وكان محامي أسر ضحايا الحروب توبي كيدمان، قد أعلن أن دعوات قدمت للمحكمة الجنائية الدولية، ومن المنتظر تقديم مثلها لمحاكم أوروبية للمطالبة بمحاكمة حفتر، لأنه المسؤول عن ارتكاب جرائم حرب في ليبيا.
وقال كيدمان، خلال لقاءات صحافية في الأيام الماضية: "لدينا أدلة جديدة سنقدمها لمحكمة لاهاي قريبا، بالإضافة لتقرير تسلمته المدعية العامة في المحكمة الدولية لجرائم الحرب، فاتو بنسودا، يتضمن أشخاصا وعسكريين بقيادة قوات حفتر ارتكبوا جرائم حرب".
وكشف المحامي أن التحقيقات وجمع الأدلة تركزت حول أحداث في بنغازي فقط حتى الآن، وبالتحديد حادثين وقعا في عام 2014 والثالث وقع في 2017، مؤكدا أن المحكمة هي التي ستقرر التحقيق مع حفتر أو مع قادة قواته.
ومن بين الأدلة التي احتواها ملف تقديم الدعوى للمحكمة تسجيلات فيديو وأخرى صوتية إلى جانب صور وشهادات لأشخاص حضروا عمليات القتل من قبل حفتر ومعاونيه لعدد كبير من المعارضين والسجناء.
وختم المحامي تصريحاته بالقول "نحن لا نعتبر التعهدات التي قدمها خليفة حفتر بشأن الانتخابات والمصالحة ذات مصداقية، ونعتبر أن القوات التي تحت سيطرته وتعهدت بالولاء له هي من العناصر المزعزعة لاستقرار ليبيا".
وحول هذه التصريحات، قال ناجي طبيقة، وهو حقوقي ليبي، لـ"العربي الجديد"، إن "حفتر لا يمتلك أي أساس قانوني لوجوده على رأس قوات، وما يشاع عن امتلاكه لرتبة مشير ومنصب قائد عام للجيش لا يستند إلى أساس قانوني".
وعن تكليف مجلس النواب له بهذا المنصب، قال "نحن نعرف أن تكليف حفتر جاء ضمن تجاذبات سياسية وعسكرية عام 2015، والتكليف جاء من رئيس مجلس النواب كقائد أعلى للقوات المسلحة، وهي صفة يمتلكها مجلس النواب مجتمعا وليس رئيسه فقط، وبالتالي فالتكليف باطل قانونيا وتشريعيا".
وتابع "حفتر وعدد من الضباط صدر بحقهم قرار بإحالتهم للتقاعد منذ عام 2012، ويجب قبل تكليفه إعادته للجيش وهو ما لم يتم حتى الآن".
وخلص طبيقة إلى أن "كل أعمال حفتر العسكرية تعتبر غير مشروعة وغير قانونية باعتباره لا يمتلك أي صفة في القانون العسكري"، مؤكدا أن محاسبته يجب أن تتم حتى وإن لم تتأكد جرائم الحرب التي اتهم بها جنوده.
وقال الحقوقي إنه "بعيدا عن الجانب القانوني التشريعي، فالقضية لها شق سياسي يتعلق بممارسة الضغوط على حفتر من أجل قبوله بالاتفاق السياسي والانخراط تحت قيادة مدنية ضمن عسكريين آخرين في الجيش".
وتساءل "من الذي يمكنه إرغام حفتر على الخضوع للمحاكمة أو حتى التحقيق وهو محصن داخل قواته، الأمر لا يعدو كونه مجرد ضغط".
واعتبر طبيقة أن توقيت رفع هذه الدعوى له دلالته، فهناك أطراف دولية تخاف فعليا من تهديدات حفتر في يونيو/حزيران الماضي، والتي أكدها ضباطه أكثر من مرة بشأن إمكانية اتخاذه لإجراءات في حال عدم توصل القادة السياسيين لحل في البلاد بنهاية العام الحالي، حيث سينتهي العمر الفعلي للاتفاق السياسي في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، مشيرا إلى أن "إثارة جدل حول ارتكاب حفتر لجرائم حرب يمكنه أن يحد من إمكانية تقدمه عسكريا باتجاه الغرب الليبي".
ويتفق المحلل السياسي الليبي علي الزدام مع تحليل طبيقة حول صعوبة تقديم حفتر للمحاكمة أو التحقيق معه، مضيفا في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الغرض من دعم مثل هذه الدعاوى القضائية تهديد حفتر، وربما المرور من خلال إثبات تورطه جنائيا إلى إعدامه سياسيا وإنهاء وجوده في المرحلة المقبلة".
وقال الزدام "في كل مراحل المفاوضات السياسية كان حفتر المعرقل الأول، وبالتالي إزاحته من المشهد ضمان لتنفيذ الاتفاق"، مشيرا إلى أن لقاءات القاهرة التي انخرط فيها ضباط ليبيون شارفت على الانتهاء من وضع هياكل لمؤسسة الجيش تضمن بقاءها بعيدا عن حفتر.
وتابع المحلل السياسي أن "الهياكل الجديدة لمؤسسة الجيش ستمكن الجيش من البقاء وعدم تشتته، ولا سيما في شرق البلاد، حيث يسيطر حفتر على قيادة الجيش"، مؤكدا أن الشرق الليبي يتوفر على ضباط بالجيش تم تغييبهم وهم على قدرات عسكرية عالية.
وعن أسباب تأجيل طلب حفتر للتحقيق حتى الآن، قال "أعتقد أن أطرافا دولية أرادت لحفتر أن يؤدي دورا وقد انتهى، أو ربما قد فشل، وبالتالي إبراز مثل هذه التهم الآن يدل على قرار حلفائه الدوليين وربما الإقليميين بإنهاء وجوده في المشهد الليبي".
وأشار الزدام إلى إمكانية أن تكون دول كمصر وراء إنهاء حفتر العسكري، وقال "أعتقد أن القاهرة منخرطة في بناء مؤسسة الجيش بشكل يحفظ وجود كل ضباط ليبيا من خلال استضافتها للقاءات الضباط منذ أكثر من شهرين، فهي منزعجة جدا من حفتر بسبب تركه لمدينة درنة كفزاعة للمصريين مع قدرته على حسم أمرها والسيطرة عليها"، موضحاً أن قضية درنة "ربما تكون الشعرة التي قسمت ظهر حفتر وقلبت القاهرة عليه".
ويتفق الزدام وطبيقة في أن محاكمة حفتر بجرائم حرب لم تعد خافية، ولا سيما أنه اعترف في أحاديث متلفزة له بأن "كل الأسلحة مباحة عنده" ومرات يعطي الأوامر لضباطه بالقتل، لكن حسابات سياسية لدى بعض الدول هي التي تؤجل تقديمه للمحاكمة.