خليل التفكجي: عن حرب الاستيطان في القدس

03 يوليو 2016
توقيف فتي فلسطيني في القدس،آذار 2016، تصوير: توماس كوكس
+ الخط -

لم يبدأ الاستيطان اليهودي في القدس الشرقية العام 1948، بل قبل ذلك بنحو ربع قرن، تحديداً في عام 1924 عندما أقيمت مستوطنتا "عطروت" و"النبي يعقوب"، بالإضافة إلى "الحي اليهودي" داخل البلدة القديمة. وبعد النكبة، واحتلال الجزء الغربي من المدينة، تم نقل سكان مستوطنات القدس الشرقية الذين كانوا أقلية في المدينة إلى الشطر الغربي، بينما نقل الفلسطينيون الذين كانوا يعيشون في القدس الغربية، وقد أضحوا وقتها أقلية، إلى الجزء الشرقي من المدينة.

لكن الاستيطان في المدينة المقدسة سيكون على موعد مع نقلة جذرية إثر حرب حزيران/يونيو 1967. بعد احتلالها ما تبقى من الأرض الفلسطينية، من بينها مدينة القدس الشرقية، أقدمت إسرائيل على توسيع ما سمتها "حدود بلدية القدس" وتدشين المستوطنات في مختلف مناطقها، على أنقاض 28 مدينة وبلدة وقرية، طاولت بالإضافة إلى الأراضي المحتلة في القدس عام 1967، أراضي كانت تعتبر ضمن حدود مدن فلسطينية أخرى كبيت لحم وبيت جالا.


87 ٪ من مساحة القدس

لم تعد أملاكًا للفلسطينيين
واليوم، حسب ما يقول خليل التفكجي، مدير دائرة الخرائط ونظم المعلومات في جمعية الدراسات العربية، فإن 87% من مساحة مدينة القدس بشطريها، أصبحت "ملكًا" لإسرائيل، سواء من خلال اعتبارها أراضي خضراء، أو للمصلحة العامة، أو أراضي مصادرة، واليوم هناك في القدس الشرقية المحتلة، أكثر من 58 ألف وحدة سكنية استيطانية.

يضيف خليل التفكجي "إن الاستيطان هو عملية تثبيت وجود، وفرض أمر واقع على الأرض، لذا فخلال احتلال عام 1967، وعندما كانت الحرب قائمة، ولم يكن هناك وقف لإطلاق النار، بدأ الاحتلال الإسرائيلي بعملية التطهير العرقي في حارة المغاربة، في البلدة القديمة من القدس، في تاريخ (10 / 6 / 1967)، تمهيداً لاقتلاع سكانها وإحلال مستوطنين يهود مكانهم".

بعد ذلك مباشرة بدأت الاستراتيجية الأولى للاستيطان في القدس الشرقية، عبر ربطها بالقدس الغربية التي احتلت خلال النكبة في العام 1948، بعد مصادرة حوالي 3345 دونمًا، إذ بدأت هذه المصادرات من دون وجود مناقصات، بل بدأت جرافات الاحتلال بالعمل بشكل عاجل لإقامة الأحياء اليهودية والاستيطان البشري اليهودي في منطقة جبل المشارف، لوضع ما أطلق عليها الإسرائيليون عملية "توحيد المدينة" موضع التنفيذ.


هاجس الأغلبية والعامل السكاني

تندرج السياسة الإسرائيلية في ما يتعلق بالاستيطان، حسب التفكجي، في إطارين، الأول بالسيطرة على الأرض، والثاني بموضوع السكان وهو الإطار الذي حسم قضية "توحيد" شطري المدينة، حيث أصبحت هناك أغلبية يهودية، فهاجس "الأغلبية" و"الأقلية" هو المحور الأساسي الذي يعمل عليه الإسرائيليون للسيطرة على المدينة، وهذه الاستراتيجية وضعت في عام 1860، عندما أقيمت أولى المستعمرات اليهودية في القدس الغربية، وهو العام الذي أطلق فيه برنامج للاستيطان البشري في فلسطين لم يكن عشوائيًا، وخاصة في القدس الغربية، حيث بدأ اليهود بعملية "تثبيت أنفسهم" و"العمل العبري" من خلال إنشاء المؤسسات.

وبهذا المعنى فإن "الدولة العبرية" لم تقم في العام 1948 فجأة، بل كانت نتاج عملية سياسية منظمة قبل ذلك بنحو 88 عامًا، ومن أهم هذه المؤسسات الاستيطانية التي سبقت قيام إسرائيل؛ الصندوق القومي اليهودي ومؤسسات تعليمية مثل الجامعة العبرية.

ويؤكد رئيس دائرة الخرائط أن الاستيطان في القدس ليس ردة فعل، كما يعتقد البعض، بل جزء من استراتيجية إسرائيلية، قائمة على عمليتي الاقتلاع والإحلال في المدينة.


لجنة "جيفلي"

وتحديد نسبة الفلسطينيين في القدس
ويضيف التفكجي "في العام 1973، شكلت الحكومة الإسرائيلية بزعامة غولدا مئير لجنة سميت "لجنة جيفلي"، وضعت استراتيجية للإبقاء على نسبة السكان الفلسطينيين في القدس 22% من إجمالي عدد سكان المدينة بشطريها، ولتحقيق هذا الهدف (تقليص عدد السكان الفلسطينيين في المدينة)، قامت هذه اللجنة بعدة إجراءات، أهمها مصادرة أراضي الفلسطينيين في القدس، إذ صودر 35% من مساحة القدس الكلية بعد توسعتها في عام 1967، بحجة "المصلحة العامة"، وأقيمت عليها 15 مستعمرة إسرائيلية.

ويقول التفكجي إنه إضافة إلى مصادرة الأراضي، كإحدى سياسات تهجير الفلسطينيين من القدس لتوسيع الاستيطان، استخدم الإسرائيليون سياسات أخرى مثل سحب الهويات وهدم المنازل.

وأوضح أن إسرائيل استغلت قانون "المصلحة العامة" الذي سنّ خلال الانتداب البريطاني في عام 1943 لتسهيل مصادرتها أراضي الفلسطينيين وتحقيق المطامع الاستيطانية، ثم استغلت قانون "التنظيم والبناء" لتقنين منح تراخيص البناء للفلسطينيين في القدس، ما دفعهم إلى اللجوء للبناء خارج حدود ما تسمى "بلدية القدس"، واستغلال ذلك لسحب الهويات منهم، كون أن معظم الفلسطينيين من سكان القدس لا يحملون جنسية إسرائيلية، ولا يملكون سوى هوية إقامة مؤقتة، وفي حال ثبت أن المواطن الفلسطيني لا يسكن في حدود "بلدية القدس"، يتم سحب هويته، وليس بإمكانه بعد ذلك الإقامة في المدينة.

ويضيف التفكجي أن تنفيذ سياسة التقنين في منح تراخيص البناء للفلسطينيين في القدس، كان من خلال المماطلة لفترات طويلة قبل منح ترخيص البناء تصل إلى مدة 7 سنوات، بالإضافة إلى التكاليف الباهظة جداً لإصدارها، والتي قد تصل إلى أكثر من 50 ألف دولار أميركي.


الفلسطينيون في القدس أفشلوا المشروع الصهيوني

رغم كل تلك المعيقات والسياسات بحق الفلسطينيين في المدينة، إلا أنهم نموا سكانياً وأصبحوا اليوم يشكلون نحو 38% من عدد سكان المدينة الإجمالي (حدود بلدية القدس)، الأمر الذي أفشل المخطط الصهيوني، بحسب التفكجي.

ولا يخفي الإسرائيليون تخوفاتهم من "الحرب الديموغرافية" مع الفلسطينيين داخل المدينة، لذلك وضعوا سياسات لمواجهة النمو السكاني حتى عام 2040.

ويشير التفكجي إلى تصريح أدلى به زعيم المعارضة في إسرائيل يتسحاق هيرتسوغ، أبدى فيه تخوفه من أن يصبح رئيس "بلدية القدس"، في يوم من الأيام، عربيًا، وفي حال تحقق ذلك إلى جانب وصول نسبة السكان الفلسطينيين إلى أكثر من 55%، سيصبح من الصعب الكلام عن وحدة المدينة والحق الإسرائيلي فيها أمام المجتمع الدولي.

وحتى تتمكن إسرائيل من الحفاظ على الأغلبية اليهودية في المدينة، ولا يتحقق "كابوسها" بأن تصبح مدينة القدس ذات أغلبية فلسطينية، نفذت مشروعًا استيطانيًا ضخمًا، وهو "الجدار العنصري"، الذي يرى التفكجي أنه أقيم ليس لهدف الأمن، كما ادعت إسرائيل، بل كواحد من أدوات الحرب الديموغرافية التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين في القدس، حيث عزل هذا الجدار أكثر من 125 ألف مقدسي عن المدينة، وعدد من الأحياء الفلسطينية.


تجاوز حدود القدس

لم تكتف "إسرائيل"، حسب التفكجي، بالتوسع الاستيطاني ضمن حدود ما تسمى بـ "بلدية القدس"، بل توسعت استيطانياً إلى خارج حدود هذه البلدية لتطاول مناطق في الضفة الغربية وصلت إلى 70 كم، وذلك لتحقيق رؤية استعمارية أخرى أطلق عليها اسم القدس الكبرى (المتروبولتان) والتي تبلغ مساحتها، حسب الرؤية الإسرائيلية، نحو 10% من مساحة الضفة الغربية.

اليوم، يشير التفكجي إلى أن "إسرائيل" تهدف إلى جعل نسبة السكان المقدسيين في المدينة لا تتجاوز 12%، وليس 22% كما كان هدفهم سابقاً. ويوضح أنه لتحقيق هذا الهدف، تسعى إسرائيل إلى تنفيذ مخطط "القدس الكبرى" بالمفهوم الإسرائيلي، بضم مستوطنات ضخمة مثل "معاليه أدوميم" و"جفعات زئيف" و"ميشور أدوميم" و"غوش عتصيون" إلى ما تسمى "حدود بلدية القدس"، وإخراج كل التجمعات الفلسطينية من هذه الحدود، وبالتالي زيادة عدد الإسرائيليين في المدينة بشكل كبير.


أهداف "القدس الكبرى"

ستستغل إسرائيل، بحسب التفكجي، المشروع الاستيطاني الضخم (القدس الكبرى)، لتحقيق أهداف أمنية داخل القدس، عبر إحاطة البلدة القديمة من القدس بكتل استيطانية، بحيث يصبح الدخول إليها منوطاً بدخول كتلة استيطانية.

ويرى التفكجي أنه بالإضافة إلى البعدين الديموغرافي والأمني، فإن "إسرائيل" تهتم للبعد السياسي في قضية الاستيطان في مدينة القدس، إذ تسعى للتأكيد أمام المجتمع الدولي أن القدس عاصمة لدولة واحدة.

وتطرق التفكجي إلى حديث جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، عن بلدة بيت حنينا وطرحها كعاصمة للفلسطينيين، مشيرًا إلى أنه تم رصد زيادة جنونية في عدد تراخيص البناء للفلسطينيين بالقدس في هذه البلدة، وهذا يُدلل على وجود مخطط لتهيئتها عاصمة بدلاً من مركز المدينة.

ويعتقد التفكجي أن اختيار "إسرائيل" بلدة بيت حنينا تحديداً لتكون عاصمة للفلسطينيين، جاء بسبب تواصلها الجغرافي مع مدينة رام الله والبيرة، إلا أن عزلها وفصلها عن مدينة القدس لم ينفذ بعد، لأنها (إسرائيل) تريد أن تستفيد ماديًا من رسوم تراخيص البناء فيها، وتكون "إسرائيل" في حال حققت هذا المسعى، قد نقلت الفلسطينيين سكان القدس (عملية سحب السكان)، من مركز المدينة إلى الأطراف، حسب التفكجي.

رغم ذلك، يقول الخبير المقدسي إن الانسحاب من أي منطقة داخل حدود بلدية القدس، يحتاج إلى تصويت 61 عضو كنيست (حسب قانون سن في عام 1980)، كما أن الأحزاب اليمينية الإسرائيلية من الصعب أن تتنازل عن حدود القدس. ويعتقد أن ما يحصل، على أرض الواقع، في مدينة القدس حاليا، أن الجانب الإسرائيلي يفكر في الناحية الاستراتيجية، إذ أن العمال المقدسيين عمال مهرة، وفي الوقت نفسه لا يشكلون عبئاً اجتماعياً أو اقتصادياً على الجانب الإسرائيلي، لذا فلن يكون من السهل الانفصال عن المجمعات الفلسطينية في المدينة، فحوالي 62% من عمال البناء في القدس فلسطينيون، 75% من عمال الفنادق في القدس فلسطينيون، 52% من عمال المواصلات العامة في القدس فلسطينيون، إذا فإن الانفصال "الفيزيائي" لن يكون سهلًا على إسرائيل، لأن استبدال العمال الفلسطينيين بعمال من دول أخرى، مثل تايلند والصين وغيرها، سيؤدي إلى إخراج الأموال من "إسرائيل"، وبالتالي ضمان عدم حدوث مشاكل اجتماعية أو اقتصادية.


عدد المستوطنين في "القدس الشرقية"

ويقول التفكجي إنه حسب آخر إحصائية، يبلغ عدد المستوطنين في القدس الشرقية نحو 210 آلاف مستوطن، في حين كان عددهم (صفراً) عند احتلال المدينة في عام 1967، و150 ألفًا في عام 1991، في حين لا يتجاوز عدد الفلسطينيين في القدس الشرقية 300 ألف نسمة، وذلك لا علاقة له بقيام السلطة الفلسطينية، بل له علاقة برؤية إسرائيلية واضحة للقدس في عام 2020.

ويشير التفكجي إلى أن إسرائيل خلال فترة الانفراجات السياسية و"وعملية السلام"، تضاعف عمليات التوسع والبناء الاستيطاني، فمثلا مستوطنة "جبل أبو غنيم" أقيمت في عام 1996 خلال فترة تعتبر "فترة سلام"، بالإضافة إلى البؤر الاستيطانية الضخمة في سلوان وجبل المكبر وراس العامود وغيرها، التي أقيمت بعد اتفاقية أوسلو، بمعنى أن هذه الاتفاقية لم تغير من البرنامج الإسرائيلي نحو مدينة القدس.


"الدولة"... القوة الكبرى وراء الاستيطان

ويؤكد التفكجي أن القوة الكبرى وراء مواصلة برنامج الاستيطان في القدس الشرقية، هي الدولة وليست المؤسسات الصهيونية الظاهرة، والتي تعمل بشكل مباشر ويتم تداول أسمائها على أنها المخطط الرئيس، لكن فعلياً بلدية الاحتلال في القدس المدعومة من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، هي التي تعطي التراخيص لبناء البؤر والأحياء الاستيطانية في المدينة، كل هذه المؤسسات الاستيطانية مدعومة مالياً وقانونياً من "دولة إسرائيل"، رغم إنكارها رسمياً ذلك، مدعية أنها مؤسسات خاصة.

وعن الميزانيات المخصصة للاستيطان في القدس الشرقية. يقول التفكجي إنه لا توجد أرقام دقيقة حول هذه الميزانيات، مشيرًا إلى أن الميزانية، فيما يخص الاستيطان في المدينة، مفتوحة وغير محددة، على عكس الميزانيات المخصصة للاستيطان في باقي مناطق الضفة الغربية، والتي تتوفر حولها أرقام دقيقة.

لكن التفكجي توقع، في أرقام غير رسمية، أن لا تقل ميزانية الاستيطان في القدس سنويًا عن 10 مليارات دولار، مؤكدًا أن هذا الرقم تقديري، كون الميزانية لا تشمل بناء الوحدات الاستيطانية فحسب، بل تشمل الخدمات والتعليم والصحة، بالإضافة إلى فتح الشوارع والطرق المحيطة بهذه المستوطنات، لخلق تواصل جغرافي فيما بينها من جهة، وبينها وبين المدن والمناطق الحيوية من جهة أخرى.


عمارة الاستيطان: ليست متطورة

تعرضت طبيعة عمارة الاستيطان في مدينة القدس الشرقية لانتقادات إسرائيلية داخلية، بحيث أنها "عبثت" بالمنظر الجمالي العمراني للمدينة، كما أنها ليست متطورة لأنها أقيمت "على عجل" لتثبيت الوجود اليهودي بأسرع وقت ممكن.

ويشير التفكجي إلى أن معماريين إسرائيليين انتقدوا بناء وحدات استيطانية حول البلدة القديمة من القدس، لأنها تسببت بحجب معالم المدينة، التي كانت تظهر بوضوح سابقًا.
ولفت إلى أن طبيعة عمارة الاستيطان شابها الهاجس الأمني، لذا فهي أقيمت على كتل إسمنتية، بحيث أخذت وضع الدفاع وليس فقط وضع السكن.

أما في ما يخص المستوطنون فهم، بحسب التفكجي، نوعان؛ الأول "أيديولوجيون"، والنوع الثاني يسكنون المستوطنات بسبب العامل الاقتصادي، لأن أسعار الوحدات السكنية فيها يقل سعرها بنحو عشرة أضعاف مقارنة بالمنازل في القدس الغربية.

وفي ما يتعلق بالمقاومة الفلسطينية للاستيطان والدعم العربي، يقول التفكجي "أصبحنا في منتصف عام 2016، ولا يوجد أي برنامج فلسطيني رسمي لدعم مدينة القدس الشرقية، إذ إن المسؤولين في السلطة يكتفون بردات فعل فردية قائمة على التنديد والاستنكار حيال حدث معين مرتبط بالتوسع الاستيطاني، لكن لا توجد مقاومة استراتيجية منظمة ضد التوسع الاستيطاني المخيف والمتواصل".

وعن الدعم العربي للقدس، قال التفكجي إنه لا يتجاوز بضعة ملايين من الدولارات تقدمها المغرب والأردن والبنك الإسلامي، لكنها لا تُذكر مقارنة بالدعم الذي تتلقاه المستوطنات ، وهو بالمليارات سنويًا.

وأوضح التفكجي أن ايرفينغ موسكوفيتش، رجل الأعمال اليهودي الأميركي، الذي توفي حديثًا، كان وحده يدعم الاستيطان بمبالغ تفوق مبالغ الدعم الفلسطيني والعربي والإسلامي مجتمعا للقدس".


طرق التفافية بين المستوطنات

ويشير التفكجي إلى أنه بعد قيام السلطة الفلسطينية استطاع الإسرائيليون تدشين طرق التفافية للمستوطنات وبنية تحتية لها، رغم تجميد قرار إنشائها بجهود فلسطينية قبل ذلك لأنها تمنع أي تواصل جغرافي بين المناطق الفلسطينية.

ويضيف "لكن الفساد داخل السلطة وطمع المسؤولين بالبقاء في مقاعدهم، أدى إلى تمرير القرار وقتها، وتحقيق الهدف الإسرائيلي بذلك".

ويبين رئيس دائرة الخرائط أن "إسرائيل" تهتم بتسهيل حياة المستوطنين، بحيث يكون مكان عملهم قريباً من مكان سكنهم، وبالتالي تشكل لدى الحكومات الإسرائيلية هاجس الربط بين المستوطنات في مدينة القدس تحديداً على حساب عزل التجمعات الفلسطينية بعضها عن بعض، لذا فقد عزمت "إسرائيل" قبل توقيع اتفاقية أوسلو إلى إقامة بنية تحتية مناسبة لهذه المستوطنات، لكنها لم تنجح في مبتغاها إلا بعد قيام السلطة، التي مهدت لذلك.

وأكد أن هذه الطرق وخدمات المواصلات وتعبيد الشوارع للمستوطنات، عزلت العديد من القرى في مدينة القدس، متطرقاً إلى قرية العيسوية التي أصبح حصارها وعزلها بمنتهى السهولة، كونها محاطة من جميع الجهات بالمستوطنات، أهمها مستوطنة التلة الفرنسية، وكذلك الأمر في بلدة جبل المكبر.

وتطرق التفكجي في حديثه لـ "العربي الجديد" عن البنية التحتية للمواصلات في المستوطنات، كأحد أبرز الأنشطة الاستيطانية في القدس، وقال إنه بالإضافة إلى "القطار الخفيف" الذي يربط بين المستوطنات في المدينة، هناك مشروع قطار سريع بين مستوطنة غوش عتصيون في بيت لحم، والقدس، بالإضافة إلى الأنفاق المقامة في جبل المكبر للربط أيضاً بين المستوطنات هناك.


البعد الديني واستغلاله لتشريع المستوطنات

تستغل إسرائيل البعد الديني لتحقيق غاياتها الاستيطانية، بالقول إن تاريخ اليهود في المدينة يعود إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام، وتربط المعتقدات اليهودية الدينية بأهمية البقاء الصهيوني في المدينة، وأهم القصص الدينية التي يروج لها الإسرائيليون، حسب التفكجي، هي قلعة داود والأسطورة الدينية في الهيكل الثالث الذي سينزل من السماء ويقع في منطقة جبل الزيتون، وهو أحد أحياء القدس الشرقية.

وأشار التفكجي إلى تصريح نتنياهو، الذي أدلى به مؤخراً، وقال فيه إن "جذور الشعب اليهودي في هذه البلاد أقدم من جذور الشعوب الأخرى".


الآثار الاجتماعية للاستيطان

ويقول التفكجي إن الاستيطان والجدار الفاصل الذي يعتبر أهم أدواته له آثار اجتماعية سلبية على المواطنين المقدسيين، إذ يعني اضطرار أكثر من عائلة للإقامة في منزل واحد بسبب عدم إمكانية البناء التي هي، بالأساس، ناتجة عن السياسات الإسرائيلية، وأدت إلى ارتفاع حالات الطلاق بين الفلسطينيين في القدس، أو تركهم القدس للسكن خارجها.

كما قامت إسرائيل، حسب التفكجي، باستغلال الجانب الاجتماعي، بمحاولات تفكيك النواة الاجتماعية للأسرة المقدسية ضمن مخططها الاستعماري في المدينة، من خلال دعم ترويج المخدرات بين الشباب وإعطائهم مبالغ محددة بشكل شهري، والسيطرة على التعليم وغيرها من الإجراءات.

ويشير التفكجي إلى أن مدينة القدس من أفقر المناطق التي تسيطر عليها "إسرائيل" بشكل مباشر، وذلك يعود للغلاء وانخفاض نسبة التعليم والحواجز وانعزال المدينة عن الجسم الفلسطيني.

كما تحرص "إسرائيل" حسب التفكجي لإضعاف الاقتصاد المقدسي، لتسهيل تنفيذ مخططها الاستيطاني في المدينة، فأضحت القدس الشرقية دون مؤسسات وشركات وطنية تحافظ على النسيج الاجتماعي للسكان الفلسطينيين في القدس.


المقدسي دون جنسية

معظم الفلسطينيين في القدس، لا يملك أي جنسية، سوى هوية إقامة مؤقتة إسرائيلية، أو جواز سفر أردني مؤقت؛ الأولى من السهولة أن يفقدها المقدسي، في حال سكن خارج المدينة أو هاجر لفترة لا تتعدى ثلاث سنوات، والثاني مجرد جواز يساعدهم على التنقل والسفر.

ويشير التفكجي إلى أن نتيجة ذلك وكما تخطط "إسرائيل" منذ ما بعد أوسلو، أن وجود المقدسي في مدينته في خطر دائم، فهوية الإقامة قد تسحب منك وتصبح بلا حق إقامة أو امتلاك في المدينة، وفي حال الحصول على الجنسية الفلسطينية فإن أملاكك في القدس كفلسطيني، ستصنف ضمن "أملاك الغائبين".

ولدى سؤال التفكجي عن مصير هوية القدس في ظل هذه المعطيات غير المبشرة، قال " نحتاج إلى استراتيجية جدية لمواجهة الاستيطان في القدس، لأننا في حال بقينا، كما نحن الآن، سنصبح بقايا شعب في المستقبل القريب، وسنخسر المدينة. لقد فقدنا الأرض، لكننا ما زلنا موجودين دون راع، وفي حال استمر الوضع كذلك، فإن الوضع سيزداد سوءاً وسنفقد ساعتها وجودنا كذلك".