دولة الجباية والفشل
هناك عدة أنماط للدولة، أو لشكل الحكم والإدارة، أو يمكن القول إنه هناك عدة مسميات أو أوصاف تطلق على الدولة، حسب شكل الحكم وطبيعة الإدارة، فهناك الدولة المتقدمة التي تقابلها المتخلفة، وهناك دول في المنطقة بين التقدم والتخلف، وتنتقل هنا أو هناك، حسب ظروف وتغيرات داخلية أو خارجية إقليمية. وهناك دولة ديمقراطية تقابلها استبدادية أو ذات طبيعة حكم سلطوي، وهناك دول في المنطقة بين الديمقراطية والدكتاتورية أو الاستبداد، وهناك من هي أقرب للديمقراطية، وأخرى أقرب للدكتاتورية والاستبداد، وإن فيها ديمقراطية شكلية أو صندوقراطية. وهناك دول حدث فيها تغيير أدى إلى الانتقال والتحول من الدكتاتورية نحو الديمقراطية، وهناك نماذج أخرى، حدث فيها تغيير أدى إلى النكوص والانتكاس إلى الدكتاتورية بعدما كانت ديمقراطية، سواء كان هذا التغيير باستخدام وسائل "باردة" مثل الانتخابات، أو باستخدام وسائل "ساخنة"، مثل الثورات الشعبيه السلمية أو بالانقلابات العسكرية.
وإذا كانت غالبية الثورات الشعبية السلمية أدت إلى التطور والانتقال نحو الديمقراطية، إلا أن هناك حالات انتصرت فيها الثورة المضادة، وتحوّل الأمر إلى الأسوأ، مثل مصر. ولكن، من النادر إلى درجة المستحيل أن يؤدي تدخل عسكري، أو انقلاب عسكري، إلى أي تحول ديمقراطي، أو أي تقدم أو أي خير. والملاحظ أن أغلبية الدول الديمقراطية متقدمة، وإنْ هناك استثناءات، كما أن أغلبية الدول الاستبدادية متخلفة وفاشلة، وإن هناك استثناءات، لظروفٍ خاصة، مثل روسيا والصين.
فما بالك إن كانت الدولة (المقصود نظام الحكم وطبيعته) فاشلة واستبدادية وذات طابع عسكري وسلطوي وفاشي، نظام حكم فيه كل العِبر، ويجمع كل السوءات. للأسف الشديد، أصبح هذا حال مصر في عهد عبد الفتاح السيسي. يُعالج الفشل بمزيد منه، والتخبط بمزيد منه، وتعالج مشكلة غياب العدالة بمزيد من الظلم، وتعالج الحماقة بمزيد من الحماقة، والكذب بمزيد من الكذب. إنه إدمان الفشل، وإدمان الحلول السهلة، مهما كانت فاشلة عن تجربة. إنهم لا يقصدون مصر كدولة، عندما يتحدثون عن الحفاظ على الدولة أو دعم الدولة، بل يقصدون الحفاظ على دولة الفشل والفساد والاستبداد.
إنه نظام حكمٍ يعالج مشكلات الحياة المؤلمة بمزيد من الإجراءات المؤلمة، فعلاج زيادة الأسعار عندهم يكون بإجراءات تؤدي إلى مزيد من زيادة الأسعار، مع مشروعات وهمية أو عادية في أحسن الحالات.. إنها دولة الجباية، تعالج مشكلة عجز الموازنة بزيادة الجمارك والجباية التي ستؤدي إلى زيادة الأسعار، والضحية كالعادة هو المواطن البسيط والموظف ذو الدخل المحدود الذي يدفع أيضاً ضريبة مبيعات وضريبة على الدخل، وضرائب أخرى بمسمياتٍ جديدة، ولا مانع من استخدام الطريقة القديمة لتقليل الاحتقان بمزيد من قصص تآمر العالم ضد مصر، أو استخدام ذريعة الإرهاب التي بليت استخداماً.
وتستمر السياسات المباركية نفسها، سد عجز الموازنة ببيع الأصول، وتقليل الضرائب على الأغنياء بحجة جذب الاستثمار من أجل تحقيق نمو. بالتوازي مع ذلك، تتم زيادة العذاب على الفقراء عن طريق مزيد من الإجراءات المؤلمة، وتقليل الدعم ورفع أسعار الوقود والماء والكهرباء والخدمات.
وعلى الرغم من هبوط سعر البترول في العالم، وبالتالي هبوط سعر الوقود، إلا أنه ثابت في مصر ومعرّض للزيادة بسبب زيادة معدلات التخبط والفشل الإداري والفساد. وبشكل عام، لا يبدو أن هناك أي ضوء في الأفق، فلا توجد خطة تنموية شاملة، ولا خطة للاستفادة من الموارد، ولا أي سياسات لتحقيق عدالة اجتماعية، وكيف لمن يظلم أن يحقق العدالة.
إنه نظام المسكنات لعلاج الفشل، فشل في الإدارة والتعليم والصناعة والزراعة، نظام لا يخطط إلا لمزيد من الظلم والقسوة والاستبداد لا بد أن يفشل في كل شيء، إلا الكذب والخدع والبهرجة، والسؤال الآن، من يدفع الفاتورة؟ من سيتحمل نتائج هذا الفشل والتخبط؟ إنه المواطن البسيط، الموظف ومحدود الدخل والطبقة الوسطى وما تحتها، الموظف الذي يدفع زيادات الماء والكهرباء والوقود والمواصلات وهو راضٍ، ثم يدفع مزيداً من الضرائب والجمارك التي تفرضها الحكومة كل فترة بمسميات جديدة، إنه المواطن الذي يدفع ضريبةً جديدةً، لأن الحكومة لا ترغب في فرض ضرائب على الأغنياء، مثل ضرائب البورصة أو الضرائب التصاعدية على أصحاب الدخول الأعلى، أو ضريبة من يزيد دخله عن مليون جنيه.
من فشل إلى مزيد منه، ومن ظلم إلى مزيد منه، ومن الاستبداد إلى مزيد منه، وندور في دائرة مفرغة، ولا يبدو أن هناك مَخرجا في الأفق القريب، بسبب الغرور والعناد، والناس صابرون. المصري معروف عنه القدرة على التحمل والتكيّف والصبر إلى لحظة ما تأتي فجأة. وكالعادة، ليس هناك من يسمع أو يريد أن يسمع، وكالعادة يدفعون البلد دفعاً بمنتهى الغرور نحو الانفجار.