انفض اجتماع الدوحة، أخيراً، دون تحقيق الهدف منه، وهو الاتفاق على تجميد سقف الإنتاج لدول أعضاء أوبك وغيرهم من منتجي النفط خارج المنظمة، ولم يكن سبب فشل المؤتمر يخفى على أحد، حيث إن الصراع السعودي الإيراني أدى إلى تشدد كل طرف في تبني وجهة نظره.
وتحرص كل من إيران والسعودية على أن تحقق نصراً بإخضاع إحداهما الأخرى، فما زالت السعودية ترى من خلال حصتها الإنتاجية البالغة نحو 10 ملايين برميل يومياً، أنها العامل المرجح لأسعار النفط، بينما ترى إيران أنها لن تدفع ثمناً لاتفاق يفوت عليها فرصة الاستفادة من رفع العقوبات والالتزام بحصص إنتاجية تضر بعوائدها النفطية، واتجهت إيران، أخيراً، لزيادة حصتها الإنتاجية لتجاوز حاجز 3.8 ملايين برميل يومياً.
وأعلنت طهران، أول من أمس، أن صادراتها النفطية تجاوزت، خلال أبريل/نيسان الماضي، مليوني برميل يومياً، رقم يصل إلى ضعف حجم الصادرات قبل رفع العقوبات في يناير/كانون الثاني الماضي، عندما كانت إمدادات النفط الإيرانية لا تتجاوز 1.1 مليون برميل يومياً.
وعلى الرغم من أن هدف مؤتمر الدوحة، كان يمثل مصلحة مشتركة لجميع الدول المنتجة للنفط في أوبك وخارجها، إلا أن حالة الصراع بين إيران والسعودية، كانت كفيلة بإفشال المؤتمر، حيث أعلنت إيران مسبقا عدم حضورها المؤتمر، لأنه يضر بمصالحها الاقتصادية، بينما على الجانب الآخر اشترطت السعودية حضور جميع أعضاء أوبك والتزامهم بما يتم الاتفاق عليه من تثبيت الإنتاج.
واعتبار النفط كآلية للصراع بين السعودية وإيران، مستهدف لاعتبارات أخرى، إلا أنه المجال الأبرز في الصراع بينهما، وللأسف فإن النتائج المترتبة على استمرار هذا الصراع سوف تفضي إلى مغارم لكلا الطرفين، وإن ظن أحدهما أنه قادر على تحقيق مغانم في نهاية الصراع.
خسائر مشتركة
ومما يمكن سرده في مغارم الطرفين في هذا الصراع، هو تفتيت جبهة البائعين في معادلة سوق النفط، لصالح جانب المستهلكين، وتكريس جعل البائعين متغيراً تابعاً في المعادلة وليس متغيراً مستقلاً، فمنذ أزمة النفط في عام 1973، لم تتبن أوبك ولا غيرها موقفاً مشابهاً يجعل من البائعين أداة ضغط، أو أداة توازن في السوق، وبالتالي سوف تستمر خسائر الدول المنتجة للنفط، ومن بينها أو على رأسها السعودية وإيران، في ظل أزمة انهيار أسعار النفط في السوق الدولية.
أيضاً، فإن استمرار حالة الإغراق التي يشهدها سوق النفط، ليست في صالح الدولتين، وسيترتب عليها استنزاف جزء كبير من ثروتهما النفطية، بلا طائل، حيث ما زالت زيادة المعروض النفطي أحد أسباب انهيار الأسعار.
وتؤدي حالة الصراع بين السعودية وإيران والعناد في ضخ المزيد من الإنتاج النفطي للسوق إلى مساعدة الدول المستهلكة للنفط، وبخاصة المتقدمة منها، إلى زيادة احتياطاتها الاستراتيجية بشكل كبير، في ضوء الأسعار المنخفضة.
اقــرأ أيضاً
بل إن الظاهرة امتدت إلى الدول الصاعدة، مثل الهند التي اتخذت قراراً، أخيراً، ببناء خزانات جديدة لتوسعة مخزونها الاستراتيجي من النفط، بل وأدى هذا الوضع إلى تفكير الهند في اتخاذ قرار بالتعامل في النفط من خلال المقايضة، بحيث تستبدل النفط الخليجي برصيدها الضخم من الحبوب، أي أن ميزة الدفع النقدي لم تعد متاحة بالصورة التي كانت عليها من قبل.
وقد ظهر التأثير المالي لأزمة النفط على اقتصاديات كل من إيران والسعودية، عبر أشكال مختلفة، مثل عجز الموازنة، أو الاقتراض المحلي، وأخيراً، إعلان الطرفين عزمهما على إصدار سندات للاقتراض الخارجي. وهو ما تخلت عنه الدولتان، منذ أكثر من عقد ونصف من الزمن، بسبب الطفرة النفطية التي بدأت في عام 2003.
وثمة تغيرات ملموسة في ضوء أزمة أسعار النفط جرت على الخطط الاقتصادية المستقبلية لكل من السعودية وإيران، وليست دعوتهما بالترحيب بالاستثمارات الأجنبية المباشرة، أو ؤ، نتيجة توجهات أيديولوجية اقتصادية، بقدر ما هي وليدة الحاجة للتمويل، وسوف يؤدي الأمر، في نهاية المطاف، إلى تغيرات اقتصادية واجتماعية سلبية في كلا البلدين.
وفي سياق متصل، فقد أدى تفويت فرصة اتفاق كل من السعودية وإيران بشأن حصصهما النفطية، إلى استمرار الصراع في باقي الملفات الأخرى، والتي تشتعل منذ فترة في دول المنطقة، فكلتا الدولتين تساهم بشكل مباشر في الحروب الأهلية المستعرة في كل من اليمن وسورية ولبنان والعراق، وبدلاً من أن يمهد اتفاق بشأن النفط للانتقال لملفات أخرى وتحقيق حالة نجاح أخرى، أدى دور كل من إيران والسعودية في فشل مؤتمر الدوحة، إلى استمرار الصراع في مختلف المجالات، بل وإمكانية التصعيد، وبخاصة في ظل مناخ دولي غير مواتٍ، سواء فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والتعافي الاقتصادي البطيء، أو في الجوانب السياسية.
وتصور كل من الطرفين بأنه المقرب والمرشح لتحقيق مصالح القوى الكبرى في الغرب وأميركا، بينما أوروبا وأميركا يمسكان بقواعد اللعبة، ووضع السعودية وإيران تحت ضغط مستمر، لا يسمح لهما بتحقيق حالة من ممارسة دور القوى الإقليمية، أو الوصول إلى مشاريع تنموية قطرية أو إقليمية بشكل سليم.
مغرم آخر يتلخص في أن الصراع السعودي الإيراني في مجال النفط، يؤدي إلى مزيد من الضعف في دور منظمة أوبك، والتي تشهد حالة من التمزق وعدم الاتفاق حول مجالات عملها، منذ فترة بسبب هذا الصراع، لقد مارست السعودية دور المناهض للموقف الإيراني في سوق النفط، قبل نجاح إيران في توقيع اتفاق حول برنامجها النووي مع مجموعة (5+1)، وبالتالي تشعر إيران بعد رفع العقوبات، أنه بإمكانها ممارسة نفس الضغوط على السعودية، وبخاصة في ظل مؤشرات نقدية ومالية شديدة السلبية، حول مستقبل أداء الاقتصاد السعودي.
استشراف مستقبل الصراع
الصراع النفطي بين السعودية وإيران، هو الصورة الظاهرة لخلافات جذرية، منها ما يتعلق بهوية النظم السياسية بينهما، أو الجوانب الأيديولوجية، وكذلك الجوانب القومية، ولكن مستقبل المنطقة، وما يعتريه من مطامع خارجية، توجب على السعودية وإيران التفاهم، حول العديد من الملفات ومن بينها النفط.
ولعل أزمة انهيار أسعار النفط بالسوق العالمية، وكذلك تراجع الوضع الاقتصادي في كل من إيران والسعودية، يدفعان إلى إعادة النظر في طبيعة هذا الصراع، الذي تحقق نتائجه مغارم لا مغانم، وما لم يستوعب الطرفان، بأنه لابد من التنازل في بعض الملفات وتقديم المصلحة الإقليمية على الاعتبارات الأخرى، فسوف يؤدي هذا الصراع إلى استنزاف ثروات البلدين، بل وغيرهما من اقتصاديات المنطقة، لتتكرر النتائج السلبية لأزمة الخليج الأولى، ولكن بشكل أكبر.
اقــرأ أيضاً
وتحرص كل من إيران والسعودية على أن تحقق نصراً بإخضاع إحداهما الأخرى، فما زالت السعودية ترى من خلال حصتها الإنتاجية البالغة نحو 10 ملايين برميل يومياً، أنها العامل المرجح لأسعار النفط، بينما ترى إيران أنها لن تدفع ثمناً لاتفاق يفوت عليها فرصة الاستفادة من رفع العقوبات والالتزام بحصص إنتاجية تضر بعوائدها النفطية، واتجهت إيران، أخيراً، لزيادة حصتها الإنتاجية لتجاوز حاجز 3.8 ملايين برميل يومياً.
وأعلنت طهران، أول من أمس، أن صادراتها النفطية تجاوزت، خلال أبريل/نيسان الماضي، مليوني برميل يومياً، رقم يصل إلى ضعف حجم الصادرات قبل رفع العقوبات في يناير/كانون الثاني الماضي، عندما كانت إمدادات النفط الإيرانية لا تتجاوز 1.1 مليون برميل يومياً.
وعلى الرغم من أن هدف مؤتمر الدوحة، كان يمثل مصلحة مشتركة لجميع الدول المنتجة للنفط في أوبك وخارجها، إلا أن حالة الصراع بين إيران والسعودية، كانت كفيلة بإفشال المؤتمر، حيث أعلنت إيران مسبقا عدم حضورها المؤتمر، لأنه يضر بمصالحها الاقتصادية، بينما على الجانب الآخر اشترطت السعودية حضور جميع أعضاء أوبك والتزامهم بما يتم الاتفاق عليه من تثبيت الإنتاج.
واعتبار النفط كآلية للصراع بين السعودية وإيران، مستهدف لاعتبارات أخرى، إلا أنه المجال الأبرز في الصراع بينهما، وللأسف فإن النتائج المترتبة على استمرار هذا الصراع سوف تفضي إلى مغارم لكلا الطرفين، وإن ظن أحدهما أنه قادر على تحقيق مغانم في نهاية الصراع.
خسائر مشتركة
ومما يمكن سرده في مغارم الطرفين في هذا الصراع، هو تفتيت جبهة البائعين في معادلة سوق النفط، لصالح جانب المستهلكين، وتكريس جعل البائعين متغيراً تابعاً في المعادلة وليس متغيراً مستقلاً، فمنذ أزمة النفط في عام 1973، لم تتبن أوبك ولا غيرها موقفاً مشابهاً يجعل من البائعين أداة ضغط، أو أداة توازن في السوق، وبالتالي سوف تستمر خسائر الدول المنتجة للنفط، ومن بينها أو على رأسها السعودية وإيران، في ظل أزمة انهيار أسعار النفط في السوق الدولية.
أيضاً، فإن استمرار حالة الإغراق التي يشهدها سوق النفط، ليست في صالح الدولتين، وسيترتب عليها استنزاف جزء كبير من ثروتهما النفطية، بلا طائل، حيث ما زالت زيادة المعروض النفطي أحد أسباب انهيار الأسعار.
وتؤدي حالة الصراع بين السعودية وإيران والعناد في ضخ المزيد من الإنتاج النفطي للسوق إلى مساعدة الدول المستهلكة للنفط، وبخاصة المتقدمة منها، إلى زيادة احتياطاتها الاستراتيجية بشكل كبير، في ضوء الأسعار المنخفضة.
بل إن الظاهرة امتدت إلى الدول الصاعدة، مثل الهند التي اتخذت قراراً، أخيراً، ببناء خزانات جديدة لتوسعة مخزونها الاستراتيجي من النفط، بل وأدى هذا الوضع إلى تفكير الهند في اتخاذ قرار بالتعامل في النفط من خلال المقايضة، بحيث تستبدل النفط الخليجي برصيدها الضخم من الحبوب، أي أن ميزة الدفع النقدي لم تعد متاحة بالصورة التي كانت عليها من قبل.
وقد ظهر التأثير المالي لأزمة النفط على اقتصاديات كل من إيران والسعودية، عبر أشكال مختلفة، مثل عجز الموازنة، أو الاقتراض المحلي، وأخيراً، إعلان الطرفين عزمهما على إصدار سندات للاقتراض الخارجي. وهو ما تخلت عنه الدولتان، منذ أكثر من عقد ونصف من الزمن، بسبب الطفرة النفطية التي بدأت في عام 2003.
وثمة تغيرات ملموسة في ضوء أزمة أسعار النفط جرت على الخطط الاقتصادية المستقبلية لكل من السعودية وإيران، وليست دعوتهما بالترحيب بالاستثمارات الأجنبية المباشرة، أو ؤ، نتيجة توجهات أيديولوجية اقتصادية، بقدر ما هي وليدة الحاجة للتمويل، وسوف يؤدي الأمر، في نهاية المطاف، إلى تغيرات اقتصادية واجتماعية سلبية في كلا البلدين.
وفي سياق متصل، فقد أدى تفويت فرصة اتفاق كل من السعودية وإيران بشأن حصصهما النفطية، إلى استمرار الصراع في باقي الملفات الأخرى، والتي تشتعل منذ فترة في دول المنطقة، فكلتا الدولتين تساهم بشكل مباشر في الحروب الأهلية المستعرة في كل من اليمن وسورية ولبنان والعراق، وبدلاً من أن يمهد اتفاق بشأن النفط للانتقال لملفات أخرى وتحقيق حالة نجاح أخرى، أدى دور كل من إيران والسعودية في فشل مؤتمر الدوحة، إلى استمرار الصراع في مختلف المجالات، بل وإمكانية التصعيد، وبخاصة في ظل مناخ دولي غير مواتٍ، سواء فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والتعافي الاقتصادي البطيء، أو في الجوانب السياسية.
وتصور كل من الطرفين بأنه المقرب والمرشح لتحقيق مصالح القوى الكبرى في الغرب وأميركا، بينما أوروبا وأميركا يمسكان بقواعد اللعبة، ووضع السعودية وإيران تحت ضغط مستمر، لا يسمح لهما بتحقيق حالة من ممارسة دور القوى الإقليمية، أو الوصول إلى مشاريع تنموية قطرية أو إقليمية بشكل سليم.
مغرم آخر يتلخص في أن الصراع السعودي الإيراني في مجال النفط، يؤدي إلى مزيد من الضعف في دور منظمة أوبك، والتي تشهد حالة من التمزق وعدم الاتفاق حول مجالات عملها، منذ فترة بسبب هذا الصراع، لقد مارست السعودية دور المناهض للموقف الإيراني في سوق النفط، قبل نجاح إيران في توقيع اتفاق حول برنامجها النووي مع مجموعة (5+1)، وبالتالي تشعر إيران بعد رفع العقوبات، أنه بإمكانها ممارسة نفس الضغوط على السعودية، وبخاصة في ظل مؤشرات نقدية ومالية شديدة السلبية، حول مستقبل أداء الاقتصاد السعودي.
استشراف مستقبل الصراع
الصراع النفطي بين السعودية وإيران، هو الصورة الظاهرة لخلافات جذرية، منها ما يتعلق بهوية النظم السياسية بينهما، أو الجوانب الأيديولوجية، وكذلك الجوانب القومية، ولكن مستقبل المنطقة، وما يعتريه من مطامع خارجية، توجب على السعودية وإيران التفاهم، حول العديد من الملفات ومن بينها النفط.
ولعل أزمة انهيار أسعار النفط بالسوق العالمية، وكذلك تراجع الوضع الاقتصادي في كل من إيران والسعودية، يدفعان إلى إعادة النظر في طبيعة هذا الصراع، الذي تحقق نتائجه مغارم لا مغانم، وما لم يستوعب الطرفان، بأنه لابد من التنازل في بعض الملفات وتقديم المصلحة الإقليمية على الاعتبارات الأخرى، فسوف يؤدي هذا الصراع إلى استنزاف ثروات البلدين، بل وغيرهما من اقتصاديات المنطقة، لتتكرر النتائج السلبية لأزمة الخليج الأولى، ولكن بشكل أكبر.