في بداية حياته كان الفنان عادل أدهم، يعيش فى محافظة الإسكندرية. شاب وسيم، من أسرة ميسورة، وفنان . ثلاث ميزات تستطيع أن تخلب لُب أي فتاة دون مقاومة بمعايير أي زمن ومكان؛ إلا أن عادل الذي كان قد نوى أن يضع مهنة التمثيل أولوية في حياته قد نحى أي شيء عداه جانبًا، رافعًا شعار ( لا مكان للحب )؛ لكن ولأن النصيب لا يخضع لقوانين يضعها بشر فقد انهار شعاره سريعًا على يد ديمترا.
ديمترا، فتاة يونانية جميلة سافرت في إجازة إلى مصر بضعة أيام لزيارة أعزّ صديقاتها. بالصدفة وفي أحد النوادي المطلّة على البحر تعرّفت على عادل، ميزة ديمترا عدا الشعر الأصفر والعيون الزرقاء، أن أغلب سماتها الشخصية كانت أقرب لنا كعرب من أن تكون فتاة أجنبية؛ الجمال الهادئ، العين الناظرة دومًا إلى الأرض بخجل، صوت منخفض لكنه مسموع، الحديث المقتضب لكن بجاذبية. الملابس البسيطة الأنيقة. الغريب أنه ومع عقبة اختلاف الثقافات توغل الحب في قلبيهما؛ لكن حُب ديمترا له كان أكبر.. عادل كان يحتاج الاستقرار وديمترا كانت تحتاج أن تُحب؛ أخذا قرار الزواج ورغم معارضة أهل ديمترا في اليونان لزواجها من شخص عربي؛ إلا أنّها صممت وتمسكت به إلى النهاية.
تزوجا وعاشا في الإسكندرية. البداية كانت سعيدة لكن مع الوقت وبسبب عمل عادل والضغط العصبي المصاحب له بدأت عصبيته تظهر وتأخذ شكلًا مختلفًا. بدأ الشكل المختلف يتحوّل إلى شكل متخلف؛ ضرب، إهانة، عتاب متكرر.. ديمترا كانت تستقبل كل هذا بالصبر أو على وجه الدقة بالحب؛ حتى عاد عادل للبيت متأخرًا في أحد الأيّام وعندما عاتبته بشكل خفيف على تأخّره وأنها كانت بحاجة إليه بجوارها لأنها كانت متعبة طوال اليوم لدرجة أنها ذهبت للطبيب للكشف. تجاهل عادل عتابها وتعامل معه باستهزاء، وعندما وجدها لم تطبخ ضربها، امتدت يده عليها للمرّة الأولى دون مراعاة لكونها حاملًا في شهرها الرابع.. ضربها ودخل لينام. استيقظ ولم يجدها هي أو ملابسها ولا أي أثر منها. ثقته في حبّها له جعلته واثقًا من أن قدره في قلبها مضمون؛ لكن عندما مرّ اليوم ولم تظهر ذهب للإبلاغ عن اختفائها فى قسم شرطة محطة الرمل.
بحث عنها في كل فنادق الإسكندرية وشققها المفروشة بلا فائدة. سأل عنها صديقتها اليونانية الموجودة في مصر فأخبرته أنها سافرت إلى اليونان وقدّمت له نصيحة أن لا يحاول البحث عنها بعد الآن لأنه لن يجدها. لم يهتم بنصيحتها وسافر إلى هناك. سأل أهلها فأنكروا معرفتهم بمكانها. ظلّ هناك عدة أيام يبحث في الشوارع سيرًا على الأقدام بلا أي طائل. صدمة عادل الحقيقية كانت في أنه في كل لحظة من وقت اختفائها وأثناء بحثه عنها كان يراجع في ذهنه مرات معاملته لها بقسوة وهو يظن أنها ستظل تتحمّل للأبد.عاد لمصر دون زوجته ودون أبنه الذي لم يرَ النور بعد.
مرّت السنوات ودفن عادل نفسه في عمله. زادت شهرته. تستطيع أن تلمح بسهولة مسحة الحزن تحت عينيه أثناء تمثيله والتكشيرة التي أصبحت جزءًا من ملامح وجهه والناس تظن أنها إحدى أدواته التمثيلية؛ لكن أصلها كان الموقف الذي ترك جرحًا فى نفسه لن يُنسى.
تزوّج مرّة أخرى من شابة صغيرة في السن، ورغم أن عمره أصبح متقدّمًا إلا أنك تشعر أنها كانت خطوة لمحاولة إصلاح وتعويض ما فات من خطأ قديم. عاملها بمنتهى الحب والتقدير بعد استيعاب الدرس، بعد 25 عامًا وأثناء قضائه لأجازته السنوبة برفقة زوجته الجديدة في الغردقة قابل بالصدفة صديقة ديمترا القديمة. عرف منها أن ديمترا تزوّجت وأنها موجودة في اليونان في العنوان الفلاني برفقة زوجها الجديد وابنها من عادل. للمرّة الثانية يترك عادل كل شيء وراءه ويطير إلى هناك على أمل اللقاء! الغريب أن ديمترا استقبلته بترحاب هي وزوجها وقاما بدعوته لتناول الغذاء معهما. كان واضحًا أنها سعيدة مع زوجها الجديد؛ فطرح عادل على نفسه سؤالًا لم يتلق عليه ردًا: "أين ذهب حبّنا"؟
طرد أمر ديمترا من رأسه وأقنع نفسه أنها صفحة طويت وأن أساس زيارتها هو رؤية ابنه. سأل عنه، أجابته أنه في المطعم الذي يمتلكه والذي أنشأه له زوجها على نفقته الخاصّة ونصحته أن لا يحاول مقابلته أو لا يعرفه بنفسه. ذهب إلى المطعم دون اكتراث برأيها. قابل إبنه وعرفه بنفسه وهو غير مصدّق أنه يرى بعد كل هذا العمر جزءا منه واقفًا على قدميه. أقترب منه ليحتضنه؛ لكن الابن وضع يده حائلًا بينهما وصدّه عن حتى مجرّد ملامسته، وقال له إنه لا يعرف أبًا له غير الذي قام بتربيته وباحتواء أمه، وإن كل ما يستطيع أن يفعله مع عادل بعد أن عرف أنه والده الحقيقي هو ألا يجعله يدفع فاتورته في المطعم، صُعق عادل لكلام الابن، وللمرّة الثانية يتذوّق مرارة الألم لخطئه القديم الذي بات واضحًا أن الزمن أبى أن يغفره له. عاد إلى مصر لا تحمله قدماه ودخل في نوبة اكتئاب انتهت بوفاته.
المصادر:
مصادرالقصة : برنامج " ممنوع من العرض" تقديم : " محمدعشوب " - برنامج " ماسبيرو " تقديم : "سميرصبرى ".