يعيش مجلس الوزراء المصري حالة من التخبط بسبب تأخر إتمام التعديل الوزاري الذي وجه به رئيس الجمهورية، عبدالفتاح السيسي، مطلع الشهر الماضي. ولم يكن متوقعاً أن يحل شهر فبراير/شباط الحالي دون أن يتسلم الوزراء الجدد مهامهم. وهذا التأخير ينعكس سلباً على أداء العديد من الوزراء الحاليين، إذ تتنازعهم المعلومات المتداولة بين بقائهم ورحيلهم، مما يعرقل اتخاذ القرارات وتنفيذ الخطط الموضوعة سلفاً.
وتقول مصادر مطلعة بمجلس الوزراء إن السبب الرئيس لتأخير التعديل الوزاري لا يتمثل بالاعتذارات الكثيرة التي أعلن عنها سلفاً رئيس الحكومة، شريف إسماعيل، بل بتباين تقارير الأداء التي أعدتها الجهات الرقابية والأجهزة الأمنية للنظام حول الوزراء المرشحين للتغيير، إلى حد وصف أحد المصادر ذلك بأن "كل جهاز يعد تقريراً يعكس رؤية شخصية ذاتية جداً لأداء كل وزير، مما يفقد هذه التقارير موضوعيتها".
وفي المقابل، أعد جهاز الاستخبارات تقريراً آخر عن راشد يشيد فيه بأدائه وتصديه للفساد ومحاولته السيطرة على المستثمرين من خلال التحكم في الغرف السياحية وتقليص مساحات حركتها وتعاونها مع الشركات والجهات الأجنبية. وأوصى باستمراره في حالة الإصرار على بقاء حقيبة متخصصة للسياحة.
والمثال الثاني لوزير التعليم، هلالي الشربيني. وأوصت الأجهزة الأمنية بإقالته نظراً لعدم كفاءته في إدارة أزمة امتحانات الثانوية العامة الماضية، وتسببه في بعض المشاكل مع المعلمين، وافتقار أدائه للحلول غير الاعتيادية، وتراخيه مع إدارات المدارس المتهمة بالانتماء لجماعة "الإخوان المسلمين" والمتحفظ عليها. وفي المقابل، أوصى جهاز الرقابة الإدارية باستمرار الشربيني لحين ظهور نتائج نظام الثانوية العامة الجديد الذي سيطبق منتصف العام الجاري. وأشاد الجهاز بنظافة يد الشربيني وحرصه على مال الدولة، وتصرفه بشكل جيد في أزمة طباعة الكتب الدراسية التي كادت أن تكلف خزانة الدولة عشرات الملايين من الجنيهات بسبب زيادة أسعار الأوراق والحبر وتكاليف الطباعة.
والمثال الثالث لوزير شؤون مجلس النواب، مجدي العجاتي. وهناك عدة تقارير تفيد بعدم صلاحيته للاستمرار نظراً لصدامه الدائم مع وزير العدل، حسام عبدالرحيم، الذي يحظى بثقة السلطة بسبب علاقته الطيبة بالقاضي، أحمد السيسي، شقيق رئيس النظام المصري، والذي ينفذ سياسات النظام المتشددة في تضييق الخناق على قضاة تيار "الاستقلال" ووضع تشريعات لمحاربة التيارات الإسلامية والسياسية المعارضة وأبرزها مشروع قانون لجنة التحفظ على أموال الجماعات "الإرهابية". لكن العجاتي يعارض بعض هذه المشاريع بدعوى أنها تتضمن عيوباً دستورية. كذلك، تسلط بعض التقارير الضوء على فشل العجاتي في إدارة ملف قضية جزيرتي تيران وصنافير أمام محاكم مجلس الدولة. وفي المقابل، أوصى جهاز الاستخبارات، الذي كان العجاتي يعمل مستشاراً قانونياً له على مدار 30 عاماً، باستمراره في الوزارة نظراً لكفاءته القانونية والإدارية وتقديمه نصائح صائبة للحكومة أنقذتها من الحرج أمام الرأي العام والقضاء.
وتوضح المصادر أن "التباين الشديد في تقارير الأجهزة يربك حسابات رئيس الوزراء الذي ليس بيده شيء إلا مقابلة المرشحين للحقائب ورفع تقارير عنهم لرئيس الجمهورية". وتؤكد أن وجود عناصر من جهازي الرقابة الإدارية والاستخبارات العامة في كل وزارة بحسب التعليمات الجديدة للسيسي خفضت من صلاحيات الوزراء بشكل واضح، كما قلصت صلاحيات رئيس الوزراء تجاه وزرائه. وبات الوزراء مدركين أن قرار بقائهم أو رحيلهم ليس بيد رئيس الحكومة وليس لأسباب فنية أو إدارية بقدر التقييم الأمني والرقابي لجهازي الاستخبارات والرقابة الإدارية.
وتضيف المصادر أنه على عكس ما يتداول في وسائل الإعلام المصرية، فإن رئيس الحكومة لم يتلق توجيهات من السيسي بالبدء في مشاورات التعديل الوزاري إلاّ عندما قال السيسي ذلك في حواره مع ثلاث صحف محلية في 16 و17 يناير/كانون الثاني الماضي. وتتابع أن رئيس الحكومة كان يعتقد قبل هذا التاريخ أنه نفسه سيكون في عداد الراحلين بتعيين رئيس جديد للحكومة بعد مرور ذكرى ثورة "25 يناير"، وهو ما يعكس ضعف التواصل بين السيسي وشريف إسماعيل على هذا المستوى من القرارات، على الرغم من أنهما يجتمعان 4 مرات أسبوعياً.
وكان إسماعيل أعلن عدة مواعيد لتقديم بيان بالوزراء الجدد إلى مجلس النواب من أجل إقرار التعديل، غير أنه تراجع عن جميع هذه المواعيد، ولم يعد معروفاً متى سيوافق السيسي بشكل نهائي على المرشحين للحقائب الوزارية.