داعش تجهّز الشرق الأوسط الجديد لإسرائيل
شاهدت خطبة الجمعة التي ألقاها من يدّعي نفسه خليفة الدولة الإسلامية، أبو بكر البغدادي، في أول ظهور إعلامي له في الموصل. جاءت وقفته ضعيفة، وصوته ليس فيه نبرة قوة وقيادة، وخطبته عادية، وليس فيها أي تحليل علمي، من شأنه أن يدلل على رسوخه في العلم الشرعي، أو علم الحرب، أو حتى الإدارة.
داعش جماعة من الحاقدين على أنظمة ديكتاتورية ظالمة، استبدّت بالشعوب وقسمتها إلى طوائف، وسلبت الناس حقوقهم وثروات أراضيهم، وعذبت المعارضين لها، وقتلت المقاومين منهم. فاتخذ نفر من الناس دين الإسلام ذريعة للانتقام، واتبعوا أول من قادهم إلى الحرب، ووعدهم بقيام دولة يحكمونها، بعدما هُمشوا في دولهم.
طالما غذت الفتاوى الصادرة من السعودية الكره اتجاه الشيعة، وربطهم بالمجوس، وصورتهم على أنهم أبشع من الصهاينة. أمامنا، اليوم، جماعة حملت راية الدفاع عن أهل السنة، وتطالب مسلمي الأرض بمبايعة خليفتهم، جماعة تسلق رؤوس الشيعة باسم الدين الحق، وتقتل كل من رفض مبايعتها على أنه من الخوارج، وفي الوقت نفسه، تهدد النظام السعودي باسم الخلافة الإسلامية.
سيطرت داعش، الآن، على أكبر بئر نفط في سورية، وهي بئر العمر، وباقي الآبار المكنونة في الموصل ودير الزور، وغيرها في العراق، وعلى مناطق واسعة على ضفة نهر الفرات. سيطرتها تلك تعني قدرتها على المتاجرة بالبترول، فماذا ستفعل به غير بيعه لأميركا، أو روسيا أو الصين أو الاتحاد الأوروبي، وهم أكثر دول العالم استهلاكاً للنفط. لكن، من المعلوم أن روسيا والصين تساندان نظام بشار الأسد الذي تدعي داعش أنها تقاتله، كل هذه التناقضات الدائرة حول داعش تزيد من عدد الاحتمالات والشكوك حول المستفيدين منها والواقفين وراءها.
داعش، الآن، لا تهدد إيران والسعودية والعراق بالتوسع على أراضي هذه الدول فقط، إنما أصبحت تهددها اقتصادياً، ببيع النفط لزبائن تلك الدول في سوق سوداء غير معلنة، تلك الدول التي تمدها في المقابل بالسلاح والمعدات والغذاء، لتحارب وتتمدد في المنطقة.
من المتوقع وصول داعش إلى مرحلة التوسع في لبنان والأردن، بينما أميركا تتقن الصمت، وتدّعي أنها مذهولة، وغير قادرة على فعل شيء، وتتوعد داعش بأن المس بسلامة إسرائيل يعني إعلاناً للحرب عليها. خصوصاً أن أميركا جهزت مشروع الطائرات بدون طيار، ما يجعل داعش تحارب كل الدول المجاورة إلا إسرائيل، وهذا، بالضبط، ما يطمح له الصهاينة.
بعد أن تتمدد داعش في المنطقة، سيكون سهلاً أن تعلن إسرائيل حربها على الإرهاب، حينها ستقطع أميركا والاتحاد الأوروبي الإمدادات عن داعش لإضعافها، وتتمكن إسرائيل من إخفائها عن الخريطة بقنبلة واحدة، لتتمدد على الأراضي التي وقعت في يد داعش، وتستولي على آبار النفط التي استولى عليها التنظيم المخترع.
داعش تخوض الحرب بدل إسرائيل، وتمهد لها خريطة الطريق للاستيلاء على المنطقة، وبناء الشرق الأوسط الجديد، لتبني إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل، كما هو حلم الصهيونية الازلي. لذلك، نجد إسرائيل صامتة الآن. فالشرق الأوسط الجديد وصلت بدايته، والسنوات المقبلة لن تكون سهلة على المنطقة، ومن سلم من داعش سيسلم من إسرائيل.