موسكو تعلن انهيار المحادثات
وحاولت موسكو النأي بنفسها عن عمليات القصف التي تتعرض لها المنطقة المحاصرة من قبل النظام منذ سنوات، إذ زعم الكرملين، الأربعاء، أن "اتهامات الغرب للقوات الجوية الروسية بالمسؤولية عن مقتل مدنيين في الغوطة الشرقية الخاضعة لسيطرة المعارضة خارج العاصمة السورية دمشق لا أساس لها".
وسقط مئات ما بين جرحى وقتلى خلال اليومَين الأخيرَين في الغوطة الشرقية، التي يقطنها أكثر من 400 ألف شخص محاصرين منذ خمس سنوات، وهي منطقة تعدّ آخر معاقل المعارضة السورية.
ورداً على سؤال حول اتهام الغرب لروسيا بالمسؤولية عن سقوط بعض القتلى في الغوطة الشرقية، قال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف: "هذه اتهامات لا أساس لها ولا نعلم ما تستند إليه"، مضيفاً، في مؤتمر صحافي عبر الهاتف: "هذه (الاتهامات) لا تدعمها أي معلومات محددة. ولا نقبلها"، وفق وكالة "رويترز".
وفي محاولة للحفاظ على مسافة من جرائم الغوطة، طالب المبعوث الروسي بالأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، مجلس الأمن الدولي للاجتماع غدا الخميس لبحث الوضع في الغوطة الشرقية.
كما أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أن روسيا تعمل على مشروع قرار بمجلس الأمن حول الغوطة.
مجلس الأمن يصوّت الخميس
ومن المنتظر أن يصوت مجلس الأمن الخميس، على الأرجح، على مشروع قانون يطالب بوقف لإطلاق النار لمدة 30 يوماً في سورية، من أجل إفساح المجال أمام وصول المساعدات الإنسانية وإجلاء المرضى والمصابين، بعد أن أعدت الكويت والسويد مشروع القانون طالبتا بأن يتم التصويت عليه "بأسرع ما يمكن"، وفق ما نقلت "فرانس برس" عن البعثة الدبلوماسية السويدية إلى مجلس الأمن.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، قد دعا، اليوم، إلى وقف فوري للقتال في الغوطة، مشيرا إلى أن ضربات النظام السوري أدت إلى تحويلها إلى "جحيم على الأرض" بالنسبة للمدنيين.
ووجه غوتيريس أمام مجلس الأمن الدولي نداء إلى "كل الأطراف المعنيين من أجل تعليق فوري لكل الأعمال الحربية في الغوطة الشرقية لإفساح المجال أمام وصول المساعدة الإنسانية إلى جميع من يحتاجون إليها".
وكان أمين عام الأمم المتحدة قد أكد، الثلاثاء، أنه "يشعر بانزعاج عميق إزاء تصاعد الحالة في الغوطة الشرقية وآثارها المدمرة على المدنيين"، بحسب بيان أصدره المتحدث الرسمي باسمه، ستيفان دوغاريك.
وقال البيان إن "ما يقرب من 400 ألف شخص في الغوطة الشرقية يتعرضون لضربات وقصف جوي"، مضيفاً "نتيجة حصار قوات الحكومة السورية للمنطقة، يعيش السكان هناك في ظروف بالغة الصعوبة، بما في ذلك سوء التغذية".
دعوات للهدنة: ما يجري جحيم
وبسبب تردي الأوضاع في الغوطة، طلب الرئيس الفرنسي إعلان "هدنة" في الغوطة الشرقية، مندداً بـ"شدة" بهجوم النظام السوري على "المدنيين" في هذه المنطقة.
وصرح ماكرون للصحافيين، بعد محادثات مع رئيس ليبيريا جورج ويا، بأن "فرنسا تطلب هدنة في الغوطة الشرقية بهدف التأكد من إجلاء المدنيين، وهو أمر ضروري، وإقامة كل الممرات الإنسانية التي لا بد منها، في أسرع وقت"، بحسب ما نقلت عنه وكالة "فرانس برس".
بدوره، دعا وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية، أليستر بورت، النظام السوري وداعميه إلى إنهاء حملة العنف على "الغوطة الشرقية".
وقال بورت، في تصريحات صحافية الأربعاء، إن "أكثر من 700 شخص في الغوطة الشرقية يحتاجون إلى إجلاء طبي، لكن النظام يرفض السماح بذلك"، مضيفا: "ندعو النظام وداعميه إلى إنهاء حملة العنف، وحماية المدنيين، والسماح بإدخال المساعدة الإنسانية بشكل عاجل وبدون عراقيل".
من جهته، كشف مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الأمير زيد بن الحسين، عن توثيق الأمم المتحدة لمقتل 346 مدنيا وإصابة 878 في الغوطة الشرقية منذ 4 فبراير/ شباط، مؤكدا سقوط "معظمهم في ضربات جوية على مناطق سكنية".
وقال الأمير زيد، في بيان، إنه "يجب على المجتمع الدولي إنهاء حملة الإبادة الوحشية في الغوطة (..) ووقف الأعمال القتالية فورا لمنع قتل المدنيين في جماعات"، مشددا على أن "أي اتفاق سياسي بشأن الغوطة الشرقية يجب ألا يتضمن النزوح القسري للمدنيين".
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة على ضرورة "تذكير جميع الأطراف، ولا سيما الضامنين لاتفاقات أستانة، بالتزاماتهم في هذا الصدد". وحثّ غوتيريس "جميع أصحاب المصلحة على ضمان التقيد بالمبادئ الأساسية للقانون الإنساني بما في ذلك الوصول الإنساني دون إعاقة، وعمليات الإجلاء الطبي غير المشروطة، وحماية المدنيين والمشاريع الأساسية للبنية المدنية".
وعلى صعيد متصل، طلبت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، اليوم أيضاً، السماح بنقل المساعدات إلى الغوطة الشرقية، خاصة للمصابين بحالات خطيرة الذين يحتاجون للعلاج.
وقالت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، يولاندا جاكيمي، رداً على سؤال لوكالة "رويترز" في جنيف: "ندعو كل من يقاتلون إلى ضبط النفس واحترام القوانين الإنسانية الدولية عند استخدام أسلحتهم. ونتوقع أن يزداد الوضع سوءا".
من جهتها، أعربت الخارجية المصرية، الأربعاء، عن "قلقها العميق إزاء التطورات الأخيرة في منطقة الغوطة الشرقية، وتداعياتها الخطيرة على الأوضاع الإنسانية، والمدنيين الموجودين فيها"، مؤكدة أن "القاهرة تواصل مساعيها، واتصالاتها مع الأطراف المعنية، من أجل إيجاد مخرج للوضع الإنساني المتأزم".
وقال بيان للخارجية المصرية إن "هناك حاجة ماسة، وفورية، إلى هدنة إنسانية، بهدف إدخال المساعدات الإنسانية، وإجلاء الجرحى والمصابين، لتجنب كارثة إنسانية حقيقية"، مشيراً إلى "إدانة مصر لأي قصف للمناطق المدنية في الغوطة، ودمشق، وكافة أنحاء سورية".
وأشارت إلى أن التسوية السياسية تظل هي "الخيار الأوحد الذي يؤمّن إنهاء تلك الأزمة، وتحقيق السلام والاستقرار في سورية، بما يلبي طموحات الشعب السوري".
واعتبرت مندوبة واشنطن الدائمة لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي منعقدة بنيويورك حول تعزيز السلم والأمن الدوليين، الأربعاء، أن "مبدأ سيادة الدول لا يمنح نظام بشار الأسد في سورية العذر لاستخدام العنف وإطلاق الغاز على الشعب".
وقالت هيلي إنه "لا يمكن استخدام مبدأ سيادة الدول كعذر لكي يقوم نظام مثل نظام الأسد بإطلاق الغاز على الشعب بينما يقف هذا المجلس عاجزا عن فعل أي شيء".
وأضافت: "سيادة الدول ليست عذرا لأي ديكتاتور يستخدم العنف ضد شعبه ويخلق صراعات إقليمية ثم لا يلحقه شيء، وإذا اعتقدنا أن ذلك صحيح فلن يكون هناك سبب لوجودنا هنا (في مجلس الأمن)"، مشددة على أنه "لم يعد بمقدورنا الآن أن نشيح بوجوهنا بعيدا عن سورية".
انهيار المحادثات
وبعد دعوات ووساطات إقليمية ودولية لفرض هدنة إنسانية تخفف وطأة القصف والحصار على أهالي الغوطة، أعلن المركز الروسي لمراقبة وقف إطلاق النار في سورية، والذي يديره الجيش الروسي، في بيان في وقت لاحق الأربعاء، أن المحادثات مع المعارضة الرامية لـ"إنهاء العنف في المنطقة" قد انهارت.
وقال البيان: "بدأ يتشكل وضع إنساني واجتماعي واقتصادي حرج في الغوطة الشرقية". وأضاف: "الدعوات التي وجهها المركز الروسي لمراقبة وقف إطلاق النار إلى الجماعات المسلحة غير القانونية في الغوطة الشرقية لوقف المقاومة وإلقاء سلاحهم وتسوية وضعهم لم تسفر عن أي نتائج"، على حدّ زعم المركز التابع للجيش الروسي.
وكان مسؤول في المعارضة السورية قال، في وقت سابق اليوم، إن "محاولات وساطة لإعلان هدنة توقف إراقة الدماء في الغوطة الشرقية لم تنجح حتى الآن".
وقال محمد علوش، المسؤول السياسي بـ"جيش الإسلام": "هناك مساع من بعض الجهات الدولية والمحلية لعمليات هدنة في الغوطة ولم تنجح حتى الآن".
وأوضح علوش أن الوساطة جارية بين المعارضة وموسكو، لكنه لم يقدم تفاصيل أخرى، وفق "رويترز".
وشدد رئيس هيئة المفاوضات السورية، نصر الحريري، في تغريدات على "تويتر"، على أن "هناك حاجة ملحة لاستجابة ذات مصداقية من المجتمع الدولي في الغوطة الشرقية، حيث يتم اختراق الخطوط الحمراء يومياً"، مضيفا أنه "بدون إجراءات حاسمة ستواصل جرائم حرب النظام وروسيا بتهديد مئات الآلاف من الأرواح السورية".
— د.نصر الحريري (@Nasr_Hariri) 21 février 2018 " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
">
|
وأضاف الحريري أن "اتفاقيات خفض التصعيد تحولت إلى تصعيد خطير تقوم به روسيا وإيران ومليشيات النظام السوري".
وتقع الغوطة الشرقية ضمن مناطق "خفض التوتر" التي تم الاتفاق عليها في مباحثات أستانة عام 2017، بضمانة من تركيا وروسيا وإيران، وهي آخر معقل للمعارضة قرب العاصمة، وتحاصرها قوات النظام منذ 2012.
وتتعرض الغوطة الشرقية في محيط دمشق لقصف متواصل جوي وبري من قبل قوات النظام منذ أشهر، ما أسفر عن مئات القتلى.
(العربي الجديد)