داعش وإسرائيل.. هل من علاقة؟
لم يثر ظهور منظمة سياسية، أو عسكرية، من قبل، ما أثاره ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، داعش، وصعوده الدراماتيكي الصاروخي، من التعليقات والتحليلات والتكهنات. وهي في مجملها ترجع إلى طبيعة هذه المنظمة المنضبطة، وقوتها وسرعة تمددها على الأراضي السورية، ثم على الأراضي العراقية، بعد احتلالها الموصل، وإحكامها السيطرة على هذه الأراضي، وصولاً إلى إعلانها الخلافة الإسلامية هناك. وأكثر الأسئلة التي أثارها ظهور التنظيم تمحورت حول تبعيته التي تراوحت بين النظامين، السوري والعراقي، مرة، وتركيا وبعض دول الخليج مرة أخرى، والولايات المتحدة وغيرها مرات أخرى. كما ترجع إلى إمكاناته الضخمة، وجرائمه التي انتشرت أخبارها على مستوى العالم، إلا أن تحليلات وتكهنات قليلاً وجدت خيطاً يصل بين داعش وإسرائيل، بدأت تتكشف أجزاء منه أخيراً.
ويمكن، في سياق البحث عن رابط بين إسرائيل وداعش، إيراد تحليلات وأحاديث ووقائع، يمكن أن تكون قاعدة لبحث أعمق وأشمل. ففي الخامس عشر من يوليو/تموز الماضي، وفي حمى الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، تساءلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية: "لماذا ليست داعش في عجلة من أمرها لمهاجمة إسرائيل؟" وذلك في وقت تقوم فيه إسرائيل بـ "سحق" غزة، على حد ما جاء في وصف الصحيفة ذلك العدوان. تساؤل في محله، وجاء ليكرس ما بات معروفاً عن عدم اهتمام داعش بما تسمى "إسرائيل" وعدوانيتها واحتلالها فلسطين وبيت المقدس. علاوة على ما هو معروف عنها أيضاً، وهو أنها ليست فحسب غير معنية بمهاجمة إسرائيل، بل غير معنية بإغضابها، عبر مجرد ذكر بعض جرائمها بحق الشعب الفلسطيني في أثناء توجيه تهديداتها إلى الكوكب بأجمعه.
وحيث إن أي هجوم أو ضربة، كبيرة أم صغيرة، يتجرأ تنظيم الدولة على توجيهها لإسرائيل، لا تندرج، حسب رأي محللين، سوى في خانة سعيه إلى استمالة مناصرين جدد له من العالم العربي، وربما من دول إسلامية خارج المنطقة. مثله في ذلك مثل كثير من أنظمة دول المنطقة التي درجت على توظيف عدائها، أو مقاومتها، إسرائيل، لزيادة تلاحم الشعب حولها، اقترفت ما اقترفت هذه الأنظمة من أعمال بحق هذا الشعب. وعلى الرغم من أن بنيامين غانتس، رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي السابق، قد هدد، وهو على رأس عمله في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بأن أية خطط تضعها داعش لمهاجمة إسرائيل، ستجعلها تخسر بشكل كلي، إلا أنه أضاف، في تهديده ذاك، أنه، وعلى عكس عقيدة "الصدمة والرعب" التي تبنتها الولايات المتحدة، ونصبت على أساسها آلافاً من صواريخ توماهوك في العراق، فإن عقيدة "الصدمة والرعب" التي تتبناها داعش تقوم على قطع رؤوس الأبرياء. وهذا تهديد ليست إسرائيل معنية فيه، بل تستطيع، بكل بساطة، احتواءه، إن اقترب منها.
هذه رؤية إسرائيل لداعش، وإسرائيل تعرف، أكثر من غيرها، أن منظمات إرهابية، مثل داعش، ليست سوى أدوات بيد من يمولها. ويعلم الإسرائيليون أن أية ضربة يتلقونها من داعش ستكون لها منافع لا حصر لها على إسرائيل، لا تقل عن منافع حلت عليها، في أعقاب تعرضها لهجمات بصواريخ سكود العراقية، في أثناء حرب الخليج الثانية، سنة 1991. لكنهم، وعلى الرغم من هذه الحقيقة، يريدون البقاء في منأى عن هجمات من هذا النوع. ولا يريدون إثارة عش الدبابير ضدهم. فتراهم يتحاشون توجيه أية انتقادات لداعش، لأنهم لا يرون فيها ما يشكل خطراً عليهم في الوقت الحالي، كما أسلفنا. وفي هذا السياق، كان لافتاً عدم تحمس إسرائيل للحلف الذي شكلته الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية والعربية لمواجهة داعش. فعندما بدأت الولايات المتحدة، من خلال هذا الحلف، بتوجيه ضرباتها العسكرية ضد داعش، بدا القادة العسكريون الإسرائيليون غير ميالين لتقديم أي دعم من أي نوع كان لقوات التحالف.
لكن، وعلى عكس التوقعات بحتمية مهاجمة أحد الطرفين الطرف الآخر، يوماً ما، كُشف عن تعاون بين الطرفين، أبرزته الحقائق التي أخذت تظهر أخيراً. ففي تقرير سلمه مراقبون دوليون متمركزون في مرتفعات الجولان السوري المحتل، في فبراير/شباط الجاري، إلى أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الخمسة عشر، تظهر تفاصيل لقاءات منتظمة بين ضباط من الجيش الإسرائيلي وأفراد من المعارضة السورية المسلحة، وخصوصاً أفراد تنظيم داعش. والتقرير الذي يوثق لفترة تمتد 18 شهراً ماضية، أشار إلى أن التعاون، في البداية، كان يقتصر على الدعم الطبي الذي يوفره الجيش الإسرائيلي لبعض جرحى المعارضة. ثم تطور إلى تنقلات عبر الحدود لعناصر من داعش، يدخلون إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويعودون بصناديق لا يعرف أحد ما تحتويه. ولا يشير التقرير إلى أي تعاون لوجستي متواصل، إلا أن تعاوناً مادياً على هذه الشاكلة، هو بالضرورة مترافق مع تعاون لوجستي، أو ربما مخابراتي، بغض النظر عن مدى هذا التعاون المادي وحجمه.
مؤكد أن مشروعاً لإقامة دولة لم تكن موجودة بالأصل، تحمله منظمة أو حزب إرهابي، سيختلف بنيوياً عن مشروع إحداث تغيير في بنى وقوانين دولة قائمة أصلاً، يحمله تنظيم آخر. وفي إطار هذا المسعى، تبقى المنظمة الإرهابية، بسبب احتياجاتها الضخمة لإقامة مشروعها، تابعة لممول تأتمر بأمره. وهي عرضة لتغيير الولاءات، طالما تغير الممول الذي ستنتقل لتصبح أداة بيده، كما كانت أداة بيد من سبقه. وهي، لذلك، تُبقي لديها هامشاً تتحرك ضمنه في إطار استعدائها هذا الطرف أو ذاك، متخذةً إياه ممولاً محتملاً في المستقبل. قد يكون هذا حال داعش مع إسرائيل حالياً، إن لم يكن هو الحال الأساسي منذ البداية.