في مكانٍ معزول في حديقة "ولايت" الواقعة غرب العاصمة طهران، تجد عربات وأقفاصا عدة، تضم حيوانات مختلفة تستخدم في العروض، وأخرى على شكل بيوت متنقلة يسكنها القائمون على السيرك الأول والوحيد في إيران، والذي يتميّز ببساطته. هناك يعيش خليل عقاب، وهو رجل في الـ 92 من عمره.
يقول عقاب لـ "العربي الجديد" إن اسمه هو خليل طريقت بيما، وقد لُقّب بـ "خليل عقاب". هو البطل الذي تحدث عنه العالم بأسره في ما مضى، حين كان شاباً قوياً. يقولها ويبتسم، مضيفاً أن البطولات والتحديات التي تكللت في غالبيتها بالنجاح قد تكون نالت من صحته قليلاً، لكن قصّته لم تنته هنا.
عقاب اسم معروف في إيران. ويرتبط اسمه اليوم بالسيرك الوحيد الموجود بشكل دائم في العاصمة طهران، والذي يُجري عروضاً موسمية ناجحة على الرغم من ضعف الإمكانات وبساطتها. يحضر الأطفال والراشدون في كل عرض يقدمه. ويبقى اسم عقاب في ذاكرة من هم في مثل سنه أو أصغر قليلاً.
كان عقاب مفتول العضلات في يوم من الأيام، وكان قادراً على القيام بأعمال تتطلّب قوة جسدية. لطالما جرّ سيارات وشاحنات بأسنانه في خمسينيات القرن الماضي. وفي سنوات لاحقة، رفع فيلاً يزن طناً من خلال حبل، ما جعله يدخل موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية مرتين.
إثر شهرته، دعي إلى دول أجنبية عدة، وكانت محطته الأولى في إيرلندا. وباتت عروضه جزءاً من عروض سيرك "دافي" الإيرلندي. توجّه بعدها إلى بريطانيا، وبقي فيها خمس سنوات، ليقدّم عرض رفع الفيل، وجرّ أشياء ثقيلة أخرى بأسنانه مرتين يومياً. كتبت عنه الصحف الأجنبية والإيرانية والعربية، وما زال يحتفظ بالقصاصات في غرفته الصغيرة في عربة السيرك المتحركة.
عقاب الذي وصف بـ"البطل الأعجوبة" في ذلك الوقت، ونال لقب "أقوى رجل في العالم" في ستينيات القرن الماضي، قرر العودة إلى إيران في وقت لاحق، وقدم العروض ذاتها في بلده، وفكّر في تأسيس أول سيرك إيراني بداية التسعينيات، وقد حدث ما أراد بالشراكة مع إيطاليين.
يقول إنه يتذكر هذه التجربة جيداً. على الرغم من صعوبتها، إلا أنها أبرزت اسمه حتى يومنا هذا، وبات هو مؤسس السيرك الإيراني، مستعيناً ببهلوانيين ولاعبي جمباز وغيرهم، وقد وصل عددهم إلى ستين شخصاً جاؤوا إلى إيران مع عائلاتهم.
يقول عقاب إن الفرح الذي تعكسه عروض السيرك يخبئ وراءه صعوبات كثيرة. لم يكن قادراً على الاستمرار بالعمل مع زملائه الذين اضطروا للمغادرة. لكن السيرك ما زال موجوداً، ويستعين بين الحين والآخر بلاعبين من البرتغال وإيطاليا وغيرهما.
ولدى سؤاله عن سبب الاعتماد على كوادر أجنبية بشكل دائم، يقول عقاب إن المطلوب هو الاستفادة من الخبرات، وتقديم أبهى صورة للحاضرين. وهذا لا يعني عدم وجود إيرانيين في السيرك، لكنه يؤكد أنه يحاول الحفاظ على تقديم عروض بمستوى عالمي لتحقيق شيء مختلف في البلاد.
في إيران قوانين ترتبط بقواعد الدين الإسلامي بشكل رئيسي، وقد يكون هذا عاملاً مؤثراً على عمل بهلوانيي السيرك على سبيل المثال. لكن عقاب الذي يحرص على مشاركة الفنانين الإيرانيين والأجانب في عروض سيركه، يؤكد أن هذه القوانين تستطيع أن تكون فرصة لتقديم شيء مختلف، بدلاً من أن تتحول إلى عائق يقف بوجه ما يريد البهلوانيون تقديمه، معتبراً أن التجربة كانت ناجحة حتى بوجود هذه القوانين، ومنها ما يتعلق بفرض الحجاب على اللاعبات.
عقاب الذي يتحدّث عن تأسيس السيرك في إيران، وكأنّه مشروع العمر بالنسبة إليه، ما زال يتذكّر توجهه إلى السيرك في البدايات، ورفع الفيل أو حيوانات أخرى بواسطة حبل، وهو ما جعل عروضه غريبة، حتى باتت جزءاً رئيسياً من سيرك عدد من البلدان.
ومع تحقيق كل هذه الإنجازات، يتحدث عقاب عمّا خسره لتحقيق حلمه الكبير. قبل ست سنوات، فقد زوجته في حادث تعرضت له في السيرك، هي التي لطالما عملت معه ووقفت إلى جانبه. يضيف أن العروض التي كان يؤديها وهو شاب أثرت على صحته. لكنه ما زال يعمل مع ابنه الذي يدرب النمور في السيرك، مشيراً إلى أنه سيستمر حتى آخر يوم في حياته لتقديم الأفضل. وإن ولّى زمن خليل عقاب، فسيبقى سيركه من بعده.
يشير عقاب إلى أن السيرك يحتاج إلى كلفة مالية عالية ودعم حقيقي، وهو يحاول جاهداً الحفاظ على ما كان حلمه في الستينيات، وقد تحول حقيقة في التسعينيات. يقول إنه المؤسّس لأول سيرك في إيران، وكان لاسمه ومسيرته صدى حقيقياً في الداخل والخارج. ويُبدي رغبته بأن يركز بعض المعنيين على دعم هذا النشاط الذي يصفه بالثقافي والفني، هو الذي ما زال يحظى باستحسان الجمهور.
اقرأ أيضاً: محمد مردي.. طباشير المدرسة جعلت منه نحّاتاً بارزاً