31 أكتوبر 2024
خيار الصفر الجزائري
أثارت تصريحات أدلى بها، أخيراً، الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، في محاضرةٍ في أبوظبي، أوائل يناير/كانون الثاني الجاري، عن دعم بلاده الدائم مغربية الصحراء موجة من الاستياء في الأوساط الحزبية والإعلامية الموالية للسلطة والمؤسسة العسكرية في الجزائر. وأبدت صحفٌ محسوبة على القطاع الخاص حالة من الغضب الشديد والانفعال البيّن، ولم تتردّد في توجيه نقدها اللاذع إلى ساركوزي، خصوصاً لقوله "سيكون من الصعب إقناعي بضرورة إقامة جمهورية صحراوية في منطقةٍ من العالم ملغومة بالإرهاب، وأستحضر هنا خصوصاً النيجر ومنطقة الساحل ومالي". واعتبر ساركوزي أن قضية الصحراء "السبب الرئيسي وراء إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر، وذلك على الرغم من وجود حاجة كبيرة لإقامة سوق مشتركة، تجمع في مرحلة أولى بين البلدين وتونس".
رأت عدة صحف أن ساركوزي تعمد، في تصريحاته، استفزاز الجزائر مجدداً، وهذه المرة من أرض الإمارات، بمساندته مقاربة المغرب في حل نزاع الصحراء، ولم تجد هذه الصحف حرجاً في وصف ساركوزي بأنه "سياسي منافق، يبحث عن رضا المخزن المغربي"، ويتعمد التجني على الجزائر والتهجم عليها، عبر ورقة الصحراء، والحدود المغلقة مع المغرب، فضلاً عن عدائه الشديد إزاء الصحراويين، بتبنيه أطروحة مغربية الصحراء. وقد اعتبرت هذه الصحف ذلك اتهاماً ضمنياً من ساركوزي للجزائر بتعطيل بناء الاتحاد المغاربي. ولم تخف امتعاضها من مديح الرئيس الفرنسي السابق الملك محمد السادس، خصوصاً في قوله: "ليس متاحاً أمام الجميع امتلاك حكمة ملك المغرب الذي عدل الدستور مع اندلاع الربيع العربي، إذ اتخذ خطوات سياسية جريئة ضمنت السلام للبلاد"، علاوة على إشادته بالجهود والمبادرات التي يقوم بها الملك منذ سنوات "من أجل التصدي للإرهاب وانتشار التطرف".
تزامنت هذا الحملة الإعلامية المطبوعة بالتوتر والاندفاع ضد تصريحات ساركوزي مع تصريح وزيرة الشؤون الخارجية السويدية مارغوت والستروم، أن بلادها لا تنوي الاعتراف بـ "الصحراء الغربية" دولة، مجدّدة التأكيد على دعم بلادها مسلسل المفاوضات الجارية تحت إشراف الأمم المتحدة. وهذا ما دفع وزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية إلى إصدار بلاغٍ، أوضحت فيه أن "الأمر يتعلق بموقف يتطابق مع القانون الدولي، وينسجم مع المسلسل السياسي الجاري في إطار الأمم المتحدة، بهدف التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول من الأطراف لهذا النزاع الذي طال أمده".
وأضافت الوزارة أن المغرب يسجل أن التحليل الذي قامت به الحكومة السويدية خلال 18 شهرا، وبصرف النظر عن بعض التقييمات القابلة للنقاش، انتهى إلى الخلاصة الحتمية بأنه لا يمكن الاعتراف بـ"الجمهورية الصحراوية" الوهمية التي لا تستوفي معايير الاعتراف المحدّدة من القانون الدولي.
مؤكد أن التحول النوعي في موقف السويد تجاه ملف الصحراء خلف حالة إحباط وخيبة أمل عميقة في الجزائر، شملت مختلف مكونات السلطة، عسكرية وتنفيذية وتشريعية، وكذا الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام، وهي التي كانت قد عبّرت عن غبطتها وابتهاجها عندما دعم البرلمان السويدي جبهة بوليساريو "ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الصحراوي". ولم تتمكن معظم المنابر الإعلامية الجزائرية من إخفاء انفعالها حيال التعبئة العامة التي أعلنها المغرب، للدفاع عن حقوقه الترابية، ووصفت مبادرة البرلمان السويدي بأنها خطوة تهدف إلى الإسهام بشكل إيجابي، في إيجاد حلول دبلوماسية وسلمية لآخر مستعمرة في إفريقيا، على حد تعبيرها.
تستدعي هذه التشنجات في الجزائر، البالغة الانفعال والتسرع، والفاقدة للرؤية الإستراتيجية والواقعية الجيو-سياسية، لقاء الملك محمد السادس والرئيس عبد العزيز بوتفليقة في قمةٍ سرقت الأضواء من القمة العربية التي استضافتها العاصمة الجزائرية في العام 2005، وجذبت إليها وسائل الإعلام وتوقعات المحللين. ظن الجميع أن الصورة التي التقطت للملك والرئيس تنطوي على عدة إيحاءات وإشارات سياسية وإنسانية، ورجح مراقبون أن التطبيع، وقتئذٍ، بات وشيكا، وأن فتح الحدود بين البلدين لا يعدو أن يكون مسألة إجراءات تقنية وعامل وقت. لكن، عندما نتأمل العلاقات المغربية الجزائرية بشكل عميق نجد لها صبغة خاصة، فالبلدان ليسا صديقين وليسا عدوين، في الوقت نفسه، فمنذ استقلال الجزائر أغلقت الحدود أكثر مما فتحت، وبلغة الأرقام 20 مقابل 19 لصالح الإغلاق والقطيعة، وتواجه جيشا البلدين مرتين، الأولى خلال ما أصبحت تعرف، في ذاكرة المؤرخين والسياسيين، بحرب الرمال، عام 1963، والثانية في موقع مقالة في الصحراء عام 1976، لكن البلدين الجارين عرفا كيف يضبطان نفسيهما، ويحافظان على الحد الأدنى من التواصل الدبلوماسي والتنسيق الأمني، خصوصاً في ظل تزايد مخاطر الإرهاب.
اللافت أن حالة الاحتقان طالت كثيراً جداً. وكلما كانت الأمور تصل إلى عتبة الأسوأ، كان ترجيح الحكمة ولغة العقل، خصوصاً من جانب المغرب، مراعاةً لمصلحة الشعبين، واحتراماً لمقتضيات التاريخ، وتقديراً لاستحقاقات المستقبل. ولكن، ظلت العلاقة بين الجزائر والمغرب سجينة ذاكرة جريحة، ومشحونة بأكليشيهات وصور نمطية تستهلك في هذا البلد أو ذاك، وتغذيها وسائل الإعلام في لحظات التوتر العالي، خصوصاً في الجزائر، وكانت حرب الاتهامات والاتهامات المضادة السمة المميزة لفترة الاحتقان، لكنها ستتراجع نسبياً في خضم اندلاع الأزمة في الجزائر، والتي لم تضع أوزارها بعد، إذ ستفرض إستراتيجية مواجهة الجماعات الإسلامية المسلحة تهميشاً ملحوظا لجبهة بوليساريو، فالأولوية ستعطى لقطع دابر منتجي الإرهاب، ومنعشي الحرب الأهلية، لكن الماسكين بزمام الأمور في قصر المرادية، ومن منطلق أن "بوليساريو" هي أيضا رأسمال نفيس في مستوى الغاز والنفط، فإنها صعدت من عدائها وعبأت قدراتها لمعاكسة المغرب، والبحت، بكل الوسائل، لإجهاض مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها لإيجاد تسوية سلمية وواقعية لنزاع الصحراء. بل أكثر من ذلك لا يخفي المغرب اتهامه السلطة في الجزائر بالسعي إلى إحداث مشكلات واضطرابات داخل المغرب، باستغلال مدافعين عن أطروحة انفصال الصحراء الذين يبتزون المغرب، من خلال التوظيف السياسي والإعلامي ورقة حقوق الإنسان المفترى عليها، والتي حقق فيها المغرب إنجازات ملموسة وغير مسبوقة في المنطقة العربية، يشهد لها الخصوم قبل الأصدقاء.
رأت عدة صحف أن ساركوزي تعمد، في تصريحاته، استفزاز الجزائر مجدداً، وهذه المرة من أرض الإمارات، بمساندته مقاربة المغرب في حل نزاع الصحراء، ولم تجد هذه الصحف حرجاً في وصف ساركوزي بأنه "سياسي منافق، يبحث عن رضا المخزن المغربي"، ويتعمد التجني على الجزائر والتهجم عليها، عبر ورقة الصحراء، والحدود المغلقة مع المغرب، فضلاً عن عدائه الشديد إزاء الصحراويين، بتبنيه أطروحة مغربية الصحراء. وقد اعتبرت هذه الصحف ذلك اتهاماً ضمنياً من ساركوزي للجزائر بتعطيل بناء الاتحاد المغاربي. ولم تخف امتعاضها من مديح الرئيس الفرنسي السابق الملك محمد السادس، خصوصاً في قوله: "ليس متاحاً أمام الجميع امتلاك حكمة ملك المغرب الذي عدل الدستور مع اندلاع الربيع العربي، إذ اتخذ خطوات سياسية جريئة ضمنت السلام للبلاد"، علاوة على إشادته بالجهود والمبادرات التي يقوم بها الملك منذ سنوات "من أجل التصدي للإرهاب وانتشار التطرف".
تزامنت هذا الحملة الإعلامية المطبوعة بالتوتر والاندفاع ضد تصريحات ساركوزي مع تصريح وزيرة الشؤون الخارجية السويدية مارغوت والستروم، أن بلادها لا تنوي الاعتراف بـ "الصحراء الغربية" دولة، مجدّدة التأكيد على دعم بلادها مسلسل المفاوضات الجارية تحت إشراف الأمم المتحدة. وهذا ما دفع وزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية إلى إصدار بلاغٍ، أوضحت فيه أن "الأمر يتعلق بموقف يتطابق مع القانون الدولي، وينسجم مع المسلسل السياسي الجاري في إطار الأمم المتحدة، بهدف التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول من الأطراف لهذا النزاع الذي طال أمده".
وأضافت الوزارة أن المغرب يسجل أن التحليل الذي قامت به الحكومة السويدية خلال 18 شهرا، وبصرف النظر عن بعض التقييمات القابلة للنقاش، انتهى إلى الخلاصة الحتمية بأنه لا يمكن الاعتراف بـ"الجمهورية الصحراوية" الوهمية التي لا تستوفي معايير الاعتراف المحدّدة من القانون الدولي.
مؤكد أن التحول النوعي في موقف السويد تجاه ملف الصحراء خلف حالة إحباط وخيبة أمل عميقة في الجزائر، شملت مختلف مكونات السلطة، عسكرية وتنفيذية وتشريعية، وكذا الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام، وهي التي كانت قد عبّرت عن غبطتها وابتهاجها عندما دعم البرلمان السويدي جبهة بوليساريو "ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الصحراوي". ولم تتمكن معظم المنابر الإعلامية الجزائرية من إخفاء انفعالها حيال التعبئة العامة التي أعلنها المغرب، للدفاع عن حقوقه الترابية، ووصفت مبادرة البرلمان السويدي بأنها خطوة تهدف إلى الإسهام بشكل إيجابي، في إيجاد حلول دبلوماسية وسلمية لآخر مستعمرة في إفريقيا، على حد تعبيرها.
تستدعي هذه التشنجات في الجزائر، البالغة الانفعال والتسرع، والفاقدة للرؤية الإستراتيجية والواقعية الجيو-سياسية، لقاء الملك محمد السادس والرئيس عبد العزيز بوتفليقة في قمةٍ سرقت الأضواء من القمة العربية التي استضافتها العاصمة الجزائرية في العام 2005، وجذبت إليها وسائل الإعلام وتوقعات المحللين. ظن الجميع أن الصورة التي التقطت للملك والرئيس تنطوي على عدة إيحاءات وإشارات سياسية وإنسانية، ورجح مراقبون أن التطبيع، وقتئذٍ، بات وشيكا، وأن فتح الحدود بين البلدين لا يعدو أن يكون مسألة إجراءات تقنية وعامل وقت. لكن، عندما نتأمل العلاقات المغربية الجزائرية بشكل عميق نجد لها صبغة خاصة، فالبلدان ليسا صديقين وليسا عدوين، في الوقت نفسه، فمنذ استقلال الجزائر أغلقت الحدود أكثر مما فتحت، وبلغة الأرقام 20 مقابل 19 لصالح الإغلاق والقطيعة، وتواجه جيشا البلدين مرتين، الأولى خلال ما أصبحت تعرف، في ذاكرة المؤرخين والسياسيين، بحرب الرمال، عام 1963، والثانية في موقع مقالة في الصحراء عام 1976، لكن البلدين الجارين عرفا كيف يضبطان نفسيهما، ويحافظان على الحد الأدنى من التواصل الدبلوماسي والتنسيق الأمني، خصوصاً في ظل تزايد مخاطر الإرهاب.
اللافت أن حالة الاحتقان طالت كثيراً جداً. وكلما كانت الأمور تصل إلى عتبة الأسوأ، كان ترجيح الحكمة ولغة العقل، خصوصاً من جانب المغرب، مراعاةً لمصلحة الشعبين، واحتراماً لمقتضيات التاريخ، وتقديراً لاستحقاقات المستقبل. ولكن، ظلت العلاقة بين الجزائر والمغرب سجينة ذاكرة جريحة، ومشحونة بأكليشيهات وصور نمطية تستهلك في هذا البلد أو ذاك، وتغذيها وسائل الإعلام في لحظات التوتر العالي، خصوصاً في الجزائر، وكانت حرب الاتهامات والاتهامات المضادة السمة المميزة لفترة الاحتقان، لكنها ستتراجع نسبياً في خضم اندلاع الأزمة في الجزائر، والتي لم تضع أوزارها بعد، إذ ستفرض إستراتيجية مواجهة الجماعات الإسلامية المسلحة تهميشاً ملحوظا لجبهة بوليساريو، فالأولوية ستعطى لقطع دابر منتجي الإرهاب، ومنعشي الحرب الأهلية، لكن الماسكين بزمام الأمور في قصر المرادية، ومن منطلق أن "بوليساريو" هي أيضا رأسمال نفيس في مستوى الغاز والنفط، فإنها صعدت من عدائها وعبأت قدراتها لمعاكسة المغرب، والبحت، بكل الوسائل، لإجهاض مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها لإيجاد تسوية سلمية وواقعية لنزاع الصحراء. بل أكثر من ذلك لا يخفي المغرب اتهامه السلطة في الجزائر بالسعي إلى إحداث مشكلات واضطرابات داخل المغرب، باستغلال مدافعين عن أطروحة انفصال الصحراء الذين يبتزون المغرب، من خلال التوظيف السياسي والإعلامي ورقة حقوق الإنسان المفترى عليها، والتي حقق فيها المغرب إنجازات ملموسة وغير مسبوقة في المنطقة العربية، يشهد لها الخصوم قبل الأصدقاء.