حين يخشى إسرائيليون سيطرة المستوطنين على الجيش
لم يعد خافياً على أيٍّ من متابعي الشأن الإسرائيلي قوة ونفوذ التيار الديني القومي الصهيوني الذي تمثله أقطاب قوية في حزب الليكود الذي يترأسه رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وحزب البيت اليهودي، بزعامة الوزير المتطرف، نفتالي بينيت، على مؤسسات الجيش وباقي الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.
ولم تعد هنالك وحدة عسكرية أو حاجز أو دورية إلا وترى من بين الجنود أولئك الذين يرتدون القبعة المنسوجة التي ترمز إلى التيار القومي الديني الذي يؤمن بما يسمى بأرض إسرائيل الكبرى، وفي مقدمتها (يهودا والسامرة)، أي الضفة الغربية المحتلة. والجدير ذكره أن هذا التيار مر بمرحلة تطرف واضحة، بعد حرب يونيو/حزيران في عام 1967، حيث تم اعتبار النصر العسكري الذي حققه الجيش الإسرائيلي بمثابة نصر إلهي. كما أن التجنيد في الجيش الإسرائيلي لم يكن ضمن أولويات هذا التيار، حتى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي.
شكلت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، والتي اندلعت في ديسمبر/كانون الأول من عام 1987 بداية التحول في رؤية التيار الديني القومي للجيش وللخدمة في الوحدات العسكرية، وذلك عندما أقيمت أول مؤسسة عسكرية دينية قومية لهم، في مستوطنات شمال الضفة الغربية، والتي أشرف على افتتاحها المتطرف، إيلي سدان، الذي ترأس مجموعة من قادة المستوطنين لدعوة المستوطنين وإقناعهم بالالتحاق بالوحدات العسكرية، كخطوة أولية ضمن مشروع متدحرج، ينتهي بسيطرة المستوطنين على قيادة الجيش، ليصبحوا أكثر تأثيراً في سياسات الجيش والحكومة الإسرائيلية إزاء التعامل مع الشعب الفلسطيني في الانتفاضة الأولى، على الرغم مما استخدمه الاحتلال في تلك الفترة، بقيادة إسحاق شامير ووزير جيشه آنذاك، إسحاق رابين، من أساليب ووسائل قمع، سواء بتكسير العظام أو إطلاق النار أو الاعتقالات الإدارية وغيرها، وفرض منع التجول فترات طويلة، واستخدام كل أشكال العقوبات الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وقد أظهرت دراسة أجريت قبل شهور، أن أكثر من نصف ضباط هيئة الأركان، وباقي الوحدات العسكرية، أصبحوا ينتمون إلى الذين يرتدون القبعة المنسوجة التي تمثل تيار المستوطنين المتطرفين الذين لا يقبلون أية تسوية مع الشعب الفلسطيني.
أدت اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1993 إلى زيادة وتيرة التحاق شبان المستوطنات بالوحدات العسكرية، والذين يسمون (شبان التلال)، في إشارة إلى تلال الضفة الغربية التي تم السيطرة والاستيطان على غالبيتها، لتخريب العملية السياسية الحديثة وإفشالها، وقد رفضوها بقوة، واعتبروا التنازل عن أراضٍ مما يسمى أرض إسرائيل خيانةً عظمى. وتمت ترجمة حملة التحريض الكبيرة من أتباع هذا التيار إلى اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي، إسحاق رابين.
أدت زيادة قوة المستوطنين وتأثيرهم على الجيش، وباقي المؤسسات الإسرائيلية، وخصوصاً وزارات الإسكان والاقتصاد والتجارة ونواب عدة وزراء ورئاسة الكنيست، إلى شعور إسرائيليين علمانيين بالقلق، والخشية على مستقبل إسرائيل، واحتمالات وصول هذا التيار إلى رئاسة الأركان، مما دفع بعضهم إلى الحديث، بصراحة، عن أن وصول هؤلاء المستوطنين المتطرفين إلى رئاسة الأركان قد يؤدي إلى توريط إسرائيل وجيشها في مغامرات، واندلاع مواجهاتٍ دموية مفتوحة مع الشعب الفلسطيني والمحيط العربي.
حيث عبر شبان إسرائيليون غادروا إسرائيل، بعد الحرب العدوانية مؤخراً على قطاع غزة في الصيف الماضي، والصمود الفلسطيني النوعي، والذي أدى إلى شل معظم أنحاء إسرائيل، بعد وصول الصواريخ الفلسطينية إليها، إلى تبرير مغادرتهم من دون رجعة، إلى سيطرة المستوطنين على كامل الحياة في إسرائيل. وأن إسرائيل ومواردها أصبحت في خدمة المستوطنين والجيش، ومصلحة هؤلاء ورفاهيتهم لم تعد تعني الحكومة ورئيسها.
سيطرة المستوطنين اليهود على الجيش وباقي المؤسسات الرسمية والحكومية الإسرائيلية، يجب أن تشكل رسالة صريحة للقيادة الفلسطينية والدول العربية التي لا زالت تعول على ما يسمى بالحل السياسي، خصوصاً أن فرص التوصل إلى حلول سياسية أصبحت معدومة، وأقلها أنه، وفي حال التوصل إلى اتفاقيات سياسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وهذا مستبعد جداً، بل أجزم بأنه مستحيل، فإن الجيش الإسرائيلي سيتمرد، وسيرفض إخلاء أية مستوطنة. وبالتالي، لن تجازف الحكومات الإسرائيلية بتصدع داخليٍّ لإرضاء الفلسطينيين. وستفضل الاستمرار في سياسات الاستيطان والتهويد، وإدارة الصراع مع السلطة والشعب الفلسطيني طالما بقي الأداء الفلسطيني كما هو الآن.
بمعزل عن سيطرة المستوطنين على الجيش والدولة في إسرائيل، فإن العقلية الإسرائيلية الحالية قد ابتعدت كثيراً عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وأصبحت غير جاهزة نهائياً للحد الأدنى من الحل الذي يمكن أن يقبله أي فلسطيني. أما حل الدولتين، فلم يعد حاضراً في السياسات الإسرائيلية، حتى إن إسرائيليين كثيرين، وفي مقدمتهم الذين صاغوا ووقعوا على اتفاقية أوسلو، أصبحوا يتحدثون، بصراحة، عن نهاية عملية أوسلو، ومن بينهم يوسي بيلين، والتي ألحقت الضرر الأكبر بالقضية والشعب الفلسطينيين، فما هو الحال بعد سيطرة هؤلاء المتطرفين على معظم تفاصيل الحياة السياسية والعسكرية والأمنية في إسرائيل؟
إن الاستيطان في الضفة الغربية لم يعد عقائديا وأيدولوجيا وأمنيا فقط، بل تطور ليصبح مشروعاً اقتصادياً واستثماريا ناجحاً، خصوصاً في ظل سيطرة إسرائيل على كل موارد الضفة وثرواتها، وبعد أن أصبح السكن في الضفة يشكل حلاً لمشكلة غلاء أسعار الشقق السكنية في داخل إسرائيل.