13 أكتوبر 2024
خطوة قطرية إنسانية
حسان الأسود
كاتب ومحامٍ وحقوقي سوري، المديرالسابق للهيئة السورية للعدالة والمحاسبة، مقيم في ألمانيا.
بإصدارها قانون اللجوء السياسي، تخطو دولة قطر وشعبها خطوةً جديدة على درب الإنسانيّة، وبذلك تكون قطر الدولة العربية الثالثة، بعد العراق والسودان، التي تسنّ تشريعاً خاصّاً ينظّم مسألة اللجوء على أراضيها. ففي سبتمبر/ أيلول من عام 2018، أصدر أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، القانون الذي سنّ حقّ اللجوء. وفي 21 مايو/ أيار عام 2019، أصدر مجلس الوزراء القطري القرارين رقمي 12 و13 اللذين نُظّمت بموجبهما هذه المسألة، وتحدّدت الفئات المشمولة بأحكامهما والشروط الواجب توفرها في أوضاعهم للحصول على هذا الحق.
تُعبّر الحكومة القطريّة بإصدارها هذا القانون عن سعيها الحثيث إلى الالتزام بالمعاهدات والمواثيق الدوليّة، وهذا الأمر يُحسب لها في ظلّ حالة التردّي المرعبة التي وصلت إليها الأوضاعُ السياسيّة والأمنية في دول المنطقة العربيّة وما جاورها من دول أخرى. وإذا نظرنا خصوصاً إلى أوضاع حقوق الإنسان هناك، نجد أنّها في الحضيض، جرّاء الانتهاكات الخطيرة التي تتعرّض لها الشعوب، والتي يعيشُ أبناؤها تحت سياط جلّاديها، جرّاء ممارسات أنظمة الحكم الشمولية والدكتاتورية هناك، وهذا ما يزيد من قيمة هذا الإجراء بما سيتيحه للمظلومين والهاربين من بلادهم من فرصٍ للحصول على الأمان والاستقرار في بلد عربي مستقر، يسعى، بكلّ قواه، إلى أن يكون بلد مواطنة وعدالة يسوده القانون.
تأتي هذه القرارات إذاً ضمن مرحلة سياسية حرجة تمرّ بها شعوب المنطقة، ولعل الإحساس بالظلم الذي يشعر به القطريّون جرّاء الحصار الجائر المفروض عليهم من إخوة الدم والمصير قد سرّع في تهيئة المناخات وإنضاج الظروف التي ساعدت على إنجاز هذا التطوّر الكبير في المجالين، السياسي والقانوني، اللذين يحملان، في الوقت نفسه، الطابع الإنساني الواضح.
وبحسب قانون "تنظيم اللجوء السياسي في قطر"، وقراري مجلس الوزراء القطري بهذا الشأن، يتمتّع اللاجئ السياسي بإمكانية استقدام زوجته وأفراد أسرته من الدرجة الأولى، بشرط ألا
يجاوز عمر أولاد اللاجئ الذين سيتم استقدامهم 18 عاماً، وتلقي إعانة مالية شهرية، إلى حين توافر فرصة عمل له. كما يحق للاجئ السياسي الحصول على وثيقة سفر، بحسب القانون، ما لم تكن هناك أسباب تتصل بالأمن الوطني أو النظام العام تحول دون ذلك، ولا يجوز للاجئ السياسي أو أي من أفراد أسرته البقاء خارج البلاد أكثر من ستة أشهر متصلة. ويتمتع بحريات التنقل والسفر، والعبادة وممارسة الشعائر الدينية، وحق التقاضي.
وتعرّف اتفاقيّة جنيف لعام 1951 اللاجئ بأنّه "كل شخص فرّ من بلده بسبب خوف له ما يبرّره من التعرض للاضطهاد على أساس أحد الأسباب الخمسة التالية: العنصر أو الدين أو القومية أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة أو إلى رأي سياسي". واعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش الخطوة القطرية "خطوة كبيرة إلى الأمام، في منطقةٍ غنيةٍ، أغلقت أبوابها تاريخيا في وجه اللاجئين"، لكنها انتقدت بعض القصور في القانون، فتمنت "على قطر أن تذهب أبعد من ذلك، وأن تعدّل القانون ليتماشى بالكامل مع التزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين". واعتبرت منظمة العفو الدولية إصدار قطر قانوناً بشأن اللجوء السياسي "خطوة إيجابية أضعفتها بعض الجوانب الإشكالية".
ولا تقلّل هذه الانتقادات من أهميّة قانون تنظيم اللجوء في قطر، وستكون أمام القطريين الفرصة المناسبة لتلافي النواقص التي انتقدتها المنظمات الدولية، من خلال الممارسة العملية. والمعروف أنّ أي قانون لا يكون مُحكماً ولا كاملاً، بل تعتريه دوماً بعض الشوائب، أو تعترضه بعض الإشكاليات والعيوب أو النواقص والمثالب. وهذه المسائل يتمّ عادة تلافيها من خلال اجتهادات المحاكم التي تطبّق هذه القوانين، ومن خلال تشريعاتٍ لاحقة تعدّل النصوص المعيبة.
وسيكون لهذا القانون تأثير كبير على أوضاع مظلومين كثيرين في العالم العربي، وستكون لقطر المكانة الرائدة في تقديم الحماية لهم من عَسف سلطات بلادهم، وسيرفع هذا الأمر من مكانة قطر في عيون كل العرب، وستكون كما هي تريد لنفسها أن تكون، كعبة المضيوم.
تأتي هذه القرارات إذاً ضمن مرحلة سياسية حرجة تمرّ بها شعوب المنطقة، ولعل الإحساس بالظلم الذي يشعر به القطريّون جرّاء الحصار الجائر المفروض عليهم من إخوة الدم والمصير قد سرّع في تهيئة المناخات وإنضاج الظروف التي ساعدت على إنجاز هذا التطوّر الكبير في المجالين، السياسي والقانوني، اللذين يحملان، في الوقت نفسه، الطابع الإنساني الواضح.
وبحسب قانون "تنظيم اللجوء السياسي في قطر"، وقراري مجلس الوزراء القطري بهذا الشأن، يتمتّع اللاجئ السياسي بإمكانية استقدام زوجته وأفراد أسرته من الدرجة الأولى، بشرط ألا
وتعرّف اتفاقيّة جنيف لعام 1951 اللاجئ بأنّه "كل شخص فرّ من بلده بسبب خوف له ما يبرّره من التعرض للاضطهاد على أساس أحد الأسباب الخمسة التالية: العنصر أو الدين أو القومية أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة أو إلى رأي سياسي". واعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش الخطوة القطرية "خطوة كبيرة إلى الأمام، في منطقةٍ غنيةٍ، أغلقت أبوابها تاريخيا في وجه اللاجئين"، لكنها انتقدت بعض القصور في القانون، فتمنت "على قطر أن تذهب أبعد من ذلك، وأن تعدّل القانون ليتماشى بالكامل مع التزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين". واعتبرت منظمة العفو الدولية إصدار قطر قانوناً بشأن اللجوء السياسي "خطوة إيجابية أضعفتها بعض الجوانب الإشكالية".
ولا تقلّل هذه الانتقادات من أهميّة قانون تنظيم اللجوء في قطر، وستكون أمام القطريين الفرصة المناسبة لتلافي النواقص التي انتقدتها المنظمات الدولية، من خلال الممارسة العملية. والمعروف أنّ أي قانون لا يكون مُحكماً ولا كاملاً، بل تعتريه دوماً بعض الشوائب، أو تعترضه بعض الإشكاليات والعيوب أو النواقص والمثالب. وهذه المسائل يتمّ عادة تلافيها من خلال اجتهادات المحاكم التي تطبّق هذه القوانين، ومن خلال تشريعاتٍ لاحقة تعدّل النصوص المعيبة.
وسيكون لهذا القانون تأثير كبير على أوضاع مظلومين كثيرين في العالم العربي، وستكون لقطر المكانة الرائدة في تقديم الحماية لهم من عَسف سلطات بلادهم، وسيرفع هذا الأمر من مكانة قطر في عيون كل العرب، وستكون كما هي تريد لنفسها أن تكون، كعبة المضيوم.
حسان الأسود
كاتب ومحامٍ وحقوقي سوري، المديرالسابق للهيئة السورية للعدالة والمحاسبة، مقيم في ألمانيا.
حسان الأسود
مقالات أخرى
13 سبتمبر 2024
23 اغسطس 2024
11 اغسطس 2024