خديجة صالح، فلسطينية لاجئة في لبنان، لم تعد تتذكر عمرها. أكثر ما تذكره هو الألم الذي عاشته منذ خرجت من أرضها وحتى اليوم. وأكثر ما يحزنها أنها لن تُدفن في أرضها على غرار الكثير من الفلسطينيين
ربّما هي في العقد التاسع من العمر. ليست متأكّدة تماماً. لكنّ علامات التعب والسنين الطويلة تركت بصماتها على وجهها. تقول إنّ مرارة الحياة أنستها كم تبلغ من العمر. بالكاد تستطيع الكلام اليوم. الصمت صار صديقها منذ زمن طويل، خصوصاً أنها تعيش وحيدة في بيتها بعدما توفي زوجها.
لم تنجب الأطفال وعاشت وحيدة طوال حياتها. واليوم، تشعر بالأسى واللوعة. عيناها متعبتان، تكاد تقرأ فيهما كل الحزن الذي ألم بها بعدما لجأت إلى لبنان.
صحيح أنها لم تعد تتذكر عمرها، لكنّ يوم خروجها من فلسطين لاجئة حين كانت في عمر الصبا، ما زال حاضراً في ذاكرتها. كانت تذهب مع والدها إلى البستان لتساعده في قطاف الزيتون والليمون. كان والدها مزارعاً في أرضه، ولم يكن أجيراً يسعى إلى رزقه لدى الآخرين. تشتاق إلى تلك الأيام، هي التي اعتادت وشقيقها مساعدة والدهما في الأرض. تذكر أن جميع أفراد العائلة كانوا سعداء في ذلك الوقت كونهم في أرضهم ويعيشون من خيراتها بأمن وأمان.
اقــرأ أيضاً
خديجة مصطفى صالح فلسطينية من بلدة الزيب. تقول: "لم أعد أذكر تفاصيل ما حدث حين خرجنا من بلدنا. لكن أذكر أنني كنت في عمر الصبا، وخرجنا بعدما هجم الصهاينة على بلدتنا خوفاً من قتلنا. في ذلك الوقت خفنا كثيراً، ولم نستطع حمل أمتعتنا معنا وجئنا إلى لبنان. لم أعد أتذكّر أسماء الأماكن التي توجهنا إليها، لكنّني أعلم أنني أعيش حالياً في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا (جنوب لبنان)، في بيت متواضع جداً". تضيف: "أعيش وحيدة بين جدران أربعة، بعدما كنت طليقة وحرة وسعيدة بين أشجار الليمون والزيتون".
في فلسطين، كنت وشقيقي نذهب مع والدي إلى البستان للعمل معه ومساعدته. كان ذلك الوقت بالنسبة لنا أحبّ الأوقات. لكنّ اليوم لا أرى النور والضوء، من دون أن أشمّ رائحة الليمون. تتابع: "ليس لدي عائلة. تزوجت ولم أرزق بالأولاد. عشت وحيدة، ولم أجد من يؤنسني بعد وفاة زوجي. مات زوجي نتيجة المرض وتركني ولم يعد أحد يسأل عني".
الدموع في عينيها لا تنتظر. تسقط من عينيها بمجرد أن تبدأ الكلام. تحكي عمّا عاشته بالكثير من اللوعة والحسرة، هي التي تعيش وحيدة في بلد ليس بلدها، وبعيدة عن تراب الوطن الذي كانت تشعر فيه بالأمان. تضيف: "أذكر تلك الخيام التي عشنا فيها عندما وصلنا إلى عين الحلوة. تلك الأيام كانت مليئة بالقهر والذل وما زالت. كان علينا أن نعيش مع بعضنا بعضاً، ونتشارك المرحاض نفسه وحنفية (صنبور) المياه. وكان علينا أن نعيش في خيمة بالكاد تسعنا، تغمرها المياه في أيام الشتاء فنغرق في الوحل، أو تطير جنباتها مع هبوب الرياح، فنغدو في العراء.
خديجة ليست الفلسطينية الوحيدة التي تشعر بالانكسار في داخلها، بل عدد كبير من الفلسطينيين الذين أجبرهم اللجوء على تجرع مرّ الحياة وذلها. تقول خديجة: "خرجت صبية من فلسطين، واليوم صرت طاعنة في السن وعلى جسدي كتبت كل مرارة الأيام التي عشتها". تدرك أن حياتها شارفت على الانتهاء. لكن ما يحرق قلبها أنها لو ماتت، لن تدفن في تراب تلك الأرض التي كانت تعمل فيها وتقطف ثمارها وتلعب وشقيقها في ترابها. تقول إن "السماء كانت
تضحك لنا على الدوام. مات أهلي وزوجي غرباء غطاهم تراب غريب عنهم. حتى السماء هنا غريبة لا تشبه سماءنا في فلسطين. كأن السماء هنا لم تعد تشمّ رائحة أشجار الليمون".
اقــرأ أيضاً
تشير إلى أنّ السنوات كانت طويلة جداً. وقد بات شبه جليّ بالنسبة إليها بأن الفلسطيني سيظلّ لاجئاً إلى أجل غير مسمى. لم تعد تؤمن أن العودة قريبة كما في السابق. "الهموم لن تزول بل ستستمر. الكثير من الأطفال والشباب الذين هُجّروا من فلسطين دُفنوا في أرضٍ ليست أرضهم". تحاول خديجة أن تحبس دمعة في عينيها. ويمكن للناظر إليهما رؤية الأسى واللوعة. حتى اليوم، ما زالت تسأل: "متى ينتهي اللجوء الذي قضى على كل شيء جميل فينا؟ سرقت الأرض وهُجّر الفلسطينيون وماتوا في الغربة ولم يدفنوا معهم رائحة الوطن".
ما تشعر به خديجة لا يخصها وحدها. الألم مشترك وبينها وبين الكثير من الفلسطينيين الذين لم يفارقهم الشعور بالألم والغربة، والذين ما زالوا يحلمون بالعودة إلى أرضٍ سمعوا عنها الكثير، أو حفظوا منها ذكريات ولو قليلة.
تُدرك أنّ الموت بات قريباً، وأنّ احتمال العودة بعيد. لذلك، تشعر بالحسرة لأنها لم تعرف الفرح مذ غادرت بلدها مرغمة، ولم تستطع التأقلم في البلد الجديد، طوال هذا الوقت، خصوصاً أنها عاشت ظروفاً قاسية للغاية.
لم تنجب الأطفال وعاشت وحيدة طوال حياتها. واليوم، تشعر بالأسى واللوعة. عيناها متعبتان، تكاد تقرأ فيهما كل الحزن الذي ألم بها بعدما لجأت إلى لبنان.
صحيح أنها لم تعد تتذكر عمرها، لكنّ يوم خروجها من فلسطين لاجئة حين كانت في عمر الصبا، ما زال حاضراً في ذاكرتها. كانت تذهب مع والدها إلى البستان لتساعده في قطاف الزيتون والليمون. كان والدها مزارعاً في أرضه، ولم يكن أجيراً يسعى إلى رزقه لدى الآخرين. تشتاق إلى تلك الأيام، هي التي اعتادت وشقيقها مساعدة والدهما في الأرض. تذكر أن جميع أفراد العائلة كانوا سعداء في ذلك الوقت كونهم في أرضهم ويعيشون من خيراتها بأمن وأمان.
خديجة مصطفى صالح فلسطينية من بلدة الزيب. تقول: "لم أعد أذكر تفاصيل ما حدث حين خرجنا من بلدنا. لكن أذكر أنني كنت في عمر الصبا، وخرجنا بعدما هجم الصهاينة على بلدتنا خوفاً من قتلنا. في ذلك الوقت خفنا كثيراً، ولم نستطع حمل أمتعتنا معنا وجئنا إلى لبنان. لم أعد أتذكّر أسماء الأماكن التي توجهنا إليها، لكنّني أعلم أنني أعيش حالياً في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا (جنوب لبنان)، في بيت متواضع جداً". تضيف: "أعيش وحيدة بين جدران أربعة، بعدما كنت طليقة وحرة وسعيدة بين أشجار الليمون والزيتون".
في فلسطين، كنت وشقيقي نذهب مع والدي إلى البستان للعمل معه ومساعدته. كان ذلك الوقت بالنسبة لنا أحبّ الأوقات. لكنّ اليوم لا أرى النور والضوء، من دون أن أشمّ رائحة الليمون. تتابع: "ليس لدي عائلة. تزوجت ولم أرزق بالأولاد. عشت وحيدة، ولم أجد من يؤنسني بعد وفاة زوجي. مات زوجي نتيجة المرض وتركني ولم يعد أحد يسأل عني".
الدموع في عينيها لا تنتظر. تسقط من عينيها بمجرد أن تبدأ الكلام. تحكي عمّا عاشته بالكثير من اللوعة والحسرة، هي التي تعيش وحيدة في بلد ليس بلدها، وبعيدة عن تراب الوطن الذي كانت تشعر فيه بالأمان. تضيف: "أذكر تلك الخيام التي عشنا فيها عندما وصلنا إلى عين الحلوة. تلك الأيام كانت مليئة بالقهر والذل وما زالت. كان علينا أن نعيش مع بعضنا بعضاً، ونتشارك المرحاض نفسه وحنفية (صنبور) المياه. وكان علينا أن نعيش في خيمة بالكاد تسعنا، تغمرها المياه في أيام الشتاء فنغرق في الوحل، أو تطير جنباتها مع هبوب الرياح، فنغدو في العراء.
خديجة ليست الفلسطينية الوحيدة التي تشعر بالانكسار في داخلها، بل عدد كبير من الفلسطينيين الذين أجبرهم اللجوء على تجرع مرّ الحياة وذلها. تقول خديجة: "خرجت صبية من فلسطين، واليوم صرت طاعنة في السن وعلى جسدي كتبت كل مرارة الأيام التي عشتها". تدرك أن حياتها شارفت على الانتهاء. لكن ما يحرق قلبها أنها لو ماتت، لن تدفن في تراب تلك الأرض التي كانت تعمل فيها وتقطف ثمارها وتلعب وشقيقها في ترابها. تقول إن "السماء كانت
تضحك لنا على الدوام. مات أهلي وزوجي غرباء غطاهم تراب غريب عنهم. حتى السماء هنا غريبة لا تشبه سماءنا في فلسطين. كأن السماء هنا لم تعد تشمّ رائحة أشجار الليمون".
تشير إلى أنّ السنوات كانت طويلة جداً. وقد بات شبه جليّ بالنسبة إليها بأن الفلسطيني سيظلّ لاجئاً إلى أجل غير مسمى. لم تعد تؤمن أن العودة قريبة كما في السابق. "الهموم لن تزول بل ستستمر. الكثير من الأطفال والشباب الذين هُجّروا من فلسطين دُفنوا في أرضٍ ليست أرضهم". تحاول خديجة أن تحبس دمعة في عينيها. ويمكن للناظر إليهما رؤية الأسى واللوعة. حتى اليوم، ما زالت تسأل: "متى ينتهي اللجوء الذي قضى على كل شيء جميل فينا؟ سرقت الأرض وهُجّر الفلسطينيون وماتوا في الغربة ولم يدفنوا معهم رائحة الوطن".
ما تشعر به خديجة لا يخصها وحدها. الألم مشترك وبينها وبين الكثير من الفلسطينيين الذين لم يفارقهم الشعور بالألم والغربة، والذين ما زالوا يحلمون بالعودة إلى أرضٍ سمعوا عنها الكثير، أو حفظوا منها ذكريات ولو قليلة.
تُدرك أنّ الموت بات قريباً، وأنّ احتمال العودة بعيد. لذلك، تشعر بالحسرة لأنها لم تعرف الفرح مذ غادرت بلدها مرغمة، ولم تستطع التأقلم في البلد الجديد، طوال هذا الوقت، خصوصاً أنها عاشت ظروفاً قاسية للغاية.