قد يحلم البعض أن يتنقل من مكان إلى آخر كالعصافير من دون عوائق أو زحمة سير، بل قد يحسد البعض الطيور على قدرتها على الطيران، ويتمنى لو أنه يستطيع الطيران مثلها كما فعل عباس بن فرناس عندما صنع لنفسه جناحين ليطير بهما من دون أن يوفق. وبدلاً من ذلك، استفاد الإنسان من الطيور في صناعة الطائرات بعد دراسة وظائف الأعضاء عند الطيور، وطوّر هذه الصناعة بعدما درس كيفية توقف طائر الطنان في مكانه وهو يرفرف جناحيه بسرعة 50 – 70 ضربة بالثانية. كل ذلك لا يعني أن الطيور حرة في تحركاتها لتجتاز المسافات متنقلة من مكان إلى آخر من دون أن تجد عوائق أو تتعرّض لحوادث قاتلة. فالطيور تصادف مخاطر وعقبات كثيرة لا تحسد عليها في كل يوم يمر في حياتها، خصوصاً في هذه الأيام التي اخترع فيها الإنسان وسائل متطورة لقتل الطيور، وكأنه لا يكفيها ما تلاقيه في حياتها اليومية من حوادث طبيعية.
لكننا لن نتحدث هنا عن الحوادث التي يتسبب بها الإنسان للطيور مثل التسرب النفطي، والاصطدام بزجاج نوافذ الغرف المضاءة أو الاصطدام بالطائرات أو شفرات مراوح الطاقة الهوائية وأسلاكها أو الأسلاك الكهربائية أو المرور فوق حقول الطاقة الحرارية المنعكسة أو الصيد بطرق الاحتيال، بل سنتكلم عن الحوادث الطبيعية التي تقتل الطيور.
حين كنت أعد رسالة الدكتوراه في فرنسا في سبعينيات القرن الماضي، لاحظت اشتداداً للهواء البارد القادم من الشمال الغربي لأوروبا الغربية، والذي تبلغ سرعته ما بين الـ60 والـ160 كيلومتراً في الساعة، يهب على "خليج الأسد" في البحر المتوسط في أواخر الشتاء وبدايات الربيع، واسمه الميسترال. كما علمت أنه يشتد ما بين كورسيكا وجزر البليار. وأثناء تحدثي مع أستاذي آنذاك عن البرد القارس وسرعة الرياح التي يسببها الميسترال، قال لي إن هذه الرياح تقتل أعداداً كبيرة من الطيور المهاجرة من أفريقيا إلى أوروبا حيث تريد أن تعشش وتفرخ، إذ تفاجئها الرياح بعدما تقطع ثلثي المسافة فوق المتوسط ويموت الكثير منها.
وإذا ما كانت الطيور قد وصلت وعششت فإن رياح العواصف، سواء كانت ميسترال أم نوعا من التورنادو أو رياحاً قوية، تقتلع الأعشاش من مكانها وترمي بالبيض أو الفراخ على الأرض. وقد يكون سبب تدمير الأعشاش حريق أو فيضان أو ثلج أو برد في غير وقته. وبالعودة إلى الرياح، فإنها قد تحمل العصافير الصغيرة فتضربها بحاجز ما متسببة بقتلها. وإذا ما كانت باردة، فإنها تؤدي إلى تجمد طيور لم يتسنَّ لها اللجوء إلى مخبأ. وأثناء هجرتها الطويلة، قد تتعرض لحوادث من جراء قلة الغذاء في بعض المناطق أو بسبب تعرضها لهجمات من قبل طيور جارحة تفتك بها أو صيادين يرتكبون بحقها مجازر.
اقــرأ أيضاً
في الواقع، فإن أكثر الطيور المتضررة من الأخطار الطبيعية هي تلك اليافعة وقليلة الخبرة، تليها الطيور البالغة صغيرة الحجم. أما اليافعة، فهي المتضررة على الدوام في العش وخارجه. بينما الطيور شبه البالغة والبالغة فتهرب من أمام العواصف والأعاصير قبل فترة وصولها بفضل قوة السمع عندها، والعائدة إلى الترددات تحت الصوتية التي يفتقدها الإنسان. فالطائر يسمع حركة العواصف والصوت التدميري لها، فيبتعد عن طريقها ويلجأ إلى أماكن أكثر أماناً. إلا أن الأغرب لدى بعض الطيور، أنها تستطيع التنبؤ بحدوث العواصف قبل فترة تعد نسبياً كافية لهروبها من وجه العاصفة. ففي عام 2014، اكتشف عدد من العلماء في جامعة تنسي الأميركية، أن عصفور الهازجة ذهبية الجناح غادر أماكن تفريخه في تنسي إلى فلوريدا قبل 48 ساعة من وصول عاصفة رعدية اجتاحت السهل العظيم في تنسي. وهذا الأمر يدعو إلى إجراء العديد من الاختبارات والمتابعات لمعرفة إذا ما كان هذا التنبؤ موجودا فقط عند الهازجة ذهبية الجناح أو عند غيرها من الطيور، وإذا كان موجوداً عند عدد من الأنواع فهل يكون بنفس قوة التنبؤ؟
في النهاية لا بد من التذكير أنه على الإنسان الرأفة بالطيور التي تخدمه إذ يكفيها ما تعاني منه من نكبات وحوادث في الطبيعة.
*متخصص في علم الطيور البرية
لكننا لن نتحدث هنا عن الحوادث التي يتسبب بها الإنسان للطيور مثل التسرب النفطي، والاصطدام بزجاج نوافذ الغرف المضاءة أو الاصطدام بالطائرات أو شفرات مراوح الطاقة الهوائية وأسلاكها أو الأسلاك الكهربائية أو المرور فوق حقول الطاقة الحرارية المنعكسة أو الصيد بطرق الاحتيال، بل سنتكلم عن الحوادث الطبيعية التي تقتل الطيور.
حين كنت أعد رسالة الدكتوراه في فرنسا في سبعينيات القرن الماضي، لاحظت اشتداداً للهواء البارد القادم من الشمال الغربي لأوروبا الغربية، والذي تبلغ سرعته ما بين الـ60 والـ160 كيلومتراً في الساعة، يهب على "خليج الأسد" في البحر المتوسط في أواخر الشتاء وبدايات الربيع، واسمه الميسترال. كما علمت أنه يشتد ما بين كورسيكا وجزر البليار. وأثناء تحدثي مع أستاذي آنذاك عن البرد القارس وسرعة الرياح التي يسببها الميسترال، قال لي إن هذه الرياح تقتل أعداداً كبيرة من الطيور المهاجرة من أفريقيا إلى أوروبا حيث تريد أن تعشش وتفرخ، إذ تفاجئها الرياح بعدما تقطع ثلثي المسافة فوق المتوسط ويموت الكثير منها.
وإذا ما كانت الطيور قد وصلت وعششت فإن رياح العواصف، سواء كانت ميسترال أم نوعا من التورنادو أو رياحاً قوية، تقتلع الأعشاش من مكانها وترمي بالبيض أو الفراخ على الأرض. وقد يكون سبب تدمير الأعشاش حريق أو فيضان أو ثلج أو برد في غير وقته. وبالعودة إلى الرياح، فإنها قد تحمل العصافير الصغيرة فتضربها بحاجز ما متسببة بقتلها. وإذا ما كانت باردة، فإنها تؤدي إلى تجمد طيور لم يتسنَّ لها اللجوء إلى مخبأ. وأثناء هجرتها الطويلة، قد تتعرض لحوادث من جراء قلة الغذاء في بعض المناطق أو بسبب تعرضها لهجمات من قبل طيور جارحة تفتك بها أو صيادين يرتكبون بحقها مجازر.
في الواقع، فإن أكثر الطيور المتضررة من الأخطار الطبيعية هي تلك اليافعة وقليلة الخبرة، تليها الطيور البالغة صغيرة الحجم. أما اليافعة، فهي المتضررة على الدوام في العش وخارجه. بينما الطيور شبه البالغة والبالغة فتهرب من أمام العواصف والأعاصير قبل فترة وصولها بفضل قوة السمع عندها، والعائدة إلى الترددات تحت الصوتية التي يفتقدها الإنسان. فالطائر يسمع حركة العواصف والصوت التدميري لها، فيبتعد عن طريقها ويلجأ إلى أماكن أكثر أماناً. إلا أن الأغرب لدى بعض الطيور، أنها تستطيع التنبؤ بحدوث العواصف قبل فترة تعد نسبياً كافية لهروبها من وجه العاصفة. ففي عام 2014، اكتشف عدد من العلماء في جامعة تنسي الأميركية، أن عصفور الهازجة ذهبية الجناح غادر أماكن تفريخه في تنسي إلى فلوريدا قبل 48 ساعة من وصول عاصفة رعدية اجتاحت السهل العظيم في تنسي. وهذا الأمر يدعو إلى إجراء العديد من الاختبارات والمتابعات لمعرفة إذا ما كان هذا التنبؤ موجودا فقط عند الهازجة ذهبية الجناح أو عند غيرها من الطيور، وإذا كان موجوداً عند عدد من الأنواع فهل يكون بنفس قوة التنبؤ؟
في النهاية لا بد من التذكير أنه على الإنسان الرأفة بالطيور التي تخدمه إذ يكفيها ما تعاني منه من نكبات وحوادث في الطبيعة.
*متخصص في علم الطيور البرية