يحاول كتاب المستشرقة الأميركية دينيس سبيلبرغ "جيفرسون والقرآن: الإسلام والآباء المؤسسون" رصد علاقة تبدو مجهولة بين الإسلام واللحظة التأسيسية للولايات المتحدة الأميركية.
تبرّر الكاتبة الجمع بين هذين المجالين الذين قلّما تقاطعا في الدراسات، بأن "الولايات المتحدة الاميركية" كفكرة ومشروع انبنت على رؤية واضحة لـ "الحرية الدينية".
واعتبرت سبيلبرغ في كتابها الصادر، مؤخراً عن مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" و"جداول"، أن اكتشاف الحضارة الغربية للإسلام بشكل موسع خلال القرن العشرين أظهر أن نفس هذه الفكرة منغرسة لدى مفكري الإسلام مثل ابن رشد وابن خلدون، كما أن النص المحوري للدين الإسلامي يتناول هذه الفكرة بوضوح. لكن لم يضئ أحد من قبل هذه النقاط للقارئ الأميركي قبل القرن العشرين.
في جزء من عملها، تتخذ سبيلبرغ أدوات التحقيق التاريخي حين تتقصّى علاقة أحد أهم بناة المشروع الأميركي، توماس جيفرسون (1743 - 1826)، فتكشف أنه كان يملك في مكتبته نسخة من القرآن، وهي بالمناسبة تضيء انشغاله بمعرفة أسرار اللغات الشرقية ودراستها.
مكّن هذا الجهد الاستقصائي الكاتبة من أن تجد في مخطوطات جيفرسون عدداً من الملاحظات، استنتجت من خلالها بأنه استلهم بعض مواقف من منظومة الأفكار التي أرساها الإسلام بخصوص تنظيم الشأن الديني في فضاء تتعدّد فيه الأديان والطوائف.
بهذه القراءة، تناقض سبيلبرغ شيئاً من الرواية المتداولة عن أن كتابة الدستور الأميركي اعتمد كمرجع له القانون الإنجليزي. فهذا الأخير يظلّ مبنياً على العرف والعادة، ولم تكن بريطانيا نفسها قد تعرّضت فكرياً لتعايش الأديان، بل إن التاريخ يكشف أن هذه المسألة عولجت في الغالب بالإقصاء والتهميش.
في موضع من عملها، تشير الكاتبة أن هذا الاستنجاد بالفكر الإسلامي لم يكن يعني بأن جيفرسون لديه ميول تجاه هذا الدين، بل إنها تميل نحو إظهار توجّسه منه، وهي مشاعر كانت منتشرة لدى معظم معاصريه من البروتستانت سواء في أوروبا أو أميركا.
بذلك، تبيّن أن التفاته إلى القرآن كان ضمن مشروع تاريخي موسّع في دراسة مقارنة بين التجارب التاريخية لمعرفة الأفضل منها في إدارة البلاد الجديدة، وقد وجد في أحد أهم المواضيع تقاطعاً لفت انتباهه فانكب عليه.
في الفصول الأخيرة، يتوسّع الكتاب في نفس الفكرة، حين يدرس العلاقة بين أميركا والإسلام في كامل فترة بناء مؤسّسات الدولة الأميركية. هنا، تشير سبيلبرغ إلى أن الإسلام كان يعتبر في التمثل العام "ديناً بعيداً ونظاماً عقدياً غير مفهوم".