أجمع باحثون وحقوقيون عرب وأجانب، على أنه بعد خمس سنوات على اندلاع ثورات "الربيع العربي"، تحولت منطقة شمال أفريقيا إلى خزان للتيارات الجهادية العابرة للحدود، ومرتعاً للتطرف، خاصة في صفوف الشباب.
ونظّم مركز كارنيغي للشرق الأوسط، بالتنسيق مع معهد بروميثيوس للديمقراطية وحقوق الإنسان، ورشة عمل بالعاصمة المغربية الرباط، حول "تهميش الشباب وتطرفهم في شمال أفريقيا"، بحضور خبراء وباحثين وفاعلين من المغرب وخارجه.
وسعت الورشة إلى فهم حالة الإحباط التي دفعت العديد من الشباب إلى تبني الأيديولوجيات المتطرفة، وتقديم تحليلات حول الظاهرة، وفهم علاقة ذلك بالتهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي، من خلال دراسة حالات تونس والمغرب ومصر وليبيا والجزائر.
وقال الباحث بمركز كارنيغي، محمد مصباح، إن "التهميش هو البنية التحتية التي يتغذى منها التطرف، ولكنه شرط غير كاف، إذ يكون هناك نشاط فكري واجتماعي تقوم به الجماعات المتطرفة لتأطير هذا التهميش الذي تعيش على وقعه شريحة من المجتمع".
وأوضح أن ظاهرة التطرف بالمغرب تظهر بأحياء المدن الكبرى المهمشة التي لا تستفيد من توزيع الثروات، معتبراً أن الشباب الذي يكون عرضة للتطرف يعيش على هامش المجتمع، ولا يمتلك قناعات فكرية، ويشتغل في مهن بسيطة تتميز بالطابع غير المنظم، بالإضافة إلى غياب استيعاب هؤلاء الشباب في سوق العمل.
اقرأ أيضاً:"رضا" الملك يثير جدلاً بين المعارضة والحكومة في المغرب
وتطرق الباحث التونسي، هادي يحمد، إلى استعراض بدايات ظهور السلفية الجهادية في تونس، خصوصاً بعد أحداث الربيع العربي التي انطلقت من هذا البلد المغاربي، مؤكداً أن عدد الخلايا الجهادية في تونس يتزايد باستمرار ويهدد العملية الديمقراطية في البلاد.
وأفاد الباحث التونسي أن قرب تونس من ليبيا يجعل الأوضاع غير مستقرة، نظراً لتهريب الأسلحة، ووجود مقاتلين تونسيين في بعض الخلايا الليبية، "والتي يمكن أن تنقل المعركة إلى الداخل التونسي في أي لحظة" وفق تعبيره.
أما الباحث المصري، جورج فهمي، الباحث بمركز كارنيغي، فاعتبر أن أسباب توجه بعض الشباب بمصر إلى سورية للقتال، متنوعة، واستدل ببعض النتائج والخلاصات التي توصل إليها من خلال دراسة ميدانية أنجزها في مصر، وسط السلفيين الجهاديين.
وأوضح فهمي أنه من بين الخلاصات أن الجهاديين ليسوا بالضرورة متدينين سابقين، معتبراً أن الدوافع يمكن أن تكون مأساة شخصية، مثل وفاة قريب خلال مظاهرات، أو فشل في مشروع سياسي، أو الوضع الاجتماعي مثل البطالة، أو حتى لأسباب عاطفية شخصية.
اقرأ أيضاً:مصر: الارتخاء الأمني استراتيجية "ولاية سيناء"
وتوقف الباحث المغربي، إدريس الكنبوري، عند مفهوم المركز والأطراف، حيث قال إن الهامش قد لا يكون دائماً هامشاً بالمعنى السوسيولوجي، بل قد يكون هامشاً ثقافياً أو دينياً، موضحاً أن السلفية الجهادية تعتبر هامشاً بالنسبة إلى ما يُسمّى بالإسلام الرسمي الذي تمثله الدولة والعلماء.
ولفت الباحث إلى معطيات المقاتلين المغاربة في العراق الذين ينحدرون في أغلبيتهم من منطقة الشمال، حيث أعطى تفسيراً سياسياً واقتصادياً، مؤكداً أن الشمال كان دائماً على الهامش مقابل الدولة المركزية، منذ أحداث الريف 1958، وأن الكثير من الانتفاضات والتمردات الاجتماعية نبعت من تلك المنطقة، التي كانت مرتبطة ثقافياً ولغوياً واقتصادياً بإسبانيا.
واسترسل الكنبوري بأنه من الناحية التاريخية كانت المنطقة مهداً للحركات الراديكالية أو المتشددة، مثل الخوارج، مروراً بتجربة عبد الكريم الخطابي. وقال إن داعش تقدم لأول مرة للجهاديين أمراً لم يألفوه مع تنظيم القاعدة، وهو مفهوم الدولة وبقعة جغرافية محددة، بينما كانت القاعدة تربطهم بفكرة مثالية غير ملموسة على الأرض.
وقدمت الباحثة الليبية، رحاب الحاج، ورقة حول ظاهرة السلفية الجهادية في ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي، وقالت إن الفوضى التي حصلت بعد سقوط النظام القديم فتحت المجال أمام العديد من الحركات والجماعات المتطرفة المسلحة، التي ترتبط بالبنية القبلية في ليبيا، بحيث تحاول كل قبيلة الحصول على موقع لها في السلطة.
وأوضحت الباحثة أن حركة "فجر ليبيا" تضم العديد من الفروع، من بينها الإخوان المسلمون، والمعارضون السابقون لنظام القذافي، والسلفيون الجهاديون المتشددون، مشيرة إلى أنها جماعة غير متجانسة، كما تطرقت إلى التدخل غير المباشر لبعض البلدان العربية والخليجية في النزاع القائم في ليبيا.
اقرأ أيضاً:"النهضة" ومواجهة الجماعات الجهادية: سحب الشرعية لعزلها