الدولة".
"ربح وفير.. الحمد لله.. الرزق على الله.." عبارات يصف بها الحمّالون من أصحاب العربات مدخولهم اليومي بعد جهد شاق وعمل مضن يمتد منذ طلوع خيوط الصباح حتى غروب الشمس.
الحمّال عباس جمعة (36 عاماً)، لا يفكر حالياً في الزواج، فما زال الوقت مبكراً بحسب قوله، والسبب "مسؤولياتي كثيرة تتوزع بين رعاية والدتي المريضة، وتوفير احتياجات أخوتي". ويضيف جمعة لـ"العربي الجديد"، أن حاله أفضل بكثير من غيره، قائلاً، "لدي عمل وإن كان مرهقاً، فغيري لا يجدون عملاً يدفعون به شر الفقر".
وأضاف جمعة "لكل فرد نصيب من الدنيا، ولست أهتم بمن يقودون سيارات فارهة، حين ينظرون إلي وأنا أزاحمهم في الشارع".
أبو كريم حمال آخر له الكثير من الزبائن في أسواق الشورجة التجارية وسط العاصمة العراقية بغداد، ينقل بضائعهم بعربته التي تتسع لحمل نحو طن كامل. في آخر النهار يجلس فوق عربته ويحسب ما جمعه من رزق خلال النهار المتعب، ثم ينتهي بتقبيل مكسبه من المال ثلاث مرات وهو يرفع نظره إلى السماء، شاكراً ربه على ما رزقه.
في حديثه لـ"العربي الجديد" يقول أبو كريم وهو يقارن بين عربته الخشبية المتينة، وسيارة فارهة لتاجر تصف بجانبها "عربتي أكسب بها الرزق وعربته يكسب بها راحته، هذه حال الدنيا فقر وغنى، وأحمد الله على ما جعلني فيه".
ليس جميع الحمالين كجمعة وأبو كريم، كثيرون لا يجدون رزقاً يساعدهم على توفير احتياجات أسرهم اليومية، ونحن ليس لدينا عمل آخر نستبدل فيه جر العربات، وشقاء يوم كامل تحت لهيب شمس الصيف الحارقة وزمهرير الشتاء.
أما رضا جعفر حاول جاهداً أن يتأقلم مع مهنة لم يكن يتوقع يوماً أن يمتهنها.
اقرأ أيضاً: أكثر من ثلث العراقيين فقراء.. والريف الأكثر معاناة
جعفر الذي تخرج من كلية التربية قسم الفيزياء، كان يحلم أن يصبح مدرساً، يوصل ما حصل عليه من علم لطلابه، لكنه ما وجد فرصة للتعيين بوزارة التربية، والسبب كما يقول لـ"العربي الجديد"، إنه لا يملك مالاً يقدمه رشوة للمسؤولين عن التعيينات، وليس منتمياً لأحزاب متنفذة أو مليشيات.
مختصون يرون أن الفساد الذي يعيشه العراق وراء كل ما تعانيه طبقة واسعة من العراقيين، من شظف العيش.
وبحسب رياض الصباغ فلدى العراق إمكانيات هائلة تقضي على البطالة وتقلل الهوة بين طبقتي المجتمع، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن سكان العراق صاروا يتمثلون بطبقتين "واحدة فاحشة الثراء والأخرى معدمة".
لكن والحديث للصباغ "صار الفساد الإداري مكشوفاً وعلنياً، وتسبب بإهدار المال العام دون أن يستفاد منه لصالح بناء قاعدة اقتصادية متينة، تساعد في نهوض الفرد والمجتمع اقتصادياً وعلمياً وصحياً وثقافياً".
ولا يختلف ما طرحه الباحث في الاقتصاد مهيمن عبدالجبار عن رأي الصباغ، مفيداً لـ"العربي الجديد" أن "تمكن العراق من بناء نفسه يعتمد على السياسة الاقتصادية الصحيحة، وتلك من بين صورها الاستثمار الذي تشهد عقوده فساداً مخيفاً، في الوقت الذي ساعد اقتصادات الكثير من الدول في القضاء على البطالة وتوفير عمل مناسب للأفراد".
يشار إلى أن وزارة التخطيط العراقية أكدت في يونيو/حزيران الماضي تضاعف نسبة الفقر في العراق إلى 30% عام 2014، بعدما كانت 19% نهاية 2013".
وساهم الفساد الحكومي المتمثل في الصفقات والتعاقدات، في إدخال الاقتصاد العراقي في مأزق كبير، ليتزامن ذلك مع الضغوط الحادة التي تسبب فيها تهاوي أسعار النفط بأكثر من 50% عالمياً ما قلص من إيرادات هذا البلد، كذلك من ارتفاع كلفة الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية داعش في مناطق واسعة من شمال وغرب البلاد.
وبحسب لجنة النزاهة العراقية، فإن الحكومة الحالية فشلت في مواجهة الفساد، الذي كبد البلاد خسائر بأكثر من 100 مليار دولار خلال فترة حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي على مدار 8 أعوام حتى منتصف 2014، تم توجيهها لمشاريع أقرّتها الحكومة وتبين أنها وهمية.
اقرأ أيضاً: الفقر يدفع العراقيين لتدوير المخلفات الحربية