يشير التجاوب السريع الذي أظهره رئيس النظام السوري، بشار الأسد، مع خطة المبعوث الأممي الخاص إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، إلى الطبيعة المحدودة لهذه المبادرة، والتي إن لم تنفع النظام فلن تضرّه؛ في حين يكرس تطبيقها جملة من المعطيات التي تفيد تحويل الصراع في سورية من طبيعته السياسية، وجوهرها إزاحة النظام، إلى خطوة مرحلية أخرى تكرس الوضع الراهن وتشرعنه، دون أن تفتح أفقاً حقيقياً لحل شامل ونهائي.
واعتبر الأسد بعد اجتماعه مع دي ميستورا أن مبادرته المتعلقة "بتجميد" القتال في حلب "جديرة بالدراسة وبمحاولة العمل عليها لأجل بلوغ أهدافها التي تصب في عودة الأمن الى مدينة حلب".
وبحسب التلفزيون السوري، فإن الأسد اطلع من دي ميستورا على النقاط الأساسية وأهداف مبادرته بتجميد القتال في حلب، وعبر "عن أهمية مدينة حلب وحرص الدولة على سلامة المدنيين في كل بقعة من الأرض السورية"، متناسياً القصف المستمر من جانب قواته وطائراته للمدينة، والذي يوقع يومياً قتلى وجرحى في صفوف المدنيين.
وكان مبعوث الأمم المتحدة قدم في 31 أكتوبر/ تشرين الأول "خطة تحرك" بشأن الوضع في سورية إلى مجلس الأمن الدولي، تقضي "بتجميد" القتال في بعض المناطق وبالأخص مدينة حلب للسماح بنقل مساعدات والتمهيد لمفاوضات.
وبحسب التلفزيون فقد "تم الاتفاق خلال اللقاء على أهمية تطبيق قراري مجلس الأمن 2170 - 2178 وتكاتف جميع الجهود الدولية من أجل محاربة الإرهاب في سورية والمنطقة والذي يشكل خطراً على العالم بأسره".
وكان دي ميستورا أجرى، الأحد، محادثات مع زير الخارجية السوري، وليد المعلم، تناولت اقتراح "تجميد" القتال في مدينة حلب، وصفت بالبناءة.
هذا الترحيب المبدئي من جانب النظام بالأفكار التي يحملها دي ميستورا، وإن كان يكشف عن "تلهف" النظام للتعاطي مع أي طرح سياسي لا يتحدث عن إزاحة الأسد، من المشهد السياسي بوصفه مجرد مطية لإعادة تأهيل النظام على المستوى الدولي، لا يخفي مخاوف وهواجس النظام بأن يكون الاقتراح مجرد "فخ" لاستدراجه إلى مربعات جديدة تجعله في النهاية مجرد طرف في صراع متشعب، ويكون مطالباً في كل مرحلة بتنازلات جديدة.
وفي سعيه لـ"تحصين موقفه"، رفض النظام بداية إقامة منطقة عازلة أو "آمنة" على الأراضي السورية، وهو الاقتراح الذي قدمته تركيا، معتبراً أن ذلك انتقاص من "السيادة الوطنية"، وأن هذه المنطقة ستوفر ملاذاً آمناً للمعارضين الذين يقاتلون قوات النظام.
كما أن خطة المبعوث الدولي التي لا تندرج تحت أي مسمى قانوني دولي، كالمنطقة الآمنة أو مناطق منزوعة السلاح، تحتاج الى إيضاحات لحدودها وآليات تطبيقها. وقد طرح هذه التساؤلات وزير المصالحة الوطنية، علي حيدر، متسائلاً "هل الخطة مجرد تجميد الوضع الراهن أم تتضمن السير في عمليات مصالحة على مستوى المناطق، وصولاً إلى إخلاء هذه المناطق من السلاح والمسلحين والإرهاب والإرهابيين"، مضيفاً "لا نستطيع أن نتكلم عن مناطق فيها سلاح غير سلاح الدولة السورية".
ورأى مراقبون أن ما يطرحه المبعوث الدولي يندرج في سياق محاولات سابقة شارك فيها فريق الأمم المتحدة لوضع حدّ للقتال في مدينة حلب، لكن جهود ذلك الفريق لم تسفر عن أي اتفاق آنذاك، وأن كانت خطة دي ميستورا، هذه المرة أكثر طموحاً، وتذهب إلى حد تحييد المدينة بأكملها، وليس فقط شطرها الشرقي.
وفي هذا الإطار، قال حيدر إن "الوصول إلى حلب الكبرى خالية من السلاح والمسلحين، يشكل بالتالي مصالحة محلية على مستوى المنطقة ككل تبدأ بوقف العمليات العسكرية، وتسليم السلاح، وتسوية أوضاع المسلحين، وخروج المسلحين".
بدورها، سارعت المعارضة السورية، بشقها العسكري ممثلاً برئيس المجلس العسكري في حلب، العميد زاهر الساكت، إلى وضع أربعة شروط للموافقة على هذه الخطة، وهي انسحاب جميع الميليشيات الأجنبية خارج سورية، ووقف القصف اليومي لقوات النظام على المدينة خاصة عبر البراميل المتفجرة وتسليم المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيماوية للمحكمة الدولية، وإطلاق سراح جميع المعتقلين لدى النظام وخاصة النساء.
ونفى الساكت، أن تكون قوات المعارضة في حلب في وضع صعب، معتبراً ذلك مجرد شائعات من قبل النظام تدخل في إطار الحرب النفسية، وأن الوضع العسكري للنظام هو السيئ وليس العكس.