يطوي عام 2019 أيامه الأخيرة. في الجعبة، مجموعة من الأعمال الدرامية التي عُرِضَت هذه السنة، واستطاعت مجدداً أن تؤسِّس لمرحلة جديدةٍ من الإنتاجات. وعلى الرغم من تأثير المنصّات الإلكترونية البديلة في سياسات الإنتاج، إذ باتت الأعمال تُصنَّع خصيصاً لها، لا تزالُ الدراما التلفزيونية هي الأكثر تأثيراً بالمشاهد العادي في معظم الدول العربية، من بيروت إلى دمشق، مروراً بالخليج والقاهرة والمغرب العربي.
النهج الدرامي المتبع اليوم، يتأسس بشكل أساسي على درّ الأرباح للمنتج بالدرجة الأولى. ودون شك، فإن الأعمال الدرامية التي تحرز تقدماً واضحاً، هي الأعمال التي تندرج في منظومة "الإنتاج العربي المُشترك"، التي حافظت في عام 2019 على موقعها المتقدم على الدراما المحليَّة.
في نظرة سريعة على الإنتاجات العربية، نرى اقتحام الدراما المُشتركة، هذه السنة، سور القاهرة. إذ استطاع مسلسل "خمسة ونص" للكاتبة السورية إيمان السعيد والمخرج فيليب أسمر، أن يحقق نسبة مشاهدة عالية، وشكّل المسلسل تكريماً لبطلة العمل، نادين نسيب نجيم وزميلها معتصم النهار. ولم يحقق المسلسل نجاحاً في القاهرة وحدها، إذ بلغ المراتب الأولى، نهاية موسم رمضان الماضي، في كلّ دول الخليج العربي، ما زاد من تشبُّث المنتج صادق الصباح بخياره أو شراكته مع الممثلة نادين نسيب نجيم، واصفاً إيّاها بـ"جوكر النجاح الموسمي لأعماله الدرامية".
ويبدو أن المزاج مستمرٌّ باتجاه إنتاج آخر بعنوان "2020"، سيجمع نجيم مع شريكها في "خمسة ونص" مُجدداً قصي خولي، وذلك في قصة عن المافيا، ستدخل بازار موسم دراما رمضان المقبل. بلوغُ هذه الدرجة من النجاح لشركة صادق الصباح، لم يحمها من الانتقادات، إذْ أشارَ البعض إلى أنّ المسلسل كان من الممكن أن يكون حِرَفياً أكثر، لو جاء مستوى الكتابة والسيناريو متماسكاً أكثر. وربما هذا هو العيب الأساسي في الأعمال المشتركة، التي تعتمد على نجومية أو شعبيّة الممثل أو الممثلة، بدلاً من جودة النص.
وفي ذات السياق، تعرَّض الصبّاح لانتقاداتٍ أخرى، على مسلسله الثاني لموسم 2019، وهو "الهيبة الجزء الثالث"، إذ كان دون المستوى المطلوب. ولم تنقذ سيرين عبد النور"الهيبة"، بالرغم من شعبية المسلسل في الشارع العربي.
في المقابل، حقق مسلسلٌ آخر للصباح هو "دقيقة صمت"، نجاحاً جماهيرياً ونقدياً كبيراً. "دقيقة صمت" هو آخر أعمال المخرج التونسي شوقي الماجري، أمّا القصة والسيناريو فهي لسامر رضوان. وحقق "دقيقة صمت" أعلى نسبة مشاهدة في لبنان وسورية، وفق الإحصاءات، وذلك بسبب تصريح كاتبه سامر رضوان عن معارضته لنظام آل الأسد، الأمر الذي أشعل فتيل الجدل الواسع الذي انعكس إيجاباً في المقابل على نسبة المشاهدة، خصوصاً أن المسلسل صُور بالكامل في قرى ومحافظات سورية. وحاول سامر رضوان من خلال الأحداث فضح إجرام المخابرات السورية، بقالب لم يخلُ من توجيه رسائل نقديّة إلى العصابة الحاكمة في سورية. وبعيداً عن المضمون، اعتُبِر "دقيقة صمت" من أكثر المسلسلات المتضمنة أداءً تمثيلياً عالياً. وأنعش المخرج الراحل شوقي الماجري الشخصيات بجرعات زائدة من البساطة والتعاطي السهل مع الكاميرا. وأظهر للمرة الأولى مجموعة من المواهب، مثل الممثلة اللبنانية سينتيا صليبا، وزميلتها السورية رنا شميس.
اقــرأ أيضاً
في سياق الدراما السورية، كان طبيعياً أن تستمر الأزمة الخاصة بها، بسبب الأوضاع التي تمرّ بها سورية. لكن ذلك لم يمنع بعض المسلسلات من بلوغ نجاحٍ جيّد. مثلاً، استطاع المخرج السوري عامر فهد، أن يحمّل رسائل كثيرة من خلال قصّة عرضت في رمضان الماضي ضمن مسلسل "عندما تشيخ الذئاب". قام فهد بالنبش في الذاكرة السورية، لإحياء قصّة من التسعينيات، وحوّلها إلى مسلسلٍ مؤلّف من 30 حلقة، اعتُبِر ضرباً من المغامرة. يدور "عندما تشيخ الذئاب" حول رجل دين (يؤدّي دوره سلوم حداد) يحاول أن يعبر، من خلال استغلال الدين، إلى مواضع السلطة والسيطرة، تحت غطاء ديني وباستخدام أدوات التواضع والعطاء. تناول مسلسل "عندما تشيخ الذئاب" حكايات متشعّبة، لكنّها مترابطة جداً، عزّزت من حماسة المتلقي، ودفعته إلى المطالبة بمزيدٍ من المسلسلات من هذا النوع.
وفي ذات السياق، كان الحظّ إلى جانب المخرج السوري، الليث حجو، في مسلسل "مسافة أمان" الذي لم يكن بعيداً عن أعمال الليث في السنوات الأخيرة. "مسافة أمان" تجربة فريدة بعيدة عن الضعف، تتناول حيوات اجتماعية، وأناساً في شارع واحد يخوضون يوميات تشبهنا. كُتِبَت الحوارات بطريقة أظهرت مقدرة التفاعل الأدائي لكاريس بشار ونادين تحسين بيك وعبد المنعم عمايري. هذا التوجه إلى الدراما الاجتماعيَّة ليس جديداً على الدراما السورية، بل عاد، هذا العام، كنوع من الحنين أو التحية لثورة الدراما السورية مطلع القرن الحالي. ويعتبر الليث حجو واحداً من المخرجين الذين وضعوا الحجر الأساس لهذا النوع من الدراما الاجتماعيَّة. إذا عدنا قليلاً بالتاريخ، نرى مسلسل "الفصول الأربعة" الذي رُسِّخ في أذهان السوريين، وتحول إلى مرجعية دراميَّة يستلهم منها السوريون واقعهم الدرامي اليوم. والليث حجو كان أحد المخرجين المساعدين في "الفصول الأربعة"، ما عزز لديه الثقة والعمل على إعادة إحياء هذا النوع من الدراما.
ثمَّة محاولات أخرى ظهرت في الدراما المحليَّة هذا الموسم، لكن لم يكتب لها النجاح المدوي كما هو شأن الدراما العربية المُشتركة. في لبنان على سبيل المثال، ظهرت محاولات لتصحيح المسار الدرامي المحليّ عبر الاستعانة بالخبرات السورية، لكن حتى ذلك لم يمنح الثقة الكاملة للإنتاج الدرامي في لبنان. مثلاً، تأتي محاولة الكاتبة والممثلة، كارين رزق الله، جيدة في مسلسل "إنت مين"، الذي عرض في رمضان، وحقق نسبة مشاهدة جيدة جداً على الصعيد المحلي، رغم بعض العثرات الفنية.
النهج الدرامي المتبع اليوم، يتأسس بشكل أساسي على درّ الأرباح للمنتج بالدرجة الأولى. ودون شك، فإن الأعمال الدرامية التي تحرز تقدماً واضحاً، هي الأعمال التي تندرج في منظومة "الإنتاج العربي المُشترك"، التي حافظت في عام 2019 على موقعها المتقدم على الدراما المحليَّة.
في نظرة سريعة على الإنتاجات العربية، نرى اقتحام الدراما المُشتركة، هذه السنة، سور القاهرة. إذ استطاع مسلسل "خمسة ونص" للكاتبة السورية إيمان السعيد والمخرج فيليب أسمر، أن يحقق نسبة مشاهدة عالية، وشكّل المسلسل تكريماً لبطلة العمل، نادين نسيب نجيم وزميلها معتصم النهار. ولم يحقق المسلسل نجاحاً في القاهرة وحدها، إذ بلغ المراتب الأولى، نهاية موسم رمضان الماضي، في كلّ دول الخليج العربي، ما زاد من تشبُّث المنتج صادق الصباح بخياره أو شراكته مع الممثلة نادين نسيب نجيم، واصفاً إيّاها بـ"جوكر النجاح الموسمي لأعماله الدرامية".
ويبدو أن المزاج مستمرٌّ باتجاه إنتاج آخر بعنوان "2020"، سيجمع نجيم مع شريكها في "خمسة ونص" مُجدداً قصي خولي، وذلك في قصة عن المافيا، ستدخل بازار موسم دراما رمضان المقبل. بلوغُ هذه الدرجة من النجاح لشركة صادق الصباح، لم يحمها من الانتقادات، إذْ أشارَ البعض إلى أنّ المسلسل كان من الممكن أن يكون حِرَفياً أكثر، لو جاء مستوى الكتابة والسيناريو متماسكاً أكثر. وربما هذا هو العيب الأساسي في الأعمال المشتركة، التي تعتمد على نجومية أو شعبيّة الممثل أو الممثلة، بدلاً من جودة النص.
وفي ذات السياق، تعرَّض الصبّاح لانتقاداتٍ أخرى، على مسلسله الثاني لموسم 2019، وهو "الهيبة الجزء الثالث"، إذ كان دون المستوى المطلوب. ولم تنقذ سيرين عبد النور"الهيبة"، بالرغم من شعبية المسلسل في الشارع العربي.
في المقابل، حقق مسلسلٌ آخر للصباح هو "دقيقة صمت"، نجاحاً جماهيرياً ونقدياً كبيراً. "دقيقة صمت" هو آخر أعمال المخرج التونسي شوقي الماجري، أمّا القصة والسيناريو فهي لسامر رضوان. وحقق "دقيقة صمت" أعلى نسبة مشاهدة في لبنان وسورية، وفق الإحصاءات، وذلك بسبب تصريح كاتبه سامر رضوان عن معارضته لنظام آل الأسد، الأمر الذي أشعل فتيل الجدل الواسع الذي انعكس إيجاباً في المقابل على نسبة المشاهدة، خصوصاً أن المسلسل صُور بالكامل في قرى ومحافظات سورية. وحاول سامر رضوان من خلال الأحداث فضح إجرام المخابرات السورية، بقالب لم يخلُ من توجيه رسائل نقديّة إلى العصابة الحاكمة في سورية. وبعيداً عن المضمون، اعتُبِر "دقيقة صمت" من أكثر المسلسلات المتضمنة أداءً تمثيلياً عالياً. وأنعش المخرج الراحل شوقي الماجري الشخصيات بجرعات زائدة من البساطة والتعاطي السهل مع الكاميرا. وأظهر للمرة الأولى مجموعة من المواهب، مثل الممثلة اللبنانية سينتيا صليبا، وزميلتها السورية رنا شميس.
في سياق الدراما السورية، كان طبيعياً أن تستمر الأزمة الخاصة بها، بسبب الأوضاع التي تمرّ بها سورية. لكن ذلك لم يمنع بعض المسلسلات من بلوغ نجاحٍ جيّد. مثلاً، استطاع المخرج السوري عامر فهد، أن يحمّل رسائل كثيرة من خلال قصّة عرضت في رمضان الماضي ضمن مسلسل "عندما تشيخ الذئاب". قام فهد بالنبش في الذاكرة السورية، لإحياء قصّة من التسعينيات، وحوّلها إلى مسلسلٍ مؤلّف من 30 حلقة، اعتُبِر ضرباً من المغامرة. يدور "عندما تشيخ الذئاب" حول رجل دين (يؤدّي دوره سلوم حداد) يحاول أن يعبر، من خلال استغلال الدين، إلى مواضع السلطة والسيطرة، تحت غطاء ديني وباستخدام أدوات التواضع والعطاء. تناول مسلسل "عندما تشيخ الذئاب" حكايات متشعّبة، لكنّها مترابطة جداً، عزّزت من حماسة المتلقي، ودفعته إلى المطالبة بمزيدٍ من المسلسلات من هذا النوع.
وفي ذات السياق، كان الحظّ إلى جانب المخرج السوري، الليث حجو، في مسلسل "مسافة أمان" الذي لم يكن بعيداً عن أعمال الليث في السنوات الأخيرة. "مسافة أمان" تجربة فريدة بعيدة عن الضعف، تتناول حيوات اجتماعية، وأناساً في شارع واحد يخوضون يوميات تشبهنا. كُتِبَت الحوارات بطريقة أظهرت مقدرة التفاعل الأدائي لكاريس بشار ونادين تحسين بيك وعبد المنعم عمايري. هذا التوجه إلى الدراما الاجتماعيَّة ليس جديداً على الدراما السورية، بل عاد، هذا العام، كنوع من الحنين أو التحية لثورة الدراما السورية مطلع القرن الحالي. ويعتبر الليث حجو واحداً من المخرجين الذين وضعوا الحجر الأساس لهذا النوع من الدراما الاجتماعيَّة. إذا عدنا قليلاً بالتاريخ، نرى مسلسل "الفصول الأربعة" الذي رُسِّخ في أذهان السوريين، وتحول إلى مرجعية دراميَّة يستلهم منها السوريون واقعهم الدرامي اليوم. والليث حجو كان أحد المخرجين المساعدين في "الفصول الأربعة"، ما عزز لديه الثقة والعمل على إعادة إحياء هذا النوع من الدراما.
ثمَّة محاولات أخرى ظهرت في الدراما المحليَّة هذا الموسم، لكن لم يكتب لها النجاح المدوي كما هو شأن الدراما العربية المُشتركة. في لبنان على سبيل المثال، ظهرت محاولات لتصحيح المسار الدرامي المحليّ عبر الاستعانة بالخبرات السورية، لكن حتى ذلك لم يمنح الثقة الكاملة للإنتاج الدرامي في لبنان. مثلاً، تأتي محاولة الكاتبة والممثلة، كارين رزق الله، جيدة في مسلسل "إنت مين"، الذي عرض في رمضان، وحقق نسبة مشاهدة جيدة جداً على الصعيد المحلي، رغم بعض العثرات الفنية.