رصدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، في دراسة بعنوان "التغريبة الثالثة.. عن هجرة ورحيل المصريين غير الطوعية"، أحوال المصريين في تغريبتهم، والعوامل التي دفعتهم إلى الخروج، والمشاكل التي يتعرضون لها في تغريبتهم، والموانع التي تعيق عودتهم إلى بلادهم.
وعددت الدراسة، التي أعدها الباحث معتز حجاج، وتقديم أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية بالقاهرة، خالد فهمي، نماذج متعددة لمواطنات ومواطنين، تمسكوا بمصريّتهم وتطلعوا لوطن أفضل ومارسوا واجبهم في المطالبة بحقوقهم، وعِوضا عن تقدير جهودهم أو الاعتراف بحقوقهم عمل النظام الحاكم على التضييق عليهم والتنكيل بهم وإجبارهم على ترك وطنهم واللجوء إلى المنفى الطوعي الذي يسميه التقرير "التغريبة".
"مش عاجبك روح كندا ولا أميركا.. مش عاجبك روح قطر ولا تركيا"، صيحتان شهيرتان، وسمت كل منهما حقبة من حقب الصراع السياسي، وعكست موقف الطرف أو الأطراف صاحبة الكلمة العليا في كل حقبة.
وعن المقولة الأولى، أفاد البحث بأنها ظهرت بعدما دبّ الشقاق بين قوى سياسية ومدنية ودينية، في أعقاب ثورة يناير، وتوّج الخلاف بالصيحة الساخرة لأحد أقطاب التيار السلفي الشيخ محمد يعقوب في 21 مارس/آذار 2011، قائلا "البلد بلدنا والشعب قال نعم للدين، واللي مش عاجبه يروح كندا وأميركا".
ثم تحولت الصيحة الساخرة إلى موقف مؤيدي التيار الإسلامي "إخوان وسلفيين" في مواجهة التيار العلماني خلال فترة حكم المجلس العسكري الممتد لنحو العام والنصف، ثم خلال حكم الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين الذي امتد عاما، حتى أطيح به في انقلاب عسكري في 3 يوليو/تموز 2013، لتتبدل الآية.
جاءت مقولة "مش عاجبك روح قطر ولا تركيا" بعد ما أصبح الإخوان ومؤيدوهم وكثير من الداعمين لثورة يناير، هم العدو الرئيسي لنظام ما بعد 3 يوليو، الممثَل في الحكم العسكري وبقايا نظام مبارك.
"رحلوا، لكن الرحيل لم يكن قاصرا على كندا وأميركا وقطر وتركيا فقط، بل امتد إلى ألمانيا وبريطانيا ودول أخرى أغلبها أوروبية، وبعضها عربية"، بحسب الدراسة التي أكدت أن "الرحيل لم يكن طوعا أو اختيارا، لم يكن أغلبه هربا من قضية سياسية أو بحثا عن لقمة العيش، لكنه كان تغريبة عنوانها الرئيسي الرحيل بحثا عن أفق سياسي أرحب لا يسيطر فيه الخوف والتفتيش في الضمائر، بعيدا عن القمع والتخوين والملاحقة والتشهير".
وأكدت الدراسة، أن تغريبة المصريين الحالية، وإن اختلفت التقديرات حول حجمها، فإن "تأثيرها الناتج عن طبيعة من اضطروا لها، وأغلبهم من الكفاءات العلمية، وبالنظر إلى صغر أعمار المغتربين، أو تعدد وتنوع البلدان التي رحلوا إليها، هو التأثير الأشد والأقوى".
واعتمدت الدراسة على 31 شهادة واستبيانا أجراها باحثو الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، بدءا من شهر يوليو/تموز 2016 وحتى شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فضلا عن البحث التاريخي لظاهرة التغريبة في مصر في العصر الحديث.
وشمل الاستبيان والشهادات مغتربين في 8 دول عربية وأوربية وآسيوية والولايات المتحدة، من خلفيات سياسية وأعمار ومهن مختلفة، فضلا عن النوع.
ومن الشهادات الـ31 التي تلقتها الشبكة العربية، قامت بحذف 9 شهادات، بسبب صعوبة إخفاء هوية مرسليها التي تُظهرها الشهادة، ورغم ترك البعض أمر إعلان الهوية لما تراه الشبكة العربية، أو تصريحهم بالرغبة في إعلان أسمائهم، فإن الشبكة الحقوقية قررت إخفاء هوية الجميع، حرصا على سلامتهم.
كما قامت الشبكة بإخفاء أو تغيير أسماء البلدان التي رحل إليها هؤلاء المغتربون قسريا، إمعانا في الحفاظ على الخصوصية والأمان الشخصي لهم.
وفيما تناول الجزء الأول من الدراسة شهادات عينة البحث؛ فقد ارتكز الجزء الثاني على وصف "حياة التغريبة" باعتباره "نصف حياة"، باعتبار أن "الحياة خارج بلد رحلت عنها بشكل غير طوعي ليس أمرا سهلا أو هينا على النفس، قد يخفف عثورك على عمل ملائم أو وجود أصدقاء لك ببلد الغربة من أثرها، لكن التغريبة تظل أمرا شديد الوطأة، لا سيما إذا لم تجد عملا أو تاقت نفسك لصديق ولم تجده، وكذلك إذا كانت أحوالك المالية صعبة وقد يتهددك خطر إذا رجعت إلى مصر" بحسب إحدى الشهادات.
اقــرأ أيضاً
أما الجزء الثالث فكان تحت عنوان "خارج مصر.. صالة انتظار أم مستقر نهائي؟" طرحت فيه الدراسة على عينة البحث سؤالا: متى تعود؟ والذي استعرضت فيه الدراسة شهادات وإجابات بعض الحالات التي شملها التقرير عن التفكير في العودة إلى مصر وتوقيتها.
وأفادت الدراسة بأنه "يمكننا أن نأخذ منهم نسبا مئوية، لكن يظل في مخيلتنا أمر مهم، أنها نسب تقريبية ليست دقيقة، وقاصرة على العينة التي بلغت (31 حالة) لم ينشر منها سوى 22 شهادة"، حيث أجاب 4 فقط ممن شملتهم العينة بعدم الرغبة في العودة الطوعية بنسبة 12 في المائة، فيما أجاب 27 شخصا بنسبة 88 في المائة من حجم العينة برغبة في العودة مشروطة بانفراجة في المجال العام وعدم الملاحقة.
وسجلت الدراسة ملاحظة أن بعض من هاجر ممن شملهم التقرير كان في بداية عام 2012، ثم توالى الخروج والرحيل عن مصر، ما يعني أنهم حديثو عهد بالتغريبة، ومع تدهور الأوضاع، فقد تطول غيبتهم، وتتراجع معها إمكانية العودة، فمعنى العودة هو عرقلة مشوارهم المهني الذي مضوا فيه قدماً هناك والبدء من جديد، وفي الغالب ليس من نفس النقطة التي انتهوا عندها، بخلاف الاعتياد على جودة الحياة، خاصة في الدول الأوروبية، التي تتوافر فيها الأدوات المعرفية للباحثين منهم، وإن كان لدى بعضهم أسر وأطفال قد كبروا بالخارج، فالقرار لن يأخذه فرد كما كان الحال أولا، وكل ذلك يقلل من نسب احتمالية العودة.
وقسمت الدراسة الشهادات إلى ثلاثة أنواع هي "المضغوطون من الأوضاع بمصر ومن يشعرون بخطر مجهول بسبب طبيعة عملهم"، و"من وصلتهم تهديدات مباشرة وصريحة"، و"من ينتظرهم حكم بالسجن حال العودة أو متهمون على ذمة قضايا".
وعن الإطار القانوني لتلك الحالات، نوّهت الدراسة إلى أن غياب الإرادة السياسية لاحترام حرية التعبير وقيم الديمقراطية، ضمن الأسباب الرئيسية في عودة ظاهرة التغريبة والرحيل غير الطوعي عن مصر، هربا من القمع، وبحثا عن مناخ آمن وأكثر إنسانية.
إلا أن هذا الغياب للإرادة السياسية ليس السبب الوحيد، "فهناك خلل في احترام الدستور والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان"، بحسب الدراسة التي أكدت أنه "في حين تعلن الدولة دائما أن الدستور المصري لعام 2014، حفل بالعديد من المواد التي تحفظ وتصون حقوق وحريات المصريين جميعا، دونما تمييز بسبب الانتماء السياسي، وخاصة في المادة 53، إلا أن عدم إنفاذ الدستور ومواده في الواقع، أسهم في تنامي التمييز، لا سيما بسبب الانتماء السياسي".
واختتمت الشبكة دراستها بسؤال "نزيف الكفاءات.. من يدفع الثمن؟"، وقالت إنه على عكس التغريبات السابقة، فإن هذه التغريبة كانت مزيجا بين أغلب الانتماءات والخلفيات السياسية والوطنية "إخوان، يسار، ليبراليون، بل وقوميون" بالإضافة إلى الأكاديميين والمهنيين الذين رحلوا لتمسكهم بقيم مهنهم، فضلا عن أن الكثير منهم إما شباب أو متوسطو العمر.
كما أن التغريبة الحالية، لم تقتصر على بقعة واحدة في العالم، حيث ضمت العينة التي تواصلت معها الشبكة العربية 9 دول موزعة على العالم العربي وأوروبا والولايات المتحدة، بحسب الدراسة.
ونشرت الدراسة كتابات وشهادات لكُتاب رأي وإعلاميين مصريين، رووا فيها تفاصيل قرار اغترابهم، ومنهم وائل قنديل وبلال فضل، وغيرهما.
اقــرأ أيضاً
"مش عاجبك روح كندا ولا أميركا.. مش عاجبك روح قطر ولا تركيا"، صيحتان شهيرتان، وسمت كل منهما حقبة من حقب الصراع السياسي، وعكست موقف الطرف أو الأطراف صاحبة الكلمة العليا في كل حقبة.
وعن المقولة الأولى، أفاد البحث بأنها ظهرت بعدما دبّ الشقاق بين قوى سياسية ومدنية ودينية، في أعقاب ثورة يناير، وتوّج الخلاف بالصيحة الساخرة لأحد أقطاب التيار السلفي الشيخ محمد يعقوب في 21 مارس/آذار 2011، قائلا "البلد بلدنا والشعب قال نعم للدين، واللي مش عاجبه يروح كندا وأميركا".
ثم تحولت الصيحة الساخرة إلى موقف مؤيدي التيار الإسلامي "إخوان وسلفيين" في مواجهة التيار العلماني خلال فترة حكم المجلس العسكري الممتد لنحو العام والنصف، ثم خلال حكم الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين الذي امتد عاما، حتى أطيح به في انقلاب عسكري في 3 يوليو/تموز 2013، لتتبدل الآية.
جاءت مقولة "مش عاجبك روح قطر ولا تركيا" بعد ما أصبح الإخوان ومؤيدوهم وكثير من الداعمين لثورة يناير، هم العدو الرئيسي لنظام ما بعد 3 يوليو، الممثَل في الحكم العسكري وبقايا نظام مبارك.
"رحلوا، لكن الرحيل لم يكن قاصرا على كندا وأميركا وقطر وتركيا فقط، بل امتد إلى ألمانيا وبريطانيا ودول أخرى أغلبها أوروبية، وبعضها عربية"، بحسب الدراسة التي أكدت أن "الرحيل لم يكن طوعا أو اختيارا، لم يكن أغلبه هربا من قضية سياسية أو بحثا عن لقمة العيش، لكنه كان تغريبة عنوانها الرئيسي الرحيل بحثا عن أفق سياسي أرحب لا يسيطر فيه الخوف والتفتيش في الضمائر، بعيدا عن القمع والتخوين والملاحقة والتشهير".
وأكدت الدراسة، أن تغريبة المصريين الحالية، وإن اختلفت التقديرات حول حجمها، فإن "تأثيرها الناتج عن طبيعة من اضطروا لها، وأغلبهم من الكفاءات العلمية، وبالنظر إلى صغر أعمار المغتربين، أو تعدد وتنوع البلدان التي رحلوا إليها، هو التأثير الأشد والأقوى".
واعتمدت الدراسة على 31 شهادة واستبيانا أجراها باحثو الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، بدءا من شهر يوليو/تموز 2016 وحتى شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فضلا عن البحث التاريخي لظاهرة التغريبة في مصر في العصر الحديث.
وشمل الاستبيان والشهادات مغتربين في 8 دول عربية وأوربية وآسيوية والولايات المتحدة، من خلفيات سياسية وأعمار ومهن مختلفة، فضلا عن النوع.
ومن الشهادات الـ31 التي تلقتها الشبكة العربية، قامت بحذف 9 شهادات، بسبب صعوبة إخفاء هوية مرسليها التي تُظهرها الشهادة، ورغم ترك البعض أمر إعلان الهوية لما تراه الشبكة العربية، أو تصريحهم بالرغبة في إعلان أسمائهم، فإن الشبكة الحقوقية قررت إخفاء هوية الجميع، حرصا على سلامتهم.
كما قامت الشبكة بإخفاء أو تغيير أسماء البلدان التي رحل إليها هؤلاء المغتربون قسريا، إمعانا في الحفاظ على الخصوصية والأمان الشخصي لهم.
وفيما تناول الجزء الأول من الدراسة شهادات عينة البحث؛ فقد ارتكز الجزء الثاني على وصف "حياة التغريبة" باعتباره "نصف حياة"، باعتبار أن "الحياة خارج بلد رحلت عنها بشكل غير طوعي ليس أمرا سهلا أو هينا على النفس، قد يخفف عثورك على عمل ملائم أو وجود أصدقاء لك ببلد الغربة من أثرها، لكن التغريبة تظل أمرا شديد الوطأة، لا سيما إذا لم تجد عملا أو تاقت نفسك لصديق ولم تجده، وكذلك إذا كانت أحوالك المالية صعبة وقد يتهددك خطر إذا رجعت إلى مصر" بحسب إحدى الشهادات.
وأفادت الدراسة بأنه "يمكننا أن نأخذ منهم نسبا مئوية، لكن يظل في مخيلتنا أمر مهم، أنها نسب تقريبية ليست دقيقة، وقاصرة على العينة التي بلغت (31 حالة) لم ينشر منها سوى 22 شهادة"، حيث أجاب 4 فقط ممن شملتهم العينة بعدم الرغبة في العودة الطوعية بنسبة 12 في المائة، فيما أجاب 27 شخصا بنسبة 88 في المائة من حجم العينة برغبة في العودة مشروطة بانفراجة في المجال العام وعدم الملاحقة.
وسجلت الدراسة ملاحظة أن بعض من هاجر ممن شملهم التقرير كان في بداية عام 2012، ثم توالى الخروج والرحيل عن مصر، ما يعني أنهم حديثو عهد بالتغريبة، ومع تدهور الأوضاع، فقد تطول غيبتهم، وتتراجع معها إمكانية العودة، فمعنى العودة هو عرقلة مشوارهم المهني الذي مضوا فيه قدماً هناك والبدء من جديد، وفي الغالب ليس من نفس النقطة التي انتهوا عندها، بخلاف الاعتياد على جودة الحياة، خاصة في الدول الأوروبية، التي تتوافر فيها الأدوات المعرفية للباحثين منهم، وإن كان لدى بعضهم أسر وأطفال قد كبروا بالخارج، فالقرار لن يأخذه فرد كما كان الحال أولا، وكل ذلك يقلل من نسب احتمالية العودة.
وقسمت الدراسة الشهادات إلى ثلاثة أنواع هي "المضغوطون من الأوضاع بمصر ومن يشعرون بخطر مجهول بسبب طبيعة عملهم"، و"من وصلتهم تهديدات مباشرة وصريحة"، و"من ينتظرهم حكم بالسجن حال العودة أو متهمون على ذمة قضايا".
وعن الإطار القانوني لتلك الحالات، نوّهت الدراسة إلى أن غياب الإرادة السياسية لاحترام حرية التعبير وقيم الديمقراطية، ضمن الأسباب الرئيسية في عودة ظاهرة التغريبة والرحيل غير الطوعي عن مصر، هربا من القمع، وبحثا عن مناخ آمن وأكثر إنسانية.
إلا أن هذا الغياب للإرادة السياسية ليس السبب الوحيد، "فهناك خلل في احترام الدستور والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان"، بحسب الدراسة التي أكدت أنه "في حين تعلن الدولة دائما أن الدستور المصري لعام 2014، حفل بالعديد من المواد التي تحفظ وتصون حقوق وحريات المصريين جميعا، دونما تمييز بسبب الانتماء السياسي، وخاصة في المادة 53، إلا أن عدم إنفاذ الدستور ومواده في الواقع، أسهم في تنامي التمييز، لا سيما بسبب الانتماء السياسي".
واختتمت الشبكة دراستها بسؤال "نزيف الكفاءات.. من يدفع الثمن؟"، وقالت إنه على عكس التغريبات السابقة، فإن هذه التغريبة كانت مزيجا بين أغلب الانتماءات والخلفيات السياسية والوطنية "إخوان، يسار، ليبراليون، بل وقوميون" بالإضافة إلى الأكاديميين والمهنيين الذين رحلوا لتمسكهم بقيم مهنهم، فضلا عن أن الكثير منهم إما شباب أو متوسطو العمر.
كما أن التغريبة الحالية، لم تقتصر على بقعة واحدة في العالم، حيث ضمت العينة التي تواصلت معها الشبكة العربية 9 دول موزعة على العالم العربي وأوروبا والولايات المتحدة، بحسب الدراسة.
ونشرت الدراسة كتابات وشهادات لكُتاب رأي وإعلاميين مصريين، رووا فيها تفاصيل قرار اغترابهم، ومنهم وائل قنديل وبلال فضل، وغيرهما.